هو بلال بن رباح الحبشي، مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولد بعد حادثة الفيل بثلاث سنوات أو أقل، وكان رجلاً شديد الأدمة "أسود البشرة"، نحيفًا، له شعر كثير، خفيف العارضين. كان من السابقين إلى الإسلام، أول من أذَّن للصلاة، وشهد غزوة بدر وأحد، وسائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. لما أعلن إسلامه، وعلم سيده أمية بن خلف، غضب غضبًا شديدًا، وأخذ يعذب بلالاً بنفسه، وبدأ المشركون يخرجون به إلى الصحراء في وقت الظهيرة والحر الشديد، ثم يطرحونه عاريًا على الرمال الملتهبة، ويأتون بالحجارة الكبيرة، ويضعونها فوق جسده، ويطوفون به في شعاب مكة وشوارعها، ويتكرر هذا العذاب الوحشي كل يوم، ويظل بلال صابرًا مصممًا على التمسك بدينه، وهو يقول: "أَحَد.. أحد". اشتراه بعد ذلك أبو بكر رضي الله عنه من أمية بن خلف ثم أعتقه، وكان له خازنًا، ولرسول الله مؤذنًا، ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم، حزن بلال حزنًا شديدًا، ولم يستطع أن يعيش في المدينة بعدها، فاستأذن من الخليفة أبي بكر في الخروج إلى الشام ليجاهد في سبيل الله. من فضائله رضي الله عنه، أن رسول الله قال له عند صلاة الغداة ذات يوم: "يا بلال، حدثني بأرجى عمل عملته عندك في الإسلام منفعة، فإني سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة"، فقال بلال رضي الله عنه: ما عملت عملاً في الإسلام أرجى عندي منفعة من أني لا أتطهر طهورًا تامًّا في ساعة من ليل ولا نهار، إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي. وكان سيدنا عمر رضي الله عنه يقول: "أبو بكر سيدُنا، وأعتق سيدَنا", يعني بلالاً، لما احتضر بلال رضي الله عنه نادت امرأته: واحزاناه! فقال: "واطرباه! غدًا ألقى الأحبة محمدًا وحزبَه"، مات رضي الله عنه بدمشق سنة عشرين هجرية، ودفن عند الباب الصغير في مقبرة دمشق، وهو ابن بضع وستين سنة.