على مساحة 32 فدانا محاطة بأشجار الصفصاف ونبات البردي، أقيمت القرية الفرعونية بمحافظة الجيزة، المتاخمة للعاصمة المصرية، لتحاكي حياة المصري القديم في شتى مناحي الحياة. و"البردي" نبات استخدمته مصر الفرعونية لصناعة الورق، لكنه اختفى بعدما اخترع الصينيون وسائل حديثة لصناعة الورق؛ إلا أن القرية الفرعونية أعادت زراعته منذ 25 عاما . مراسلة الأناضول تجولت في أروقة القرية، بصحبة مجموعة "فوتون" التي نظمت رحلة تثقيفية للقرية الفرعونية . و"فوتون" مجموعة شبابية، انطلقت عام 2013 لتشجيع مواهب التصوير؛ ثم تطورت الفكرة إلى تنظيم رحلات لمناطق سياحية في مصر وتصويرها ، بدأت الرحلة بجولة نيلية في "القناة الأسطورية" التي تتوسط القرية وتستعرض أشهر تماثيل حكام مصر الفرعونية و أول تلك التماثيل للإله الروماني "نولوس"، ويرمز إلى نهر النيل، ويصطف بالأسفل منه تماثيل لأطفال بالزي الفرعوني في رمز للحياة المتجددة التي يمثلها نهر النيل وإلى جواره، جاء تمثال "حورس" إله القضاء الذي كان معروفا لدى قدامي المصريين بحمايته لحاكم مصر الفرعونية أثناء الحياة ، ثم تمثال الإله "آمون" وبدأت شهرته قبل 1900 عام من الميلاد، حيث عبده ملوك طيبة الذين طردوا الهكسوس من مصر، وأقاموا له معبد الكرنك أكبر معبد تاريخي في العالم ، يليه تمثال "تحتمس الثالث" أعظم قادة الجيوش آنذاك، والذي يلقبه المؤرخون ب "نابليون" مصر القديمة؛ نسبة إلى القائد العسكري الفرنسي الشهير نابليون بونابرت. أما تمثال "أخناتون"، فهو للحاكم الفرعوني الذي دعا إلى عبادة الإله الأوحد، وشيد له عاصمة جديدة وسط مصر ؛ وكذلك تمثال "رمسيس الثاني" الذي شيد معبد "أبو سمبل"، وتعد فترة حكمه (67 عاما) هي الأطول في تاريخ مصر. وأخيرا، تمثال "بس" (القزم القبيح) ومع ذلك كان الفراعنة يعتقدون أن له مكانة كبيرة وقدرة على حماية الناس من سموم الثعابين والعقارب. وأقيمت على جنبات "القناة الأسطورية" عروض تمثيلية، يؤدي فيها فنانون تفاصيل حياتية للمصري القديم على المستوى الاجتماعي والديني ، وتحدثت تلك العروض، عن قيام المصري القديم بحرث الأرض لإعدادها للزراعة، وصناعة خلايا النحل من الأنابيب الفخارية لاستخلاص عسل النحل المصفى، وصناعة القوارب الصغيرة التي كانت وسيلة المواصلات الرئيسية آنذاك لعبور نهر النيل، فضلا عن صيد الأسماك من نهر النيل كمصدر للطعام . كما تحدثت عن 13 حرفة وصناعة كانت تمثل قوام الحياة الاقتصادية للمصري القديم، أبرزها الطوب اللبن والزجاج بمختلف ألوانه والتحنيط لما يعتقده المصري القديم في وجود حياة بعد الموت تستلزم الحفاظ على الجسد كي ترد له الروح، و كانت عملية التحنيط تستغرق من 40 ل 70 يوما ، وأبرزت العروض الفنية كيف كانت صناعة الفخار من أقدم الصناعات التي عرفها التاريخ الإنساني منذ 6 آلاف عام قبل التاريخ، وكذلك حرفة النقش والتلوين على الجدران وهو ما يعرف اليوم بفن "الجرافيتي". ومن خلال حجر "الألبستر" كان الفراعنة يصنعون الفازات (حاويات الزهور) ومصابيح وقوارير مزخرفة لتخزين العطور النفيسة، ومن خلال المحاجر أيضا كان المصري القديم يمارس حرفة نحت التماثيل ، ووفقا للعروض، أقام المصري القديم الورش الصناعية للمنتجات الخشبية والنحاسية، فضلا عن إنتاج الأسلحة كالسيوف والحراب والدروع والرماح والسهام، ما يعكس إيمان الفراعنة بضرورة وجود جيش قوي قادر على حماية حدود بلادهم. وكانت صناعات الكتان والنبيذ من الصناعات الرائجة في مصر الفرعونية، بينما كانت صناعة الورق من نبات البردي قاصرة على الدولة ، وفيما يتعلق بالحياة الدينية، تضم القرية الفرعونية نموذجا لمعبد الكرنك المقام في محافظة الأقصر (جنوب). وعلى بوابة المعبد، يقف كبير الكهنة بلباسه الأبيض (كناية عن الطهارة)، وعلى كتفه قطعة من جلد النمر (كناية عن القوة)، وكان يشترط على كبير الكهنة أن يقوم بإزالة شعر جسده بالكامل، وفقا لنهى محمد المرشدة السياحية ودليل الجولة. وتعد المكتبة المقدسة في المعبد، أول مكتبة يعرفها التاريخ الإنساني، و تشبه في شكلها إلى حد كبير أبراج الحمام، و كانت توضع فيها الكتب المصنوعة من نبات البردي. كما يضم المعبد أول ساعة مائية عرفها البشر، وفقا للمصدر ذاته، وتم تصنيعها بشكل يضم 12 مسافة تمثل 12 ساعة، و كان يتم ملؤها بالمياه مرتين في اليوم، بحيث يمثل سقوط كل قطرة ماء ثانية من الوقت ، وكان القائمون على المعبد، يضعون طبقين من الزيت أعلى الماء، كي لا يتبخر ويؤثر على دقة توقيتات الساعة. وأخيرا حطت الجولة الرحال لدى النموذج الذي أقامته القرية الفرعونية لمقبرة الملك "توت عنخ آمون"، والموجودة نسختها الأصلية في منطقة وادي الملوك بالأقصر ، وبحسب دليل الجولة، لقب "توت عنخ آمون" بالفرعون الصغير، كونه تولى الحكم وهو في سن التاسعة وتوفى وعمره لم يتجاوز التاسعة عشر جراء إصابته بالملاريا؛ إلا أن صيته ذاع بعد وفاته، كون مقبرته هي أول مقبرة لملك فرعوني تكتشف كاملة دون أن ينهب منها شيئا عام 1922. وفي المقبرة، غرفة استقبال تضم 3 سرائر جنائزية للتحنيط، مصنوعة الذهب والخشب، فضلا عن صناديق لحفظ الطعام والشراب الذي سيرافق الملك في عالمه الآخر، وتمثالين لحفظ روحه (وفقا للمعتقدات الفرعونية) ، وفي المقبرة "قناع الدفن الذهبي" الذي يجسد ملامح الملك ويزن 11 كيلوغراما من الذهب الخالص، وكان الفراعنة يصنعوه لأن عملية التحنيط تؤدي لتدمير الوجه فأرادوا أن يحفظوا ملامح ملوكهم كي تتعرف عليها أرواحهم وتسكن فيها بعد الدفن، حسب دليل الجولة. أما التابوت الذي وجدت فيه مومياء الملك فيزن 110 كيلوغراما من الذهب الخالص ، وتضم المقبرة "غرفة الكنز" وفيها تمثال "أنوبيس" إله التحنيط في مصر القديمة، ويأخذ شكل حيوان يحمل نفس الاسم ينبش القبور، ويلتهم الجثث، فوضع الفراعنة تمثالا له في قبور ذويهم كي لا يهاجم جثامينهم، حسب الدليل نهى محمد.