تعتبر الجهود التي قام بها الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، لوقف إطلاق النار بين الحركات المتمردة في شمال مالي، وحكومة باماكو، أول خطوة في تعزيز التقارب بين ماليوموريتانيا، بعد حالة من الجمود الدبلوماسي خيمت علي علاقات بين الطرفين. وفي سياق آخر، تعتبر هذه الوساطة أول اختبار يجتازه ولد عبد العزيز في حل النزاعات الأفريقية كرئيس للاتحاد الأفريقي، بعد أن فشلت الدعوات التي أطلقتها القوي الإقليمية والدولية لوقف الاقتتال بمالي. وهذا المعنى هو ما أكده الرئيس المالي، إبراهيم بوبكار كيتا، في تصريحات له عقب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار قائلا إن "الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، أثبت من خلال تعامله مع الوضع في مالي أنه رجل أفريقيا بامتياز وأنه أفريقي من الطراز الأول". ويوم الجمعة الماضي، تم توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار بين الجيش المالي، والمجموعات الرئيسية لتحرير أزواد، وهي "الحركة الوطنية لتحرير أزواد"، و"المجلس الأعلى لوحدة أزواد"، و"الحركة العربية الأزوادية"، بوساطة قادها الرئيس الموريتاني، الذي ترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، محمد ولد عبد العزيز، برعاية البعثة الأممية لحفظ السلام (المنيسما) المنتشرة في كيدال، شمال مالي. وشهد شمال مالي، وتحديدا إقليم كيدال، منذ نحو عشرة أيام مواجهات دموية بين الجيش المالي والحركات الأزوادية الانفصالية، على خلفية اعتراض الأخيرة على زيارة قام بها رئيس الوزراء، موسي مارا، يوم 17 مايو/ايار الجاري، لكيدال. وتواصلت المعارك عندما شن الجيش المالي هجوما الأربعاء الماضي لاستعادة السيطرة على النقاط الاستراتيجية التي احتلتها الجماعات المتمردة الأزوادية، لكن الأخيرة، وبمعاونة عناصر جهادية، تمكنت من صد الهجوم وإجبار الجيش الحكومي على التراجع. وأوقعت المواجهات بين الطرفين عشرات القتلى والجرحى، وخسر الجيش المالي بعض المواقع العسكرية في كيدال، بالإقليم، ومناطق قريبة منها، بحسب تصريحات للناطق باسم الحكومة، هاماي بابي، مساء الأربعاء الماضي. وشهدت مالي انقلابًا عسكريًا في مارس/ آذار 2013، أطاح بالرئيس السابق أمادو توماني توري، بعد تمرد اندلع في كيدال، التي يتركز بها الأزواديون. وإثر انتشار الفوضى في الشمال، وسيطرة المجموعات المسلحة على "كيدال" و"تمبكتو" و"غاو"، شهدت مالي تدخلاً عسكريًا دوليًا بقيادة فرنسا وبمشاركة قوات من دول المنطقة. نتائج الوساطة الموريتانية في أزمة مالي قد تضمن عودة الدفء لعلاقاتها مع مالي، التي اتسمت بالتوتر وسوء التفاهم على مدار العامين الماضيين لعدة أسباب أبرزها احتضان موريتانيا للعديد من قادة الفصائل المالية المتمردة وسماح نواكشوط للأزواديين، بإطلاق مبادرات سياسية مؤيدة للقضية الأزوادية ومناوئة للسلطة المركزية بباماكو كمبادرة "صرخة" الحقوقية، التي نظمت العديد من الأنشطة كشفت فيها ما تعتبره "تجاوزات الجيش المالي في حق الأزواديين". وتشكل هذه الوساطة تداركا لموقف المشاهد الذي كان يغلب على الموقف الموريتاني مما يجري بالجارة الشرقية لها (مالي)، بعد أن نأت نواكشوط في العامين الماضيين بنفسها عن حركة المبادرات الرامية لتسهيل الوساطة بين فرقاء الأزمة بمالي، بحسب مراقبين تحدثوا لوكالة الأناضول . ويعتبر المراقبون أن ما يدفع موريتانيا للعب دور محوري في الأزمة المالية، هو الحرص على مسايرة الحراك الإقليمي الأخير والمتمثل في طموح كل من المغرب والجزائر، في تعزيز حضورهما في الملف الأزوادي من خلال الدعوات الأخيرة التي أطلقتها فصائل ازوادية مقربة من الدولتين بضرورة نقل ملف الوساطة من بركينا فاسو إلى المغرب والجزائر. عامل ثان يضاف إلي ما سبق، وهو أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي أطلق في منتصف فبراير/شباط مبادرة دول الساحل الرامية لاستقرار و تنمية دول الساحل الخمسة (مالي، موريتانيا، النيجر، بركينا فاسو، تشاد)، يريد أن تعزز هذه الوساطة من رصيده في إطار هذه المبادرة الوليدة لأن من مصلحة موريتانيا تعزيز أمن مالي لانعكاسات ذالك عليها ، إضافة إلي أن الموقف الموريتاني من استقرار مالي يجب أن يساير المواقف الإقليمية و الدولية التي تسعي لدعم السلطات الجديدة في مواجهات التحديات الأمنية و العسكرية، التي تواجه منطقة الساحل بشكل عام. وعلى المستوي الداخلي يعتقد البعض أن هذه الوساطة ستعزز من "مكاسب النجاحات الدبلوماسية" للرئيس الموريتاني المقبل على موسم انتخابي عموده الفقري يعتمد على كشف الإنجازات الداخلية و الخارجي، وفقا للمراقبين . و تلوح بوادر هذا الطرح في بيان حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم بموريتانيا الذي اعتبر فيه أن "نواكشوط قد استعادت زمام الريادة والقيادة المفقود من عقود بعد ترأس بلادنا الاتحاد وفي 30 يناير/كانون الثاني الماضي، تم انتخاب الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، رئيسًا لمؤتمر رؤساء منظمة الاتحاد الأفريقي (أعلي هيئة بالمنظمة)، والذي يضم في عضويته رؤساء بلدان والحكومات الأفريقية الأعضاء. والاتحاد الأفريقي تكتل قاري يضم في عضويته 54 دولة أفريقية ومن بين أهدافه المنصوص عليها، النهوض بالسلم والأمن في ربوع القارة، والدفاع عن حقوق الإنسان، وتشجيع التنمية الاقتصادية المستدامة. وبدأ الاتحاد الأفريقي في ال 25 من مايو/ أيار 2013 عاما من الاحتفالات باليوبيل الذهبي لتأسيس منظمة الوحدة الأفريقية التي انطلقت عام 1963 وتحولت بعد ذلك إلى منظمة الاتحاد الأفريقي في 26 مايو/ أيار 2001، واختتم الاتحاد احتفالاته أمس الأحد.