العاشر من رمضان، السادس من أكتوبر عام 1973، يوم الكرامة والعزة وتحرير الأرض. لقد كان انتصار أكتوبر واحداً من أهم الانتصارات العسكرية في التاريخ المصري والعربي الحديث، ولقد كان لهذا النصر أسباب سياسية وعسكرية، لكننا سنركز هنا على حالة المجتمع المصري قبيل حرب أكتوبر وأثنائها، لنرى عظمة هذا الشعب، الذي تزيده المحن صلابة وجمالاً. معدلات الجريمة اثناء الحرب وفقا لملفات الأمن العام، فإن كل مؤشرات الجريمة تراجعت بلا استثناء أثناء حرب العاشر من رمضان، حتى كادت تخلو سجلات الجرائم من الجرائم الجنائية، كما أن محاضر الشرطة لم تسجل خلال الثلاثة أيام الأولى من الحرب سوى الجرائم التي تسميها أجهزة الأمن الجرائم العارضة. وأبرزت الملفات الأمنية أن حركة الجريمة قد اتسمت خلال أيام الحرب بسمات جديدة عليها تماما، من أهمها أن الجنايات الكبرى في الفترة التي تبدأ من6 وحتي يوم21 أكتوبر قد انخفضت عن مثيلتها في العام السابق من95 جناية عام1972 إلي71 جناية في أيام الحرب وبنسبة كبيرة هي26%. كما تراجعت أرقام جنايات السرقة الكبرى والتي استعدت أجهزة الأمن لمواجهة الزيادة المتوقعة فيها من11 جناية في نفس الفترة من العام السابق إلى7 جنايات وبنسبة40%، وسجلت جرائم السرقة الصغيرة انخفاضا يزيد عن35% في المدة نفسها. أما فيما يتعلق بجرائم النشل اليومية فقد سجلت انخفاضا مذهلا يزيد على45% عما كانت عليه قبل الحرب، وخلال اليوم الثاني للقتال وهو يوم7 أكتوبر خلت مدينة القاهرة من جرائم النشل تماما، وبالنسبة لجرائم القتل فقد انخفضت أرقام جرائم القتل والشروع فيه خلال هذه الفترة بنسبة25% عن معدلها في العام الذى سبق الحرب، وسجلت المحاضر63 جناية قتل وشروع فيه مقابل82 جناية في عام1972. أما جرائم الآداب العامة والتي يؤكد علماء السلوك الإجرامي أنها لابد أن ترتفع معدلاتها خلال الحرب وبعدها، فحسب محاضر الشرطة فإن هذا النوع من الجرائم يكاد يكون تلاشى، كما انخفضت جرائم الطريق العام فاختفت لأول مرة منذ زمن طويل تجمعات العابثين في شوارع وسط المدينة واختفت إلي حد كبير مضايقاتهم للمارة والسيدات، وانشغل الجميع بقضية الوطن وبأعمال الدفاع المدني وسجلت محاضر الشرطة لهم هذه الظاهرة المثيرة، ففي الأسبوع من6 إلى13 أكتوبر سنة1972، سجلت المحاضر73 واقعة تعرض للسيدات في شوارع القاهرة،أما في نفس الأسبوع من عام الحرب فلم تسجل المحاضر أكثر من20 واقعة. وفيما يتعلق بجرائم سرقة السيارات فقد اختفت تماما من حركة الجريمة ومن محاضر الشرطة، وتم تفسير ذلك بأن هذا النوع من الجريمة كان يقدم عليه في الغالب شباب يرغب في الاستمتاع والمغامرة، وقد وجد الشباب الآن نفسه فاختفت هذه الجريمة من سجلات الأمن العام. وكذلك اختفت جرائم سرقة الماشية في الريف بالرغم من أن معدلها الطبيعي من30 إلي40 حادثا خلال شهر، كذلك خلت السجلات من جرائم التلاعب والاختلاس في الجمعيات التعاونية الزراعية وقد كان معدلها10 جرائم كل شهر، كما خلت أيضا من جرائم النصب بالرغم من أنها من الجرائم التي تجد فرصة مواتية في أوقات الحروب وكانت محاضر الشرطة قد سجلت الكثير منها في شهر يونيو1967 عام الهزيمة. ومن ناحية أخرى لم ترصد سجلات الشرطة منذ بدء الحرب أي ظاهرة إجرامية شاذة مما يقع عادة في المدن الكبرى أثناء الحروب، ولم يقع حادث واحد يمكن أن يعد مثيرا للقلق أو مزعجا لحالة الأمن العام، فلا عصابات تهاجم المتاجر والمساكن,، ولا أشقياء يتعرضون للمارة في الظلام الدامس ومن ثم كانت حياة المدينة بعد19 يوما من الحرب يغمرها إحساس المواطنين بسيادة الأمن. ووفقا لبيانات وزارة الداخلية فإن الجرائم السياسية والجنائية قد اختفت مع الطلقة الأولى لحرب أكتوبر، كما أن الوزارة لم تتلق أية بلاغات أو إخطارات تمثل مصدر قلق، كما أن الجريمة الجنائية لم تعد للظهور إلا بعد مفاوضات وقف إطلاق النار. سيولة حركة المرور والالتزام بالآداب العامة للطريق وعلى صعيد الأوضاع المتعلقة بحركة المرور أثناء الحرب فإن سجلات إدارة المرور العامة بالقاهرة أشارت غلى انخفاض أرقام حوادث المرور في القاهرة بنسبة لاتقل عن70%، والسبب فى ذلك هو أن أصحاب السيارات قد ازدادات مع بداية الحرب استجابتهم لقواعد المرور وعدم خرق الإشارات والالتزام بسرعة هادئة أثناء الظلام، وإفساح الطريق لعربات الخدمة العامة ومن ثم فقد اختفت مخالفات السرعة في القاهرة وانخفضت حوادث المرور بهذا المعدل الغير المتوقع. وفى نفس السياق فان المرور لم تتلقى أي شكاوى بشأن امتناع سائقي التاكسي عن توصيل الركاب، وانخفضت إلى أكثر من النصف مخالفات استعمال آلة التنبية، وأكثر من ذلك اختفت اختناقات المرور العديدة واتسمت حركتها بالسيولة، أما مخالفات طلاء مصابيح السيارات باللون الأزرق فلم تسجل المحاضر إلا القليل، فقد استجاب أصحاب السيارات لهذه الضرورة خلال ساعات قليلة من بداية الحرب. دور المرأة الفاعل أثناء الحرب ضمت سجلات التطوع فى التنظيمات والهيئات النسائية آلاف المتطوعات، حيث أن أحد سجلات التنظيمات النسائية سجلت 13 ألف سيدة ثم تدريبهن على أعمال الإسعاف والتمريض للمساعدة فى المستشفيات، أما عن تبرعهن بالدم فقد تم تسجيل حوالى تسع آلاف سيدة، بخلاف من يقمن بالحياكة وأعمال الديكور فى خدمة المستشفيات. كما ضمت جمعيات الهلال الأحمر ألف عضوة أساسية مدربة تدريبا فنيا عاليا على أهبة الاستعداد للمساعدة والمشاركة، وكذلك تكونت لجنة نسائية فى نقابة المهن التجارية ضمت 60 ألف عضو لتشارك فى العمل والمساعدة بشتى الطرق فى حرب أكتوبر وقامت بجمع تبرعات كما تولت رعاية أسر الجنود والشهداء ماديا واجتماعيا. وعن الدور الذى لعبته المرأة البدوية في المقاومة إلى جانب الرجل، فإنه على الرغم من تقاليد القبيلة التي تحرم عليهن حتى مجرد الاختلاط بغيرهن من الرجال، فقد قام نساء القبائل بتهريب الفدائيين، وتضميد جراحهم ومساعدتهم في الوصول إلى الأراضي المصرية عقب طرق لم يعرفها العدو وذلك من منطلق شعورهن بالانتماء. كما ساهمت المرأة في بث الحملات الإعلامية للتطوع في التمريض، والتبرع بالدم، حتى امتلأت معامل الدم خلال هذه الفترة في الإسكندريةوالقاهرة وأسيوط والمنصورة بأكياس الدم من المتبرعين، ولم يعد هناك إمكانية لقبول متبرعين جدد، وعندما بدأت لجان جمع تبرعات المجهود الحربي قامت العديد من الأسرالفقيرة بالتبرع بكل مخزونها من الأرز والقمح والذرة. وتم تشكيل "لجنة صديقات القلم" بغرض ترجمة كل ما يكتب عن القضية المصرية، وإرساله لمختلف الإتحادات والمنظمات النسائية في سائر أنحاء العالم لإعلام المرأة في كل مكان بحقيقة ما يدورفي الشرق الأوسط . اقرأ فى هذا الملف "العاشر من رمضان .. يوم لن تنساه إسرائيل" إبراز الدور العربي في نصر أكتوبر حرب أكتوبر.. في عيون الفن والأدب العمليات العسكرية من النكسة إلي حرب الاستنزاف جولات الصراع العربي الإسرائيلي منذ حرب 1948 حتى اتفاقية السلام 1979 حرب أكتوبر درس إسرائيل الذي لن تنساه أسرار المراسل الحربي على خط النار الحالة النفسية للمجتمع المصري بعد نكسة 1967 العمليات العسكرية في حرب أكتوبر 73 يوميات الصحافة المصرية لحرب أكتوبر ** بداية الملف