يأمل التونسيون أن تنقل الانتخابات التشريعية المقرر عقدها يوم الأحد المقبل، البلاد نهائيا الى مصاف الدول الديمقراطية وترسيخ التعددية الحزبية بعد تجربة امتدت لأكثر من نصف قرن مع حكم الحزب الواحد. ومنذ عام 1956 تاريخ استقلال البلاد من الاستعمار الفرنسي وحتى عام 2011 لم تعرف تونس سوى نظام حكم الحزب الواحد على الرغم من الهزات السياسية التي عرفتها في مراحل مختلفة. وأولت النخبة السياسية التي قادت النضال ضد المستعمر الفرنسي الى إعطاء الاولوية لبناء دولة الاستقلال وتركيز الإدارة وتحديث المجتمع التونسي وتحرير المرأة وتعميم برامج التعليم والصحة والنمو الاقتصادي. وقاد الزعيم العلماني الراحل الحبيب بورقيبة الذي ترأس مفاوضات الاستقلال مع الحكومة الفرنسية مرحلة بناء الدولة بعد التحرر وتولى منصب أول رئيس لتونس بعد الإطاحة بالنظام الملكي واعلان الجمهورية في 25 يوليو 1957. لكن بورقيبة (1903-2000) الذي سطر نموذج الدولة الحديثة في تونس عزز من صلاحياته الواسعة كرئيس وزعيم للحزب الاشتراكي الدستوري وريث الحزب الدستوري الحر الذي قاد معركة التحرير ضد فرنسا. وعلى الرغم من بروز تيارات معارضة، إسلاميين ويساريين بشكل خاص، لنظام الحزب الواحد فإنه لم يكن متاحا في ظل حكم بورقيبة ذو الكاريزما القوية تركيز أسس الديمقراطية وتقديم منافسين له على الحكم لذا منح تعديل دستوري عام 1976 الزعيم الراحل الرئاسة مدى الحياة. ويعيب معارضون مخضرمون على تجربة بورقيبة في الحكم انه لم يسمح بميلاد ديمقراطية ناشئة عندما تهيأت الظروف لذلك منذ أكثر من ثلاثين عاما بمناسبة أول انتخابات تعددية عام 1981 والتي شابها تزوير واسع النطاق أبقى الأوضاع على حالها. وأعطى الانقلاب الأبيض، الذي قاده الرئيس السابق زين العابدين بن علي ضد بورقيبة الطاعن في السن في نوفمبر عام 1987 في الأول بارقة أمل للمعارضة بكافة اطيافها، والتي وقعت على ميثاق وطني تقدم به حزب التجمع الدستوري الديمقراطي وريث الحزب الاشتراكي الدستوري للزعيم بورقيبة، يكرس في مضمونه الديمقراطية والتعددية. لكن لم يدم الأمر أكثر من ثلاث سنوات لتدخل البلاد حقبة جديدة من نظام الحزب الواحد مع التجمع الدستوري الذي قاد حملة ملاحقة ضد المعارضة وقادة التيار الإسلامي. وكرست التعديلات المتلاحقة للدستور من صلاحيات الرئيس على حساب باقي المؤسسات ما أضعف تماما الدور الرقابي للبرلمان وأدى إلى تفشي الفساد والمحسوبية على مدى 23 عاما من الحكم على الرغم من نسب النمو الاقتصادي والاستقرار الأمني الذي تباهى به النظام السابق. لكن الثورة التي انطلقت من المناطق النائية والفقيرة في البلاد في 2010 حررت الألسن من عقالها لتطيح بحكم بن علي في أقل من شهر واحد من الاحتجاجات. وحتى الآن نجحت تونس، التي أشعلت الربيع العربي في المنطقة، في تجاوز الهزات العنيفة للمرحلة الانتقالية من اغتيالات سياسية وارهاب وتجاذبات سياسية، عبر آلية التوافق ضمن حوار وطني قاده بحنكة الاتحاد العام التونسي للشغل اكبر منظمة نقابية في البلاد وذات نفوذ سياسي واسع منذ حقبة التحرير من الاستعمار، وبناء دولة الاستقلال. وفي الواقع لا يتوقف النجاح الكامل للانتقال الديمقراطي في تونس اليوم، على تنظيم انتخابات شفافة ونزيهة فقط ولكن أيضا على مدى احترام الفاعلين السياسيين لنتائج الصندوق واحترام الحكام الجدد للفصل بين السلطات وبين مؤسسات الحزب والدولة ومدى الالتزام بتطبيق طموحات التونسيين في العدالة الاجتماعية. وقال الراشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الاسلامية القوة السياسية الأبرز في البلاد ان التوافق هو الخيار الأمثل لنجاح الديمقراطية الناشئة في تونس. وصرح أيضا رئيس حزب حركة نداء تونس الذي يقوده رئيس الوزراء السابق الباجي قايد السبسي والمرشح بقوة لمنافسة النهضة على المركز الأول في الانتخابات، ان تونس لا يمكن أن يحكمها حزب واحد. وبرز الحزبان كقطبين في البلاد بمشروعين متباينين، لكن أحزاب أخرى تقدم نفسها على انها تؤمن بالوسطية والاعتدال ترفض حالة الاستقطاب الثنائي وتعتبر ان الاتجاه نحو تركيز حكومة وحدة وطنية سيجنب البلاد الهزات وسيسمح بهامش من الاستقرار وتثبيت الديمقراطية خلال السنوات المقبلة.