أخيراً رفع موقع ويكيليكس الإلكتروني الستار عن جرائم الحرب في العراق، نقلا عن وثائق رسمية سرية للجيش الأمريكي تدين القوات الأمريكية بالوقوف وراء عدد كبير من جرائم الحرب في العراق، كالقتل العشوائي وممارسة التعذيب والتغاضي عن عمليات إعدام ارتكبتها قوات حكومة المالكي.
وموجهة في نفس الوقت اتهاماً مباشراً لرئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي، ب'التورط' في إدارة فرق القتل والتعذيب، كما كشفت تقارير الموقع الصادرة عن البنتاغون في الدور الكبير الذي تلعبه إيران في تسليح الميليشيات المسلحة لقتل العراقيين وتفتيت العراق وتقسيمه طائفيا.
وقد نشر الموقع نحو 400 ألف وثيقة سرية حول حرب احتلال العراق، سجل من خلالها أكثر من 300 حالة تعذيب وأعمال عنف ارتكبتها قوات تحالف الاحتلال بحق الأسرى.
وأكثر من ألف عملية قتل من قبل قوات حكومة حزب الدعوة، خلال الفترة الممتدة بين 2004 و2009، في الوقت الذي عمدت قيادة الجيش الأمريكي الى إخفاء أعداد هائلة من الجرائم التي اقترفها جيش الاحتلال.
واكتفت بجرائم التعذيب التي يتعرض لها السجناء العراقيون على أيدي قوات شرطة وجيش المالكي، التي وصلت إلى حد اغتصابهم وقتلهم.
وعلى الرغم من معرفة الجهة الأمريكية بهذه الجرائم وتدوينها، أكدت هذه الوثائق تستر جيش الاحتلال الأمريكي على أعمال التعذيب والقتل الطائفي التي تمارسها قوات الأحزاب الطائفية، ناقلة بذلك معلومات حساسة ومهمة عن جزء من وثائق أرشيفية لجيش الاحتلال الأمريكي.
التي يمكن اعتبارها من الناحية القانونية مستمسكات ثمينة لسلسلة كبيرة من جرائم الحرب التي اقترفتها القوات الأمريكية وحكومة المالكي الطائفية بحق الشعب العراقي.
وإذ كان سبب تسريب هذه الحقائق في الوقت الحاضر وفي هذه الظروف بالذات على (ما يبدو) نتيجة لخلل استخباراتي خرج عن إطار سيطرة الإدارة الأمريكية الحالية.
فان الاعتقاد السائد هو ان عملية تسريب هذه الوثائق السرية لم يكن له أن يحدث بدون ضوء أخضر من إدارة أوباما، التي تعمل من أجل الفوز في انتخابات منتصف الرئاسة القادمة.
خصوصا ان اغلب هذه الأحداث دونت في عهد الرئيس السابق جورج بوش، وهي إشارة واضحة من الرئيس باراك أوباما وإعلان صريح في تورط الجمهوريين وإدارة (بوش رامسفيلد تشيني) في جرائم حرب ومسؤولية الإدارة السابقة في ما ألت اليه الأوضاع في العراق.
وبغض النظر عن أسباب توقيت النشر واختيار الإدارة الأمريكية للزمان والمكان، وتوافق هذه التسريبات مع فشل العملية السياسية، وتعثر فرص نجاح قيام حكومة عراقية بعد رفض المالكي لمنطق التداول السلمي للسلطة.
فقد أثبتت هذه الوثائق الدامغة، شئنا أم أبينا، تورط قوات الاحتلال الأمريكية في هذا العدد الكبير من القتل العشوائي، ناهيك عن الاتهامات المباشرة لرئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي ب'التورط' في إدارة فرق القتل والتعذيب.
ومسؤولية إيران في تفجير الساحة العراقية والدور الذي تلعبه في تسليح الميليشيات كجزء من إستراتيجية طموحات تشارك بها الولاياتالمتحدةالأمريكية على أرض العراق، التي هي بالتالي جرائم حرب سيكون لها بالتأكيد الأثر البالغ على المشهد السياسي وتطوراته القادمة.
لأنها تمثل قبل كل شي اعترافات رسمية للجيش الأمريكي ووزارة الدفاع (البنتاغون)، ومن ثم فهي فرصة مهمة للهيئات القضائية الدولية لمحاكمة الولاياتالمتحدةالأمريكية عن جرائمها ضد الإنسانية في العراق.
وعلى الرغم من سعة الحيز الإعلامي الواسع الذي نالته هذه الضجة في المشهد الإعلامي العالمي، لمشاركة قناة الجزيرة لموقع ويكيليكس في توظيف ونشر الخبر، بيد ان الشارع العراقي لم يصدم بهذا الحدث، ولم يكن لهذه الحادثة أي رد فعل يذكر.
فالجرائم التي اقترفتها قوات الاحتلال وعملاؤها من الاحزاب الدينية معروفة بعد تركت جروحا بالغة لدى كل عراقي شريف.
وبالتالي فلم يكن الإنسان العراقي بحاجة لتدقيق نصوص وثنايا هذه الوثائق لمعرفة الحقيقة عن ما حدث ويحدث لحد الآن من جرائم خطيرة بحق هذا البلد وشعبه منذ احتلاله في 2003.
فكم هو عدد العائلات العراقية التي انتظرت وتنتظر لحد الان عودة احد أفرادها من معتقلات النظام الطائفي وجلاديه، بعد أن ضاقت سجون العراق بالأبرياء والوطنيين. فمن منا لم يخسر أخاً بارا أو صديقاً عزيزاُ.
ومن منا لم يكن شاهدا على جرائم القوات الأمريكية وحلفائها ومرتزقتها في قتلها للأبرياء والمواطنين العزل والطغيان الطائفي الذي جاء به عملاء إيران وحقدهم الأسود الغاشم على العراق وشعبه.
ولم تكن مسؤولية الأمريكيين محصورة بالجانب العسكري ووضع قواتها على التراب العراقي، بل قامت الولاياتالمتحدة بتسليم العراق إلى حكومات عراقية طائفية عميلة (منتخبة) طائفيا لا تراعي مصالح شعبها.
وكان هذا الحساب نتيجة لتواطؤ أمريكي محسوب، هدفه إذكاء الحرب الأهلية وتقسيم العراق اثنياً، ليتم بالتالي تقسيمه جغرافيا.
وان اعترفت الإدارة الأمريكية أخيرا بطائفية المالكي وجرائم الأحزاب الطائفية وميليشيات فرق الموت التي كانت تسيرها، لم تكن صورة العملاء الباقين ممن جاءوا معها بأفضل أداءا وأكثر وطنية وإنسانية.
فاحتلال العراق ومن ثم تدميره بهذه الصورة البشعة لم يكن له أن يتم وأن يُنفذ بدون هذا التواطؤ الواضح والعمالة العمياء للقوى المارقة الطامعة في خيرات العراق.
فتدمير العراق بعد حصار قاس بدأ التخطيط له في مؤتمر لندن وبدأ تطبيق مراحله بتدمير بغداد وحرق الفلوجة وتدنيس النجف وكربلاء واستباحة البصرة والموصل .
وبالإضافة إلى مسؤولية الولاياتالمتحدة المباشرة في التدمير والقتل ونشر الطائفية، ساهم الوجود الأمريكي بتغييب سيادة الدولة العراقية واُسس قوتها ووحدة شعبها، وهيأ الظروف المناسبة للتدخل الإيراني.
حيث تقاسمت إيران الساحة العراقية وقامت عن طريق الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس بنشر الفوضى الطائفية عن طريق تسليح المليشيات المجرمة واغتيال كبار ضباط الجيش العراقي الباسل واستهداف التجمعات الشعبية والمباني الحكومية العراقية الرئيسية والسفارات العربية، بصواريخ وسيارات مفخخة دفع الإنسان العراقي من خلالها الثمن الباهظ.
إن تحميل إدارة بوش وإيران وحكومة المالكي مسؤولية تدهور الأوضاع في العراق وانتهاك لحقوق الإنسان هو حق وجب منحه للعراقيين لمقاضاة المتورطين وفق القوانين الدولية على ما لحق بهم من مجازر وتطهير عرقي وهضم للحقوق السياسية والمدنية.
وتحميل الأحزاب الطائفية المتواطئة مع المحتل والمهيمنة على الحكومة العراقية الحالية والسابقة وميليشياتها العسكرية المدعومة من قبل إيران، مسؤولية ما تعرض ويتعرض له الإنسان العراقي.
واعتبار ما يسمى بالحكومة العراقية الموجودة تحت ظل الاحتلال فاقدة للشرعية ومفتقرة للأهلية القانونية وملاحقة الذين ارتكبوا جرائم الحرب في العراق ومحاكمتهم وإنزال العقاب الذي يستحقونه.
* كاتب من تيار المواطنة الوطني العراقي القدس العربي 4/11/2010