أهم القرارات الحكومية اليوم في العدد 214 بجريدة الوقائع المصرية    الحوار الوطني يطالب المواطنين بتقديم مقترحاتهم حول قضية الدعم قبل هذا الموعد    وزير العمل يلتقي رئيس اتحاد الصناعات للتنسيق في الملفات المُشتركة    محافظ المنيا يتفقد أعمال رفع كفاءة البنية التحتية لفندق الجامعة    الكهرباء تزف بشرى للمواطنين بخصوص فواتير الاستهلاك لشهر سبتمبر    المالية تسمح بتقديم وتعديل الإقرارات الضريبية عن الفترة 2020 حتى 2023 بلا غرامات    محافظ الدقهلية يتفقد المدارس والمستشفيات والمخابز بطلخا والمنصورة    إعلام عبري: إجماع داخل إسرائيل على تحرك بري محدود في لبنان    أول صورة لموقع وفاة حسن نصر الله    4 شهداء و15 مصابًا في قصف الاحتلال مدرسة تؤوي نازحين ببيت لاهيا    الدوري الإنجليزي، أستون فيلا يتقدم على إيبسويتش 1/2 في الشوط الأول    موعد انضمام صلاح لمعسكر منتخب مصر القادم    «كوت أوفسايد»: الموسم الحالي قد يكون الأخير ل محمد صلاح في ليفربول    العثور على جثة غريق طافية بنهر النيل في الوراق    حبس 9 عناصر متهمين في جرائم سرقات متنوعة بالخليفة والمرج ومدينة نصر    يسرا: الفن اللغة الوحيدة التي تعبر عن أوجاع الشعوب | بالفيديو    لمسات فنية.. معرض تشكيلي في ختام النشاط الصيفي بالإسماعيلية    تعرف على الأفلام الوثائقية الطويلة التي تتسابق على جوائز "الجونة السينمائي"    زيلينسكي: روسيا أسقطت 900 قنبلة على أوكرانيا خلال الأسبوع الماضي وحده    3 أندية عربية ونجم عالمي هنأوا الزمالك بالتتويج بالسوبر الأفريقي على حساب الأهلي    سداسي محترف في معسكر منتخب مصر القادم.. موقف النني وحجازي    نقيب الأشراف ينعي شقيقة الدكتور أحمد عمر هاشم    المفتي يستقبل وفدًا رفيع المستوى من علماء الجمعية المحمدية بإندونيسيا لتعزيز التعاون    الأزهر يناقش مفهوم التربية الجمالية: كيف يكون جمال المظهر والمخبر    ضبط مواد غذائية مجهولة المصدر بحملة تموينية فى العاشر من رمضان    مصرع شاب في تصادم دراجة بخارية وتريلا بقنا    مصرع صياد غرقًا أثناء عمله في بحيرة المنزلة    ضبط 150 طن مخلفات بلاستيكية ومخصبات زراعية مجهولة المصدر بالقليوبية.. صور    رئيس حزب الاتحاد: الشرق الأوسط ينزلق إلى حرب شاملة    وزير المالية يفتتح مؤتمر «بورتفوليو إيجيبت» بحضور كبار الاقتصاديين غدا    مدير إدارة حدائق أكتوبر التعليمية تتفقد انتظام سير الدراسة بعدد من المدارس    الأمانة العامة بالنواب تخطر الأعضاء بجدول الجلسات البرلمانية    محافظ المنيا يتفقد أعمال تطوير فندق الجامعة ويؤكد: يسهم في تنشيط السياحة    بندارى: جماليات اللغة الساخرة والتفاصيل الصغيرة    بيان مهم بشأن حالة الطقس في الليلة الأخيرة من سبتمبر: «مفاجآت غير متوقعة غدًا»    الصحة تخصص خطا ساخنا للاستفسار عن أماكن توفر تطعيم السعار    ماء الليمون الأبرز.. 6 مشروبات صباحية لتقليل الإمساك وتحسين الهضم    نجاح الفريق الطبي بمعهد القلب في إجراء تدخل جراحي دقيق لإنقاذ حياة مريض    إعادة تشغيل الصيدلية التجارية بعيادة السلام للتأمين الصحي ببني سويف    سيارات تويوتا وجيب وبيجو للبيع في مزاد علني.. الشراء بالرقم القومي    عادل السنهوري ل شريف مدكور: عبقرية سيد درويش أن ألحانه تعيش منذ 100 عام    ميقاتي: يجب وقف إطلاق النار على جميع الجبهات ومن ضمنها غزة حتى نتمكن من تطبيق القرار 1701    متفوقة علميًا وطيبة السمعة، الإدارية العليا تلغي استبعاد فتاة من وظيفة قضائية    احذر.. حبس وغرامة مليون جنيه عقوبة مزاولة نشاط تمويل المشروعات الصغيرة بدون ترخيص    بعد واقعة اكتشاف سحر مؤمن زكريا داخل المقابر.. ما رأي الدين في السحر والسحرة؟    هل اقترب موعد العمل العسكري؟.. تصريح قوي من وزير الخارجية بشأن سد النهضة    الرئيس السيسي: ندير أمورنا بشكل يحفظ أمن واستقرار بلادنا والمنطقة    بعد أحداث السوبر الأفريقي.. الأهلي يوقع عقوبة مغلظة على إمام عاشور    إصابة 14 شخصا في انقلاب ميكروباص أمام مدخل الجبلاو بقنا    الموت يفجع الشيخ أحمد عمر هاشم    نشرة الأخبار، الكشف عن جنسية جاسوس أبلغ تل أبيب بمعلومات موقع حسن نصر الله، وإسرائيل اغتالته ب 85 قنبلة وطائرة F16    توزيع 1000 شنطة سلع غذائية على الأسر الأولى بالرعاية في كفر الشيخ    رئيس أكاديمية الشرطة: الرئيس السيسي يقود مسيرة البلاد نحو التنمية والتقدم    الصحة تنظم برنامجا تأهيليا لأطباء الصدرية بالتعاون مع الجمعية المصرية للشعب الهوائية    "أكسيوس": إسرائيل تطلب من الولايات المتحدة ردع إيران بعد اغتيال زعيم حزب الله    أول تعليق من هانز فليك بعد رباعية اوساسونا    خبير يكشف عن السبب الحقيقي لانتشار تطبيقات المراهنات    داعية إسلامي يضع حلًا دينيًا للتعامل مع ارتفاع الأسعار (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوسف عز الدين عيسى يكتب عن مدن لا يسكنها أحد!
نشر في محيط يوم 17 - 07 - 2008


يوسف عز الدين يكتب عن مدن لا يسكنها أحد!

محيط - سميرة سليمان
الأديب يوسف عز الدين عيسى
" للنيل شاطئان، أما البحر فتبهرنى لا نهايته!"
هذه كلمات الأديب يوسف عز الدين عيسى التي تكشف عن حبه لاستكشاف آلام البشر علّه يستطيع يوما تخفيفها.. له ما يقرب من أربعمائة عمل درامي ومائتي قصة قصيرة وأربع مسرحيات وثمان روايات مطبوعة بخلاف أعماله غير المنشورة.
هو أيضا شاعر، وكاتب للمقالات والأعمدة الأسبوعية في جريدة الأهرام، كان أول مصري يحصل على جائزة الدولة التقديرية في الأدب من خارج القاهرة بالرغم من كونه أستاذا في كلية العلوم، ونتذكر أعماله الأدبية المبدعة والباقية مؤثرة فينا بذكرى مولده.

ولد الدكتور يوسف عز الدين عيسى فى17 يوليو عام 1914فى الشرقية وتخرج من كلية العلوم جامعة القاهرة بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وعين معيدا بها عام 1938. ظهرت ميوله الإبداعية فى سن السابعة و كتب الشعر فى العاشرة من عمره، و يتذكر الدكتور يوسف بيت في قصيدة كان قد ألفها في هذا السن الصغيرة يقول:
فكأنني من فرط ما قد سرني طير تهادى في الفضاء يغرد
و قد كافأه والده بعشرة قروش من الفضة قائلا له أن المكافئة على كلمة "تهادى" وحدها.
رغم التحاقه بكلية علمية إلا أن هذا لم يشغله عن الأدب الذي عشقه فقد كان يكتب القصة القصيرة والأشعار فى مجلة الكلية، حتى التقى بالأستاذ محمد فتحى كبير مذيعي الإذاعة بالقاهرة في هذا الوقت، فقد قرأ أحد أعماله، و هي مسرحية بعنوان "عجلة الأيام" وأعجب بها إعجابا شديدا و طلب منه كتابتها كتمثيلية إذاعية وكانت هذه أول تمثيلية يقدمها للإذاعة عام 1940و من هنا أصبح د. يوسف عز الدين عيسى رائدا للدراما الإذاعية في مصر و الشرق الأوسط ، وقد كتب للإذاعة أعمالا كثيرة منها "فراشة تحلم"، "الرياح البنفسجية"، "عشاق الخيال".
استمرت إذاعة القاهرة تطلب أعمالا من الدكتور يوسف فكتب عديد من الأعمال الدرامية مثل "العبقرية تبكى", "الأيام التى مرت"، "سر الحياة"، "مالك الحزين"، "أحلام العصافير"، "سيكوسيتا"، "نحن و الأقدار"، سلسلة "صور من الحياة" وٍسلسلة "بدون عنوان" التى كان يشترك في إخراج الحلقة الواحدة منها جميع مخرجي الإذاعة ومئات غيرهم.
يوسف عيسى في طفولته
كما أنه صاحب أول مسلسل سيكولوجي في مصر والشرق الأوسط وهو مسلسل من 34 حلقة "عدو البشر"1954 ثم كتب "المملوك الشارد"، "عواصف"، "العسل المر"، "اليوم المفقود" الذي أذيع على مدى ستة أشهر بمعدل حلقة في اليوم و أخيرا "لا تلوموا الخريف".و عشرات غيرها، كما اختيرت أشعاره لتكون من مختارات الإذاعة فغني أشعاره و لحنها كبار الملحنين، منها أغنية القرنفل، التى غناها عبد الحليم حافظ في بدء حياته.
قدم برامجا مزج فيها بين العلم و الأدب لتبسيط العلم للشخص العادي ومنها " العلم و الحياة" على مدى خمس سنوات.

مدينة أسطورية
في عام 1942 عندما علم د.يوسف أن جامعة الإسكندرية تحت الإنشاء طلب نقله من القاهرة إليها فورا. كانت الإسكندرية في عينيه مدينة أسطورية ستساعده على الكتابة.
يقول د. يوسف عز الدين عيسى: ".. اخترت الإسكندرية مسرحاً لأحداث العديد من أعمالي، رغم أن تيار الهجرة إلى القاهرة من جميع أنحاء الدولة لا ينقطع، ولكنني سبحت عكس هذا التيار فهاجرت بمحض اختياري من القاهرة حيث كنت أشغل وظيفة "معيد" بكلية العلوم بجامعتها، وانتقلت إلى الإسكندرية التي انبهرت بجمالها، وشغلت وظيفة "معيد" بكلية العلوم عند إنشاء جامعتها عام 1942. ولقد كتبت معظم أعمالى فى هذه المدينة، وأفضِّل الكتابة في كازينو يطل على البحر حيث يكون الهواء في ذروة نقائه".
مرشح نوبل للآداب!
يوسف عيسى وعائلته
سافر في بعثه دراسية إلى إنجلترا مع زوجته و حصل علي شهادة الدكتوراه عن جدارة حيث امتحنه البروفيسور ويجلزورث وهو أستاذ في علم الأحياء وفي يوم مناقشة الرسالة وضع البروفيسور يده علي نسخة الرسالة وقال: لقد امتحنت مئات الرسائل، لم تبهرني و تمتعني و تؤثر في واحدة منهم كما فعلت هذه الرسالة، و أنا لن أمتحنك ولكنني سأسألك كي أستفيد منك.
لم ينقطع يوسف عن الكتابة وكتب في انجلترا تمثيليات أذاعتها إذاعة البي بي سي البريطانية في برنامجها الثالث وهي: "خطاب الي الله "، " البراعم الخضراء" و" شجرة الياسمين". و كان يصله خطاب شكر من الإذاعة البريطانية التي أعجبتها كتاباته.
آثر د.يوسف العودة إلى الإسكندرية مدينته التي عشقها رغم تفوقه في انجلترا عاد إلى مصر عام 1952.
في عام 1957 انتدب عضوا بالمجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة و كان رئيسا لنادي القصة و رئيسا لتحرير مجلة "أمواج الأدبية" و رئيس مجلس إدارة عالم القصة و رئيسا للصفحة الأدبية لجريدة "الأيام" علاوة علي كونه عضوا باتحاد الكتاب، كما مثل مصر في العديد من المؤتمرات في مصر و خارجها.
تم ترشيحه لجائزة نوبل إلا أن من شروط الجائزة أن تكون الأعمال مترجمه إلي الإنجليزية, الألمانية, الفرنسية أو السويدية؛ و رغم أن رأي كثير من النقاد أن شروط نوبل في الأدب تنطبق علي أعمال يوسف عز الدين عيسي إلا أن الترجمات وقفت عائقا لقراءتها.
حصل على جائزة الدولة التقديرية في الأدب عام 1987، وسام العلوم و الفنون من الطبقة الأولى مرتين، الأولى عام 1976 و المرة الثانية عام 1989، وسام الجمهورية عام 1981، جائزة الدولة التشجيعية في الأدب عام 1975، درع الإذاعة في عيدها الذهبي، درع التليفزيون في عيده الفضي، درع اليوبيل الذهبي لكلية العلوم لتكريم الرواد، الميدالية الذهبية لكلية العلوم ، كما حصل علي العديد من شهادات التقدير و الدروع من جامعة الإسكندرية و غيرها من الجامعات و قصور الثقافة، تم اختياره كأحسن شخصية أدبية على مستوى الجمهورية لعامي 1998و 1999، وحصل على وسام فارس الأدب عام 1999 من قصور الثقافة لدوره الرائد في رفعة شأن الأدب و الأدباء.
رحل الدكتور يوسف عن عالمنا في 18 من شهر سبتمبر1999 و كان يواظب على محاضراته في الجامعة حتى آخر وقت كما نشرت "الأهرام" له قصه قصيرة جديدة بعد أسابيع من رحيله و كانت قد وجدتها زوجته بين أوراقه و عنوانها "القاعة الكبرى" وهي أخر مؤلفاته.
ولأنه أديب تفوق علميا وتميّز إنسانيا، دأب على كشف أغوار النفس الإنسانية وتحليلها آثرنا التجول بحديقة كتبه لننتقي بعض أزهارها.

"الواجهة"
رواية عن المبادئ الضائعة
تبحث الرواية في قضية الإنسان الشريف الذي يعتنق قيم ومبادىء ويعتقد أن العالم كله مثله يحيا في الواجهة ويرى الكل أصحاب قيم ومبادىء مثله.
ويدور بطل الرواية في الطاحونة للحصول على الدخل وكلما ذهب ليشترى الطعام وجد الأسعار في ارتفاع فلا يستطيع الشراء فيذهب إلى الطاحونة ليدور ويدور إلى أن تنهك قواه ثم لا يستطيع الحصول على قوت يومه في حين كل أهل المدينة يحصلون على المال وتبدو عليهم علامات الثراء ويأكلون أشهى الأطعمة! .
ويتساءل أفي المدينة طواحين أخرى لا أعرفها تعطى أجرا أكبر من الطاحونة التي أدور فيها؟ ويقال له أنه لا أحد يدور في الطاحونة سواك بالمدينة، ويكتشف أنه الوحيد الذي يدور في الطاحونة وتلهب السياط ظهره، ويتساءل من أين يحصل أهل المدينة على كل هذه الأموال ويقال له أن المدينة بها جزء خلفي كل شئ مباح فيه الكل يسرق في الجزء الخلفي.
ينهار البطل ويتساءل لماذا هو وحده بالمدينة الذي يدور في الطاحونة ويحصل على أجر زهيد وتلهب السياط ظهره، يقال له أن هذا صحيح لأنك أشرف من في هذه المدينة فهيا واصل الرسالة التي من أجلها أتيت وابحث عن الحقيقة التي ننتظرها كلنا. في النهاية يموت حزنا بعد أن يكتشف أنه لا أحد يعيش في الواجهة سواه.

"الله أم الطبيعة"
فى عام 1961اختارت منظمة فولبرايت د.يوسف عيسى ليكون أستاذا زائرا في الولايات المتحدة الأمريكية مدة عام، و هناك ألقى محاضرة يثبت فيها وجود الله عن طريق العلم دون التعرض لدين معين. كان ثمانون في المائة من الحاضرون من الملحدين و أجرى استفتاء للحاضرين بعد المحاضرة، فإذا بالملحدين قد تقلص عددهم إلى عشرة أشخاص.
يقول د. يوسف "لقد آمنت بالله عن دراسة لا عن وراثة" و قد حول هذه المحاضرة إلى كتاب بعنوان " الله أم الطبيعة" و دعاه النادي الثقافي الأدبي في جدة بالمملكة السعودية لإلقاء نفس هذه المحاضرة هناك.

"خطاب إلى الله "
في هذه القصة يحكي د. يوسف عن زينب البائسة التي لا أب لها ولا أم ولا أقارب، ولا تعلم كم مر عليها من الأعوام فى هذا الوجود، ولو تذكرت لأدركت أنها بعد أيام ستتم سبع سنوات.
إنها تذكر مثلا، أنها كانت فى إحدى ليالى الشتاء عند باب ضريح السيدة زينب، كعادتها، وكانت تتسول من مرتادي الضريح حتى قابلت ذات يوم امرأة أقنعتها أن تعمل في البيوت بدلا من التسول، وبالفعل ذهبت معها وقاست من هذه السيدة كل صنوف العذاب.
تقول القصة: "..ذات يوم أرسلتها لشراء بعض الجبن والزيتون من عبد القادر البقال ولما عادت فحصت سيدتها الأشياء، ثم نظرت إلى زينب نظرة قاسية وقالت:
- الزيتون أقل مما اعتدنا شراءه بهذا الثمن. هل أكلتِ منه شيئا فى الطريق؟
نفت زينب نفيا باتا أنها أكلت منه شيئا، ولكن سيدتها لم تصدقها، فجذبتها من يدها وجردتها من غلالتها وهوت على جسدها بعصا غليظة ثم ألقت بها فى ركن الغرفة.

زينب تيأس من الحياة
نصحتها مبروكة احدى خدم العمارة بأن ترسل خطابا إلى أبيها لينقذها من هذا العذاب، تذكرت زينب انها لا أب لها ولا أحد ففكرت أن تكتب خطابها إلى الله قائلة: "..هو الذى يعطف على المساكين ولا يظلم الناس ولا يحب الظلم. إذا كتبت الخطاب إليه وألقيته فى ذلك الصندوق الذى أرى الناس يلقون بخطاباتهم فيه، فلابد أن يصله الخطاب".
وطلبت زينب من عبد القادر البقال أن يكتب لها خطابا إلى ربنا، ولم يشأ البقال أن يطفئ شعاع الأمل الوحيد التي تتمسك به هذه المسكينة وعندما سألها ماذا أكتب قالت زينب: " اكتب له أن يأخذنى عنده، فأنا مسكينة، أليس هو الذى خلقنى؟".
وفجأة ترى سيدها أمامها وأعادها إلى البيت الذي أصبحت تكرهه، وفي الصباح التالي تحكي القصة: "...صحا أهل المنزل، ونادتها سيدتها فلم تسمع إجابة وظنتها غافلتهم وهربت مرة أخرى. فهرعت إلى المطبخ تبحث عنها. وجدتها متكورة فى ركن المطبخ. ركلتها بقدمها ركلة قوية لتوقظها فلم تستيقظ زينب، ولن تستيقظ".

"ليلة العاصفة"
تحكي هذه القصة عن حمدي بطلها 12 سنة الذي يذهب إلى المدينة ليحضر فرح أخت صديقه بعد إنتهاء اليوم المدرسي، ويعود متأخرا في المساء، وسط سماء ملبدة بالغيوم، وقد بدأ الرعد وهطل المطر وازداد الظلام حلكة، ويلوذ ببيت من طابقين، قريب من الطريق الزراعي، وأمامه شجرة ضخمة، وعندما يفتح الباب، تطل منه إمرأة في يدها مصباح، فيلقي نفسه في حضنها، بعد أن يكتشف أنها أمه.
وتمضي الأحداث لنكتشف أنها أمه المتوفاة التي جاءت لتخبره من خلال نبوءات بما سوف يمر بالأسرة من أحداث، ومن ضمن هذه النبوءات أنه سيموت في الثلاثين من عمره ليلة عيد ميلاده في منتصف الليل.
عندما فتح حمدي عينيه، وجد نفسه في سريره بمنزله، وبجواره أبوه وأخته، أوضح له والده انه غاب عن الوعي إثر العثور عليه ملقى في الطين على حافة الطريق.
لم يذكر حمدي ما رآه في تلك الليلة، ليلة العاصفة، وما سمعه، بل طواه في أعماق نفسه. وتدور الأيام، ويكبر حمدي، ويكتشف أنه كل ما ذكرته له أمه من أحداث قد حدث بالفعل، وتحولت نبوءات الحلم إلى واقع . ولم يتبق سوى نبوءة واحدة، مما سمعه في هذا المنزل العجيب لم تتحقق بعد. ظل صوت أمه يرن في أذنه، وكأنه صوت الفجر، وهي تقول "مات حمدي ابني يوم عيد ميلاده الثلاثين".
وتمضي الأحداث لنكتشف أنه لم يمت، وتنتهي القصة بقول حمدي فيما يشبه الحكمة: "هناك من الأشياء ما يعجز عقلنا عن إدراكها، مهما أوتينا من علم ".
"الصرخة"
بطل القصة رجل بلا اسم، فالاسم رمز للهوية، وهو مثل الجميع، أناس بلا هويات وبلا معالم تميز شخصاً عن آخر.
هي قصة بطل مهزوم، يفشل في الحصول على وظيفة، كلما تقدم بطلبه لكثير من الجهات. ولا يجد في نفسه دافعا للزواج والإنجاب، تجنبا لمزيد من القلق والشقاء. ولا يجد شيئا أجمل من الوحدة والبعد عن الناس.
تدور القصة حول مدينة بأكملها أصاب أهلها النوم والنعاس. أو الموات، في لحظة من اللحظات، توقف كل شيء عن الحركة والحياة والاستمرار في أداء أعماله الحياتية واليومية.
يصور لنا الكاتب هذه المدينة النائمة، ومن خلال هذا العالم القصصي الساكن الجامد المتوقف عن الحركة، تبرز لنا طفلة صغيرة بريئة، تبحث عن أمها، ومن خلال بحثها، يتجول بنا الكاتب في هذا العالم الصامت الذي توقف كل شيء فيه عن الحياة عند نقطة معينة، ولكن الطفلة الصغيرة عندما تعثر على أمها، فإنها تعيد كل شيء إلى ما كان عليه، من خلال الصرخة القوية الصادقة التي أصدرتها ، ليعود العالم إلى حالته العادية بعد أن توقف كل شيء فيه .

يوسف عيسى ونهم إلى القراءة لا ينتهي
ومن القصة نقرأ:
عندما نزل إلى الشارع شعر أنه الوحيد الباقي على قيد الحياة، فهو على الأقل يعي العدم والموت. إنه لا يعاني من ضائقة مادية بل من خواء روحي. باع سيارته الحقيرة، واشترى سيارة فاخرة، ولكن .. ما فائدة امتلاك قصر وسيارة مرسيدس، وسط عميان لا يرون النعمة التي هو فيها. الناس أيضا لن تلومه ولن توبخه وتسخر منه، لو مشى حافيا وتجرد من كل ملابسه. لا داعي إذن للخدم في الفيللا، ولا لزوم لرابطة العنق. هو يشعر بالراحة وهو يسير حافي القدمين. ولا فائدة من صالون فاخر لن يزوره فيه أحد. ذهب إلى أكبر بنك في الدولة.
حصل على عشرين رزمة من الجنيهات . رماها في (دواسة) السيارة وهو عائد إلى منزله. لا فائدة من هذه الجنيهات. جميع السلع في متناول يده. يستطيع الإستيلاء على السلع دون حاجة لنقود، فأصحاب المحلات في غيبوبة مزمنة، لا يستوقفون من يدخل المحلات. عيونهم تحدق في الزبائن ولا تعيرهم إلتفاتا. إنه يشعر أنه داخل مقبرة كبيرة، تحوي أبدانا حية وقلوبا ميتة.
كما يقول النقاد تكشف القصة عن اللامعنى في حياة معاصرة ماتت فيها الأحاسيس والمشاعر، وغابت عنها العقول والأفكار الحافزة لمواصلة الحياة.

"الجائزة"
هذه الرواية حصل بها الكاتب السكندري د. عز الدين عيسى على جائزة الدولة التشجيعية، تدور الرواية حول ثلاثة علماء نالوا جائزة نوبل في الأدب، الفسيولوجيا، والفيزياء، وفي الطائرة التي تقلهم الى السويد لتسلم الجائزة، أبلغهم قائد الطائرة بأنه قد ضل الاتجاه وسوف يضطر للهبوط في جزيرة مجهولة.
وفي الجزيرة يدور حوار فلسفي بين العلماء الثلاثة وحاكم الجزيرة الذي يأمر بقتلهم لعدم فائدتهم في الجزيرة. لكنهم اقترحوا عليه بناء جسر حول الجزيرة لحمايتها من الفيضان والغرق ، وكان أهل الجزيرة كلما أقاموا الجسر بالنهار ينهار بالليل .. ثم يعيدون بناءه من جديد وهكذا .. دواليك .
ولكن يصل الأمر بالعلماء الثلاثة إلى الاختلاف وإجراء التجارب على الكائنات الحية بالجزيرة قبل إقامة الجسر. وفي نهاية التجارب ونهاية الرواية أيضا تتحول عقول العلماء، الذين فازوا بجائزة نوبل، إلى عقول متخلفة .
"القطار"
نعرف من هذه القصة أن رئيس القطار لا يعرف محطة قيام القطار، ولا محطة وصوله، وكل ما يهمه هو التأكد من أن جميع الركاب قد دفعوا ثمن تذاكر الركوب.
ويصل الركاب إلى مدينة بلا اسم، ولا توجد على لافتة المحطة أي كتابة. وعندما يصل الركاب إلى محطة الوصول، يستوقفهم بعض الحرس، ويطلبون منهم خلع جميع ملابسهم، وترك حقائبهم المليئة بالمال والتحف والبضائع، وهكذا يصلون إلى مدينة الوصول عراة.
ثم يحمل القطار شحنته الأخرى من البشر، وينطلف صفير الإنذار، ويتحرك القطار، وسرعان ما ينساب داخل نفق مظلم، ويغيب عن الأنظار. تلك هي رحلة الحياة الإنسانية، التي يرمز لها القطار، حيث يخرج الإنسان عاريا من رحم الحياة، ويعود إلى قبره عاريا. هي رحلة تبدأ بالعراء وتنتهي بالعراء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.