في مطلع عام 1999م، اعتصمنا بمقر نقابة الصحفيين؛ للمطالبة بتوفير محاكمة عادلة لنا كصحفيين في جريدة الشعب، وقتها كان النائب العام قد أحالنا لمحاكمة عاجلة، بناء على خطاب من الأمين العام للحزب الوطني الحاكم ونائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة الدكتور يوسف والي "المودع بسجن طرة الآن بنفس التهم التي حبسنا على أساسها من قبل".
وفور وصول أمر الإحالة إليه، انتقي رئيس محكمة الاستئناف لنا دائرة شهيرة في موالاتها لأهل الحكم، ألا وهي دائرة جنايات بولاق، التي يرأسها المستشار عادل عبد السلام جمعة، وكانت دائرتنا القضائية الطبيعية، والتي من المفترض أن نمثل أمامها هي دائرة "السيدة زينب" التابعة لمحل عملنا بصحيفة الشعب.
ولأن سمعة القاضي سبقته، ومجريات سير القضية تشير إلى أنه لن يلتفت للوثائق التي كانت بحوزتنا، وهي كثيرة جدا، وأنه عقد العزم على حبسنا وقتها، وتحت ضغط اعتصامنا، دعا إبراهيم نافع مجلس نقابة الصحفيين للانعقاد، وكان يضم ثلة من زملاء كنت أحسبهم مناضلين وقتها، بيد أن تلك الثلة تمكن إبراهيم نافع كنقيب للصحفيين -وقتها- من إغوائها بسلطته ونفوذه ووعوده.
وكان نافع يري أنه غير قادر على مواجهة نفوذ يوسف والي، ويري تدخل النقابة ضد العدالة أمرا غير مستحب، ومن هنا أعطى نافع الضوء الأخضر لأعضاء مجلس النقابة في أن يتركونا بدون أية مبادرات لدعمنا، بعد أن قرر هو أولا التخلي عنا.
وعلى الرغم من أن مجدي أحمد حسين -المتهم الثاني بالقضية- كان عضوا بالمجلس ورئيساً للجنة الحريات إلا أنه لم يستطع أن يفعل شيئا لنا أو لنفسه، حيث كان العبد لله المتهم الأول بتلك القضية، ومجدي الثاني، وعصام الثالث.
ومن هنا، بدلا من أن يتضامن مجلس النقابة معي ورفاقي، ويواجهوا تلك الدائرة التي أكدت الأيام صحة تخوفاتنا منها تراجعوا وتركونا وحدنا، وبعدها حقق النائب العام في اتهامات ضد رئيسها بتلقي رشوة من يوسف والي ليحبسنا، غير أننا لا نعرف مصير تحقيقاته، رغم مرور ثلاثة أعوام عليها.
بدلا من التضامن معنا، قرر مجلس نقابة الصحفيين طردنا من مقر النقابة، وسلط علينا عمال النقابة ليقطعوا معرضا كنا أقمناه يحتوي ما نشرناه بجريدة الشعب، ونشرته الصحف، حول سرطنة المصريين بالمبيدات، والتطبيع الزراعي، حيث جمع إبراهيم نافع أعضاء المجلس في الأهرام خصيصا لهذا الغرض.
وحتى تكتمل الطبخة، اتهموني ظلما بأنني كنت أود أن أعتدي على نقيب الصحفيين إبراهيم نافع بالضرب، ونشر إبراهيم نافع خبرا بذلك في صفحة الأهرام الأولى،وسلط عناصر معروفة بالأهرام لتجمع توقيعات بفصلي من النقابة، وأحالوني وقتها لمجلس تأديب ترأسه السكرتير العام لنقابة الصحفيين الأستاذ يحيى قلاش، والذي كان حريصا كل الحرص أن ينهي مجلس التأديب بقرار يفصلني فيه من النقابة مجاملة للنقيب.
ولولا تدخل دوائر سيادية بالدولة، تلك الدوائر لا أعلمها حتى الآن، ولا أعرف لماذا تدخلت ومنعت المستشار المنتدب من قبل مجلس الدولة من الذهاب للنقابة لمتابعة فعاليات مجلس التأديب؛ لكنت فصلت من النقابة وقتها، على أيدي نافع ورجاله.
وبعد أول جلسة كان قد عقدها مجلس التأديب بأسبوع، حبسني عادل عبد السلام جمعة مع رفاقي في جريدة الشعب عامين وغرامة عشرين ألف جنيه لكل واحد فينا، وتم تغريم المرحوم عادل حسين أمين عام حزب العمل ولم يحبس؛ حيث كان رابعنا "يرحمه الله".
حبسنا المستشار عادل عبد السلام جمعة بدون أن يعطي هيئة الدفاع عنا حق الترافع، وهو ما جعلها تنسحب من القضية.
وتخيلوا... ، مجلس النقابة الذي فعل بنا ذلك نذكر من الأعضاء فيه وقتها للتاريخ: "يحيى قلاش -السكرتير العام- الذي يطرح نفسه نقيبا للصحفيين الآن، وصلاح عبد المقصود -رئيس لجنة الشئون العربية- والمناضل حمدين صباحي، والمناضل أسامة الغزالي حرب، والمناضل رجائي المرغني، إلى جانب مجدي حسين المتهم مثلي، وزميلي بجريدة الشعب كارم محمود.
ودخلنا السجن، العبد لله كاتب هذه السطور، ورئيس لجنة الحريات بالنقابة مجدي أحمد حسين، والفنان عصام حنفي رسام الكاريكاتير، وهناك تركنا أعضاء مجلس النقابة، وبتنا نقرأ تصريحات لنافع ولهم بأننا نحتاج إلى ثقافة قانونية، وكل الصحفيون يحتاجونها، حتى لا يكون مصيرهم الحبس مثلنا.
لا أتذكر أحدا منهم زارنا أو سأل عنا، ربما في أواخر أيامنا زارنا عدد منهم ذرا للرماد في العيون، وأنا شخصيا رفضت أن اخرج لمقابلة أي منهم.
وفي ظل هذا التجاهل، وسلوك المجلس، كان من الطبيعي أن يحبس سكرتير عام النقابة، والنقيب براهيم نافع ، والزميل محمد أبو لواية بتهمة السب والقذف لمدة شهر بطرة، وكان من الطبيعي، أن يطلع أحد المتعاطفين معنا في إدارة السجن من يهمه أمري.
يطلعه، على مذكرة من الجنرال حبيب العادلي -المحبوس مكاننا الآن مع يوسف والي- تقول "بناءً على تعليمات من يوسف والي نائب رئيس الوزراء أرجو وضعهم مع الجنائيين، ومعاملتهم معاملة المجرمين، حتى يكونوا عبرة لكل الصحفيين".
وما لاقيناه في الحبس، وغيره من إغلاق صحيفتنا، وتشريدنا، وإرهاب أسرنا، ومحاصرة أطفالنا، كله نحتسبه عند الله سبحانه وتعالى، لكننا من أجل مصلحة المهنة نسجل تقصير الغالبية من أعضاء مجلس النقابة الحالي في الوقوف إلى جوارنا.
لا فارق عندنا بين أعضاء المجلس سواء كانوا من الإخوان أو الناصريين أو الحكوميين، ويكفي أننا اعتصمنا ستة أشهر، وأضربنا عن الطعام عشرة أيام كصحفيين بجريدة الشعب؛ للمطالبة بحقوق مهنية ونقابية، وحقنا في التعبير، ووقف المجلس عاجزا عن أن يفعل لنا أي شيء، وتركنا فريسة لنقيب السلطة مكرم محمد أحمد.
وخلال هذا الاعتصام والإضراب، الذي كان معنا فيه زميلات، لم أرَ كثيرين ممن يطرحون أنفسهم حاليا كمرشحين لشغل مواقع نقابية، ممن كانوا يمرون علينا مجرد مرور لإبداء نوع من المساندة، ومن بينهم ممدوح الولي الذي يطرح نفسه نقيباً للصحفيين على سبيل المثال.
وقس على ما سبق، تكرر ذلك مع كافة الزملاء أعضاء الجمعية العمومية الذين مروا بظروف مشابهة لظروفنا، وتعرضوا لعقوبات طالت جسدهم وحرياتهم وقوت يومهم وحقهم في التعبير.
وإن كانت ثورة 25يناير المجيدة قامت لتقتص للذين ظلموا، وهي ثورة عظيمة أهدانا إياها من ليس كمثله شيء في الأرض ولا في السماء، فإننا مطالبون كأعضاء جمعية عمومية لنقابة الصحفيين أن نحسن التعامل مع تلك الهدية الربانية، ونحكم ضمائرنا، ولا تخدعنا أية شعارات دينية كانت أم دنيوية.
يجب أن نجتث تماما ليس فلول النظام البائد فحسب، وإنما نجتث كل من أفسد مهنة الصحافة، ونمنع تلك العناصر أن تلعب أي دور فاعل في حياتنا الصحفية، فمن خان ضميره المهني، وتخلى عن رفاقه لاعتبارات دنيوية بحته، سيظل الخطر الأكبر على نقابتنا ومهنتنا.
سأذهب،غدا الأربعاء لنقابتنا، لأقول نعم لكل من وقف ضد حبس الصحفيين، وضد إغلاق الصحف، وضد الفساد، وضد التطبيع، وضد التبعية.
سأقول نعم، لكل من يقدم حلولا مبتكرة لمشكلات الزملاء المهنية، ويساعدهم في استرداد حريتهم وحقهم في التعبير عن أنفسهم.
سأقول نعم، لكل من انحاز بوضوح وعن إيمان لثورة 25يناير المجيدة، ولم تتلوث يداه بالفساد والدماء.
سأقول نعم، لكل من يسعى لتقنين أوضاع الزملاء العاملين بالصحافة الإليكترونية وفق قواعد يتفق عليها.
سأقول نعم، لكل من يدعم وحدتنا كمصريين، ويؤمن أن الشعب والجيش يد واحدة، وأتمنى أن ينجح الصحفيون في انتخاب مجلس يمثل كل ألوان طيفهم.
مجلس يحمي مهنتهم ويزود عنهم، ويضم رجالا ونساء فوق مستوى الشبهات....