زاد حديث عبد الملك الحوثي زعيم الطائفة الشيعية في اليمن، عن اليمنيين وأحوالهم المعيشية، متظاهرا تعاطفه معهم، ودعا في خطاب له متلفز إلى الخروج والمظاهرات في الشارع لإسقاط ما يسميها الجرعة "ارتفاع الأسعار"، والحكومة "الرخوة" في البلاد التي لم تستطيع توفير الأمن والاستقرار لمواطنيها من بعد ثورة الشباب التي كان أول من دعا إليها بالخروج إلى الساحات ضد الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح. ويبدو أن حديث الحوثي الذي بثته قناة فضائية خاصة به، له دلالات عديدة ورسائل بالغة الخطورة وجهها إلى السياسيين والإخوان والمعارضين من الشباب "رفقائهم في ثورة 2011 ضد الرئيس السابق"، وفي نفس الوقت استعراض لقوته وشعبيته التي بات يتمتع بها، ومدى قدرته في التأثير على الشعب اليمني الذي ينكوي بلهيب الأسعار، ويبحث عن منقذ يعمل على انتشاله من الفقر المدقع التي بات يغرق فيه غالبية اليمنيين. رسائل الحوثي وبحسب العديد من المحللين السياسيين فإن الدعوة التي أطلقها الحوثي يوم الأحد الماضي إلى الشعب اليمني، إلى الخروج " العظيم" ليكون يوما "مشهودا"، كان له هدفين أساسيين من خلاله، وهو استعراض مدى تأثيره على الشعب في جميع محافظات الجمهورية، ليعتبر ذلك تفويضا له لما سيقدم عليه خلال الأيام التي بات يحصيها انتظارا لليوم الموعود له، موضحين أنه استخدم في خطابه ثلاث كلمات تبين النية المبيتة له وهي "عظيما، مشهودا، ثوار". ويرى عدد من المراقبين في الشأن اليمني دعوة الحوثي إلى الشعب "العظيم" للخروج يوم الاثنين المنصرم خروجا "عظيما" تعد رسالة إلى السياسيين في اليمن أنه بات يستند على قاعدة جماهيرية واسعة ويستمد قوته منهم في مطالبه وكل ما يقوم به من أعمال توسعية بموافقة غالبية الشعب اليمني، مشيرين إلى أن استخدامه أيضا لكلمة" مشهودا" تعد رسالة أخرى توضح أن ما سيقدم عليه خلال الأيام القادمة من تصعيده للأحداث ناتجة لعدم استجابة المطالب، وهو بذلك يُشْهِد الشعب أن مطالبه يسعى إليها أولا بالسلمية؛ إلا أن الخروج الضئيل لأنصاره في العاصمة عكس كل توقعاته وأمنياته. وفيما يخص وصفه للمتظاهرين من أنصاره ب"الثوار"، اعتبر المراقبين في الشأن اليمني أن تلك تعد رسالة أخرى، لما سيقدم عليه في حال فشلت الخطط السابقة، وهو العمل على نصب الخيام وإعلان الاعتصام داخلها، موضحين أن ذلك قد يكون هدفا تكتيكيا لجماعة الحوثي، ظاهرها الاعتصام السلمي المطالب بالحقوق المشروعة وباطنها السلاح المخزن استعدادا لحرب قادمة تشنه على العاصمة صنعاء وإسقاط الجمهورية. واستند المراقبون إلى حديث الحوثي وتأكيداته أن ما يعتبره "التصعيد الثوري" هو الخطوات الأولى، إذا لم يتم الاستجابة لمطالبهم حتى يوم الجمعة، فإن مرحلة ثانية من التصعيد تتضمن سلسلة من الإجراءات فيها خطوات مزعجة"، تعد رسالة خطيرة إلى أن الجماعة تسعى إلى تخزين السلاح في الخيام التي ستنصبها في شوارع العاصمة اليمنية صنعاء، مستدلين أيضا بالمظاهرات المسلحة لأنصار الحوثي وسط صنعاء. التهديدات والوعود التي أطلقها زعيم "الحوثيين" يتزامن مع قتال شرس تشنه مليشياته المسلحة في محافظة الجوف "شمال شرق العاصمة صنعاء وتبعد عنها 143 كم"، بهدف السيطرة عليها، واعتبر محللين أن دعوة الحوثي إلى الاعتصام تعد جزءً من السيناريو الذي يعده لتطويق العاصمة اليمنية من كافة الاتجاهات، وما دعوته الأخيرة إلا للتشتيت الرأي العام المحلي والدولي من أجل الانشغال في الأحداث التي ستتصاعد خلال الأيام القادمة وسط العاصمة صنعاء والاستيلاء على المحافظة الغنية بالنفط. تناقض مواقف تُظهر التطورات الأخيرة في اليمن اتجاه القضية الحوثية نحو أبعاد جديدة؛ حيث بات نموها كظاهرة مسلحة يثير قلق العديد من الأطراف، لأنها انتقلت في استخدام قوتها العسكرية من وسيلة للدفاع إلى أداة للتوسع والانتشار، مستفيدة من التحديات السياسية والاقتصادية العميقة التي تواجهها الدولة وفرض زيادة الأسعار، فاستطاعت الحركة خلال وقت قصير تحقيق تمدد واسع، خارج معاقلها الرئيسية في محافظة صعده، وصل إلى الحزام الاستراتيجي المحيط بالعاصمة صنعاء، فبات الوجود الحوثي بنسب متفاوتة في كل مناطق اليمن. موازاة مع ذلك، تقدم الحركة الحوثية خطابًا مزدوجًا؛ فهي من ناحية تتبنى خطابًا سياسيًا يعبّر عن رغبة الاندماج في دولة مدنية يحكمها الدستور والقانون وفق مخرجات الحوار الوطني، ومن ناحية أخرى، تتبنى خطابًا دينيًا مذهبيًا كحركة إحيائية جهادية تتبنى قضايا كبرى، مستندة إلى آلة عسكرية نامية تسعى للتوسع كلما وجدت الفرصة متاحة، في مسار يتعارض مع خطابها السياسي ومقتضيات الدولة المدنية، وتارة تلعب على "الوتر الحساس" لدى المواطنين، وتمثل على أنها تهدف لخدمتهم وتوفير لقمة العيش الحلال لهم. تبرز نتيجة ذلك علامات بات جليا حول دوافع الحركة وراء التوسع العسكري، وحقيقة مشروعها وأهدافه، وإلى أين يمكن أن يصل وسط التأرجح بين المسار العسكري والاندماج المدني، في ظل معطيات البيئة المحيطة، ومواقف بقية الأطراف المحلية والإقليمية والدولية. غير أن الحوثي في خطابه المتلفز يوم الأحد الماضي تنبه إلى مدارك اليمنيين الذين باتوا يعلمون جيدا أن هدف الحركة هو تحقيق مآربهم، وحاول أن يطمأن الشعب بقوله إن "الهدف ليس إسقاط صنعاء ولا استهداف الجمهورية، وإنما إسقاط حكومة الوفاق الوطني وإلغاء قرار "الجرعة" وتنفيذ مخرجات الحوار"؛ إلا أن التحركات العسكرية والمظاهرات المسلحة التي خرجت يوم الاثنين تعكس حديثه المطمأن للشعب. الدور اليمني رسائل الحوثي إذا لم تتنبه لها القيادة السياسية في اليمن والدعوة إلى لقاء وطني عاجل يضم كل الفعاليات الحزبية والسياسية ومنظمات المجتمع المدني والشباب والمرأة والعلماء والشخصيات الاجتماعية اليمنية في العاصمة صنعاء وتدارس الأوضاع الطارئة التي تهدد البلاد، والعمل الجاد على المصالحة بين أطياف اليمن الواحد، والخروج منه بقرارات جدية، ورفع ذلك إلى مجلس الأمن الدولي كون اليمن تحت الوصاية الدولية "البند السابع"، فإن النتائج ستكون كارثية ومن السهل سقوط اليمن، وهذا تتحمله القيادات السياسية والحزبية المتناحرة في البلاد. الدور الإقليمي ربما القرار الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي في 26 فبراير من العام الجاري، بإدراج اليمن تحت البند السابع، قد يؤجل تحقيق جماعة الحوثي أطماعها لفترة زمنية معينة، في حالة وأن عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا ناقش فيه الأعمال التوسعية التي تنفذها مليشياته الجماعة الحوثية، وأصدر قرارا ملزما لها، لكن ذلك لن يمنعها من تحقيق طموحها بعد فترة طويلة، إذا لم يكون هناك إجماعا دوليا وملزما بنزع أسلحة الجماعة وتسليمها للدولة. ومجلس الأمن الدولي لن يعقد لمناقشة الأعمال التوسعية إلا بطلب رسمي يمني أو من إحدى الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية، وهذا لن يحدث أيضا إلا في حالة وأن استشعرت المملكة العربية السعودية الخطر القادم من الجنوب في وقت مبكر، لكن ما يخشاه مراقبون هو أن يكون فقط دور الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية "الولاياتالمتحدةالأمريكية، روسيا الاتحادية، الصين، المملكة المتحدة، فرنسا" وسفرا مجلس التعاون الخليجي "الإمارات، البحرين، السعودية، سلطنة عمان، الكويت" هو إصدار بيانات تعرب فيه عن قلقها، وتدعو إلى احترام القانون وحفظ النظام، دون أن تتخذ خطوات ملموسة ضد جماعة الحوثي.. ونتيجة للتقاعس الدولي وتراخي الدولة، وتناحر الأحزاب السياسية في اليمن يظل السؤال القائم هل ينجح الحوثي في إسقاط صنعاء والجمهورية؟