ناقش مؤتمر مكةالمكرمة ال 15 بحضور نخبة من كبار علماء الأمة ومفكريها، واقع (الثقافة الإسلامية) في ظل التغيرات التي تمر بها المجتمعات العربية والإسلامية، وطالب بانشاء كراسي علمية لنشر الثقافة الإسلامية وتقديم صورة حقيقية عن الحضارة الإسلامية ومنجزاتها مع أهمية التعريف بما يكتنزه الإسلام من أحكام تستفيد البشرية منها، وطالب بتشجيع العقول المسلمة المهاجرة في نشر الثقافة الإسلامية والاسهام في بناء التنمية المستدامة في البلدان الإسلامية. وأوصى بإقامة مؤتمر عالمي يعنى بمكافحة الإرهاب وابراز واجب العلماء والمثقفين المؤهلين في بيان الإسلام الصحيح والتحذير من خطر الانحراف عن وسطيته إلى الافراط والغلو أو التفريط، كما أوصى بتثقيف الناشئة بالثقافة الإسلامية الصحيحة بما سار عليه سلف الأمة الصالح، وتحصينهم من الآراء المتطرفة والثقافات الحزبية والطائفية المفرقة وكل ما يدعو إلى الغلو والإرهاب والانحلال الأخلاقي، فالأمة الإسلامية أمة وسط... كنت ولازلت من المؤمنين بأن (الإصلاح الديني) هو (أم الإصلاح) وهو المدخل الضروري لإصلاح الأوضاع السياسية والاجتماعية والتعليمية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، إذ لا عبور لفجوة التخلف التي تفصلنا عن العالم المزدهر إلا بإصلاح ديني، أساسه تجديد (الثقافة الإسلامية) وتطوير الخطاب الديني وتجاوز حلول الماضي، وتغيير البيئة الثقافية والاجتماعية المحكومة بخطابات ثلاثة: خطاب تربوي تعليمي، وخطاب إعلامي سياسي، وخطاب ديني، أما الخطاب التعليمي فلازال تلقينياً آحادياً لا ينشئ فكراً ناقداً، وأما الخطاب الإعلامي فلا يزال خطاباً تعبوياً يغذي عواطف الجماهير ويشحنها، أما الخطاب الديني فلا زال عاجزاً عن مسايرة التغيرات السريعة التي تمر بها مجتمعاتنا، وقد أخفق في (تحصين الشباب المسلم من الفكر المنحرف) بدليل هذا التهافت المشهود من قبل قطاع كبير من الشباب المسلم على ميادين الفتن والهلاك! إن التغيير يصنع في (العقل) أولاً- بتغيير الأفكار وتجديد المفاهيم ومساءلة الأوضاع وإعادة النظر في كثير من المسلمات الموروثة، وهذه مهمة (الثقافة الإسلامية) التي تمثل جرعة تحصينية مشتركة تجمع كافة المكونات المجتمعية في اطار المجتمع الواحد، من جهة، كما تعزز التقارب بين الشعوب الإسلامية، من جهة أخرى، (الثقافة الإسلامية) لها الدور الأبرز في تشكيل (وجدان) المسلم وفي صياغة (عقله) وفي ترشيد (سلوكه) وفي تكوين (تصوراته) وفي تحديد (مواقفه) تجاه ذاته وتجاه الآخر الحضاري وتجاه نظامه السياسي الحاكم ومؤسسات مجتمعه، وتجاه شعوب العالم المختلفة، ومن هنا كان لا بد من إعطاء الأولوية الكبرى من قبل المسؤولين العلماء والتربويين والكتاب وكافة المؤسسات المعنية بصياغة وتشكيل عقول ووجدان الشباب، بأن تحقق (الثقافة الإسلامية المعاصرة) أهدافها المنشودة في اعداد وتهيئة (مواطن) متصالح مع نفسه، متفان في خدمة دينه ووطنه وأمته، منسجم مع العصر وتحولاته، لا يعاني توتراً وانفصاماً أو عزلة، محصن بقوة الإيمان والثقة بالذات ويقظة الضمير واستنارة الوعي العاصم من أمراض التطرف والتعصب والكراهية، منفتح على عطاء العصر ومعارفه، مبشر بالخير وباعث على الأمل في غد أفضل، (الثقافة الإسلامية) في وضعيتها الراهنة، مثقلة بعلتين ملازمتين تحولان دون تحقيق الأهداف المنشودة في تحصين الناشئة وتقوية مناعتها، هما: 1. التسييس: وهو آفة تسربت إلى كافة (المنظومة التعليمية) منذ خمسينيات القرن الماضي، إذ استمر (التعليم العربي) متأثراً بالتوجه السياسي للقائمين عليه ومتلوناً بلونهم الأيدلوجي: قومياً أو اشتراكياً أو إسلامياً، ظل (التعليم العربي) مسيساً، وكان التسييس نفسه – كما يقول أكبر خبير تربوي عربي، محمد جواد رضا – ذا صبغة ماضوية، وظل الماضي يشكل الحاضر ويوحي للناشئة جيلاً بعد جيل بان الحاضر الحقيقي هو الماضي الذي يجب استعادته – وهذا ما نراه مجسداً اليوم في فكرة استعادة الخلافة الراسخة لدى كافة التنظيمات الإسلامية. 2. الأدلجة: لقد أثر دخول الأيدلوجيات المختلفة على (الثقافة الإسلامية) سلباً، وكما يقول د.عبدالله العويسي – الأستاذ بجامعة الامام- إن عدداً من المذهبيات أفضى إلى اقصاء الآخر المختلف معها واعتبار ما يقوم به بدعاً، ما جعلها تتصارع وترى أنها على حق وغيرها على باطل. نقلا عن " الوطن" القطرية