في الفيوم كان الأذان في مغرب رمضان فقط..ومن العار أن يؤذن شيخ العرب كتب السيرة هي ما اقرأها في رمضان وأنصح بقراءتها المماليك أكثروا من بناء الجوامع لتكون سند شرعي لهم جامع "الأقمر" هو الأقرب إلى قلبي..وشارع بورسعيد كذلك الشوارع في القاهرة عرفتني على موقف لل"جِمال"..وحيرني جامع "القاضي يحيى" يتميز بحبه الشديد للتراث والفلكلور، تحتفظ ذاكرته بذكريات عن رمضان في النجع بالفيوم، رغم وجوده في المدينة إلا أنه يعترف أن رمضان في "البلد" أفضل كثيراً. هو الروائي حمدي أبو جليل عضو مجلس تحرير مجلة "الثقافة الجديدة"، اعترف في حواره مع "محيط" أن رمضان هذا العام هو الأصعب في حياته، وأن مكتبته ثابتة منذ 10 سنوات، وتحدث عمّا يفضل أن يقرأه في رمضان، مؤكداً أن المساجد هي أفضل من يحكي تاريخ القاهرة لذلك وضع كتابه "القاهرة جوامع وحكايات"..وإلى نص الحوار. رمضان في الفيوم هل يختلف عن المدينة؟ رمضان هو أمي، أينما كنت لابد وأن أفطر معها أول أيام رمضان، وهذا هو أول رمضان لي بدونها، لذلك فهو الأصعب، فبعيداً عن كلمات الحزن، أجدني في حيرة لأن رمضان يأتي دونها، وقد كنت معتاداً أن أشاركها إفطار أول أيام رمضان، فقد كان ذلك فرحة من فرحات العام بالنسبة لي، كانت تزورني لكنها "تمل" منذ اليوم الأول. كانت تشعر باختناق حين نغلق باب الشقة وتصاب بالاكتئاب، فالأبواب في "البلد" مفتوحة دوماً، حتى إذا لم نتواجد به، فبلدنا تقع أقصى جنوبالفيوم، وهي عبارة عن تسعة نجوع جميعنا أقرباء، ومن العار لدينا أن نغلق أبواب بيوتنا، لم نعتاد على ذلك فهو سلوك مستهجن. وعلى كل حال، فرمضان في "البلد" أفضل كثيراً من المدينة، فهو بدون زحام. ماذا تختزن ذاكرتك عن رمضان منذ الطفولة؟ أنا من مواليد عام 1968، أتذكر أنني منذ كنت في الصف الإبتدائي، وجامع النجع عندنا لا يؤذن إلا في شهر رمضان عند الإفطار، فلم يكن هناك مكبرات صوت أو غيره، بل كان المؤذن يعتلي سطح الجامع ويؤذن فقط في مغرب شهر رمضان، وكانت مهمة الأطفال - وأنا منهم – أن نؤذن مع المؤذن، وأن ننقل هذا الأذان للنجع كله. وأتذكر أنه من الأمور الغريبة التي لا أجد لها تفسيراً إلى الآن، أنه لا يليق بشيخ العرب لدينا أن يرفع الآذان!. الآن أصبحت مكبرات الصوت منتشرة، فعلى الشرفة الواحدة نجد أكثر من ثلاثة مكبرات للصوت، رغم أن هذا لا يعني مزيداً من التدين، بل لا علاقة له بالدين الحقيقي، واتساءل لماذا نصر على رفع الأذان بهذا الشكل، الجوامع مليئة بمكبرات الصوت الصادحة، رغم أن المصلين يعرفون جيداً أوقات ومواعيد الصلاة، وهناك محمول وساعات متعددة. لذلك لا جد تفسيراً لانتشار مكبرات الصوت إلا الرغبة في الضجيج والشوشرة، حتى على المصلين أنفسهم، وأرى أن هذه المكبرات مظهر متخلف يتناسب مع الدين الدعائي ولا علاقة له بجوهر الدين، ليتحول الأذان الشرعي إلى "نهيق"! . ماذا عن مكتبتك..وما الذي تقرأه في رمضان؟ مكتبتي ثابتة منذ 10 سنوات، تضم مثلاً رواية "الغريب" للفرنسي ألبير كامو، و"الوليمة المتنقلة" لهيمنجواي حيث يكتب فيها عن نفسه وهو في باريس بشكل يتسم بالدقة والموضوعية، وهو كتاب مذهل قرأته أكثر من مرة. أما في الشعر؛ فمكتبتي تضم الأعمال الكاملة لأسامة الدناصوري، وفي التاريخ تضم "تاريخ الجبرتي" الذي اقرأه للاستمتاع، ولأقاوم الملل والكآبة وأضحك. أما في رمضان؛ فاقرأ "الشخصية المحمدية" لمحمود الرصافي، وأنصح بقراءته، فهو سيرة موضوعية تحاول تنظيف السيرة من كثير من الأساطير بعضها دموي، وبعضها ساذج يردده الفقهاء، مثل معالجة الأمراض ببول النبي، رغم أن القراءن قال عن النبي صلّ الله عليه وسلم أنه بشر. فكتب السيرة يجب قراءتها بعناية، لأن تاريخنا الإسلامي مشكوك في أمره لسبب يرجع الى الصراع الدموي الذي قتل ثلاثة من الخلفاء الراشدين، ثم سيدنا الحسين، وما بعده العشرات. ومعروف الرصافي يحاول الوصول للحقيقة، واقرأ كذلك سيرة ابن هشام، التي تقدم وجهة نظر واحدة، حيث تروي التاريخ دون صراع، وهي تقع في أربعة أجزاء، اقرأها في رمضان أيضاً، وأحاول الخروج منها بالحقيقة التي تخصني. "القاهرة جوامع وحكايات" لماذا أقبلت على تسجيل تاريخ القاهرة من خلال الجوامع؟ بعد كتابي "القاهرة شوارع وحكايات"، حاولت جمع تاريخ القاهرة من خلال الأماكن، واكتشفت أن الجوامع أدق في رصد تاريخ القاهرة منذ إنشائها في الفسطاط حتى القرن ال 21. كما أن الجوامع لها ثقافة معمارية تحكي تاريخ القاهرة، عبر سير منشئي جوامعها الشهيرة، التي يمثل كل منها مرحلة. يضم الكتاب خمسة فصول، الأول "قاهرة الولاة"، والثاني "قاهرة الفاطميين" ، والثالث "قاهرة المماليك"، والرابع "قاهرة العلويين"، والأخير "قاهرة أولياء الله الصالحين". الفصل الأول عن "قاهرة الولاة"، أقصد بها أن مصر كانت تابعة لدولة الخلافة الإسلامية في المدينة، ثم بغداد ويمثل هذه الفترة جامع "ابن طولون"، بداية استقلال مصر عن الخلافة الإسلامية. حيث بدأت مصر كمحافظة تابعة للخلافة الإسلامية ومقرها دمشق، أو المدينة أو بغداد، مجرد جزء تابع مهمته إرسال المدد إلى مقر الخلافة. ابن طولون حاول أن يستقل بمصر؛ مستغلا ضعف الخلافة العباسية. ثم القاهرة الفاطمية، وهي أول عمارة إسلامية في مصر ويمثلها جامع عمرو بن العاص؛ أول جامع في مصر وإفريقيا عموما. وانشأت القاهرة الفاطمية باب زويلة، وباب الفتوح حين بناها الفاطميون لم تكن مدينة، بل حصن محرم دخولها على المصريين. وكانت الفسطاط هي القاهرة الشعبية، بها الأسواق والتجارة، والحكام في القاهرة الفاطمية، ظل الأمر كذلك حتى سقطت القاهرة الفاطمية، حين حرك المذهب الشافعي صلاح الدين الأيوبي، الذي بنى القلعة ولم يحكم منها، ليستمر الأيوبيين 80 عاماً فقط!. كان الحكم الأيوبي يعتمد على المماليك، حتى بدأت دولة المماليك وقاهرتهم من القلعة حتى شارع الصليبة، وقد أقاموا كثير من الجوامع التي كانت تعد حينها إعلان شرعية للنظام الحاكم. فالمماليك كانوا بحاجة إلى سند شرعي، لذلك كثرت جوامع المماليك في القاهرة عموما، أبرزها جامع السلطان حسن، وجامع الأقمر وهو صغير ومحكم، وأشعر حين أزوره بأنه معبد فرعوني. استمر المماليك كثيرا في حكم مصر رغم عدم شرعيتهم، وعدم وجود أصول لهم، وقد حكم المماليك مصر من أول الفاطميين، حيث يسكن الخليفة في مكان ويكون الحكم الفعلي للمماليك، حتى موقعة مرج دابق التي أنهت الحكم المملوكي على أيدي العثمانيين، وقُتل آخر سلاطين المماليك طومان باي، وقد استمر المماليك في حكم مصر حوالي 300 سنة تقريباً، ليأتي الاحتلال العثماني وهو اسوأ احتلال مر على مصر، فقد كانت مهمته أن تصبح مصر ولاية مهمتها إرسال الخراج إلى مقر الخلافة العثمانية. حتى أن سليم الأول فاوض طومان باي قبل المعركة على أن تصبح مصر تحت التاج العثماني، وتدفع الخراج ، لكنه رفض. وفي عام 1516 أخذ الاحتلال الثماني 150 ألف صانع ماهر من مصر إلى الأستانة، وهو رقم ضخم، واستمر هذا إلى أن سقط الاحتلال العثماني وسقطت الخلافة العثمانية عام 1917. وحين جاءت الحملة الفرنسية على مصر قاومها المماليك، وليس العثمانيين، ثم مجئ محمد علي وبناء مصر الحديثة. وهناك فصل عن القاهرة العلوية التي يمثلها مسجد عمر مكرم. ماذا عن "قاهرة الولاة"؟ قاهرة الولاة أقصد بها أولياء الله الصالحين الحسين والسيدة. ويعد جامع "الأقمر" هو الأقرب لقلبي، والتحفة المعمارية جامع السلطان حسن. فالجامع ليس مجرد جامع، بل هو مركز إعلام، وقد كان لفظ "الجامع" يطلق على جامع واحد فقط، هو جامع الخطبة حيث يمثل الدولة، فالأزهر كان للفاطميين، وابن طولون كان لدولة الطولونية. وبعد جولتي في جوامع مصر، رأيت الكثير منها مدمر، وكنت اشترط لكي أكتب عن جامع أن تكون الصلوات فيه مقامة، ويتردد عليه الناس. من نوادر الجوامع جامع "القاضي يحيى"، في عهد المماليك كان رئيساً للوزراء، بنى جامع في شارع بورسعيد الذي يبدأ من السيدة زينب ويمشي حتى غمرة، الجامع بني في وسط الشارع، ولا أعرف كيف تم بناءه، فقد كان هذا الشارع أشبه بجزيرة!. ما أقرب شوارع القاهرة إلى قلبك؟ شارع بورسعيد، فهو شارع فاصل وعلى ضفتيه بنيت القاهرة، أول من بدأ في التحرك غربه هم المماليك، فقد كانت منطقة مهملة بها مستنقعات، وأول مواطنين سكنوا هناك هم أسرى التتار، نقلهم بيبرس لهذه المنطقة لأنها كانت منطقة متحررة، يسود فيها الرقص والرذيلة. وهذا يؤكد أن تاريخ القاهرة رواية يجب أن تقرأ. كذلك شارع بور سعيد، هو شارع تجاري صناعي مزدحم، غير مغري بالتنزه، وبه خطوط مواصلات كثيرة جداً، فهو حد فاصل، جنوبه بدأت قاهرة الولاة، وشرقه مباشرة كانت قاهرة أحمد بن طولون، يجاورها قاهرة المماليك والقلعة والأيوبيين، وكان هو الشاطئ المائي لقاهرة الفاطميين، وكانت القاهرة الأوروبية على حافته الغربية. ومن الشوارع التي صادفتها، شوارع بأسماء مهن، وشوارع بأسماء غريبة مثل "ضلع السمكة" في القاهرة الفاطمية، وشارع رشدي كان اسمه "زهرة جمال"، فالجمال كانت مثل السيارات، أو الحافلات الكبرى، لها موقف هناك!.