عمرو هندي: الحوار الوطني خلق حالة من الاصطفاف الوطني    3 قرارات.. نتائج جلسة المناقشة الثانية لمجلس نقابة المحامين    محافظ كفر الشيخ يتفقد أعمال إنشاء مركز التحول الرقمي.. «واجهة رائدة»    احذر تشغيل تكييف السيارة في هذه الحالات.. تهددك بالاختناق وتضر المحرك    المؤتمر السوداني: وقف الحرب مطلب مُلح بالنظر لمعاناة الإنسانية الفائقة    يورو2024| إمبولو يتقدم لسويسرا في شباك إنجلترا    ضبط 371 ألف قرص مخدر بالقاهرة و السويس    21 شخصًا معظمهم أطفال.. ننشر أسماء ضحايا حادث انقلاب سيارة بالإسماعيلية    إخلاء سبيل اللاعب أمام عاشور في تهمة التعدي على فرد أمن بالشيخ زايد    وفاة مدير التصوير عصام فريد عن عمر يناهز 83 عاما    «التنمية الحضرية»: الانتهاء من تطوير المنطقة الثقافية بتلال الفسطاط بنسبة 100%    احتجاجات في تل أبيب تطالب بإقالة حكومة نتنياهو وإجراء انتخابات مبكرة    جميلة عوض تشارك جمهورها بلقطات من شهر العسل في فرنسا.. صور    حفيد محمود ياسين ناعيًا أحمد رفعت: «زعلان عليه ومبسوط بحب ربنا فيه»    كاتب سوداني: دور مصر متواصل وتعمل على تهيئة الحوار بين الفرقاء    أجمل رسائل التهنئة برأس السنة الهجرية 1446.. والأدعية المستحبة لدخول العام الجديد    بمناسبة رأس السنة الهجرية.. وكيل «صحة الشرقية» يوزع الهدايا على مرضى مستشفى أبو كبير    إستونيا تعلن تزويد كييف بمنظومات دفاع جوي قصيرة المدى    البابا تواضروس يشهد سيامة 24 كاهنًا جديدًا للخدمة بمصر والخارج    المروحة تبدأ من 800 جنيه.. أسعار الأجهزة الكهربائية اليوم في مصر 2024    محافظ القاهرة يتفقد أحياء المنطقة الجنوبية    جامعة أسيوط تنظم حفل تخرج الدفعة رقم 57 من كلية التجارة    وزير الأوقاف يصل مسجد السيدة زينب ويزور المقام قبل احتفالية العام الهجري الجديد - (صور)    توطين مليون يهودى فى الضفة «مخطط الشر» لإنهاء حل الدولتين    ضمن «حياة كريمة».. 42 وحدة صحية ضمن المرحلة الأولى من بني سويف    رانيا المشاط.. الاقتصادية    كلاكيت تاني مرة.. جامعة المنيا ضمن التصنيف الهولندي للجامعات    لأول مرة.. هروب جماعى لنجوم «الفراعنة» من أوليمبياد باريس    قافلة طبية مجانية.. الكشف على 706 مواطنين فى إحدى قرى قنا ضمن «حياة كريمة»    جنازة غريبة للمستشارة الإعلامية للقصر الجمهوري السوري وأقاربها يرفضون دفنها في مسقط رأسها    عماد الدين حسين: الحوار الوطنى يحظى بدعم كبير من الرئيس السيسى    وزير التموين: نعمل على ضبط الأسعار بطرق مبتكرة ليصل الدعم للمستحقين    نتيجة الدبلومات الفنية 2024 (صناعي وزراعي وتجاري).. خطوات الحصول عليها    تأجيل محاكمة 3 مسؤولين بتهمة سرقة تمثال من المتحف الكبير لجلسة 7 أكتوبر    ناجلسمان يتطلع للمنافسة على كأس العالم بعد توديع ألمانيا ليورو 2024    خلال جولة رئيس الوزراء فى حديقة الأزبكية .. الانتهاء من أعمال التطوير بنسبة 93%    وزير الصحة يستقبل وفد من جامعة «كوكيشان» اليابانية لمتابعة الخطة التدريبية للمسعفين المصريين    المركز المسيحي الإسلامي يُنظم ورشة للكتابة الصحفية    أيام الصيام في شهر محرم 2024.. تبدأ غدا وأشهرها عاشوراء    طلب مفاجئ من ماجد سامي بعد وفاة أحمد رفعت| عاجل    انطلاق أولى حلقات الصالون الثقافي الصيفي بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية    ستارمر: الدفاع والأمن على رأس أولويات الحكومة البريطانية الجديدة    هل نجح الزمالك في إنهاء أزمة إيقاف القيد ..مصدر يوضح    أجواء مميزة وطقس معتدل على شواطئ مطروح والحرارة العظمى 29 درجة.. فيديو    وفاة عاملان صعقا بالكهرباء داخل مزرعة مواشى بالغربية    استمرار غياب بيرسى تاو عن الأهلي في الدوري    لطلاب الثانوية العامة، أفضل مشروبات للتخلص من التوتر    وزير الخارجية: مصر تسعى لدعم دول الجوار الأكثر تضررًا من الأزمة السودانية    ما الحكمة من اعتبار أول شهر المحرم بداية العام الهجري؟ الإفتاء تُجيب    خبيرة فلك: ولادة قمر جديد يبشر برج السرطان بنجاحات عديدة    مصر وسوريا تشددان على الرفض التام لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية أو تهجير الفلسطينيين.. الرئيس السيسى يؤكد ل"الأسد" مواصلة الجهود الرامية لوقف إطلاق النار بقطاع غزة وإنفاذ المساعدات الإنسانية بصورة مستدامة    مفتى الجمهورية: التهنئة بقدوم العام الهجرى مستحبة شرعًا    ماذا يريد الحوار الوطنى من وزارة الصحة؟...توصيات الحوار الوطنى تضع الخطة    الصحة تطمئن على جودة الخدمات المقدمة بمستشفى عين شمس العام    وفاة اللاعب أحمد رفعت إثر تدهور حالته الصحية    «في الساحل الشمالي».. شوبير يكشف عن أولى صفقات الأهلي (فيديو)    الداخلية الإيرانية: تقدم بزشيكان على جليلي بعد فرز أكثر من نصف الأصوات    احتفالات السنة الهجرية الجديدة 1446 في العراق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا غرقت محروسة البسطاء؟ .. تحقيق روائي
نشر في محيط يوم 29 - 11 - 2007


لماذا غرقت "محروسة" البسطاء؟
غلاف الرواية
محيط - شيماء عيسى
"سبع دقائق فقط ، فصلت ما بين الحياة والموت على ظهر المحروسة ، قبلها كان ترقب الوصول الوشيك ، وأمل لقاء الأهل والوطن ، وأثنائها واجهت السفينة غول الشعب المرجانية ، الذي نهشها وملأها بحوالي 20 ألف طن مياه ، وبعدها استقرت في قاع البحر ، على عمق 32 مترا ، لتأخذ معها 574راكبا بمن فيهم قائد السفينة وغالبية طاقهما ,, وكتبت النجاة فقط لعدد 180 راكبا ".
في أمسية ثقافية عقدت مؤخرا ، اجتمع فيها كل من الشاعر والناقد شعبان يوسف، د. عزة بدر القاصة والروائية والشاعرة ، والأديب والناقد الكبير يوسف الشاروني وعدد من الأدباء والمثقفين ، اجتمعوا لمناقشة " الغرق" الصادرة عن الهيئة العامة المصرية للكتاب ، ذلك التحقيق الروائي الذي كتبه الشاروني، وقد اختار المؤلف حدثا مهما هو غرق العبارة المصرية "المحروسة" في ديسمبر عام 1991. موضوعا لروايته.
الدكتورة عزة بدر قالت أن نماذج أبطاله ليسوا نجوما بل بسطاء فقط من لحم ودم ، و الشاروني يكتب عن مجتمع لا يأخذ بالأسباب ويعيش بالبركة ثم ينتظر النهاية السعيدة فتحدث أعنف الكوارث .
الناقد والشاعر شعبان يوسف قال : حدث الرواية واقعي ، وهو غرق العبارة المحروسة في 14 ديسم
أدباء يناقشون الرواية ويتوسطهم الشاروني
بر 1998 ، ربما جشع الرأسماليين هو الذي يغرق مصر ، والشهادات بالتحقيق الروائي كله تكمل الأحداث وتوجد شهادات ملفقة وأخرى حقيقية وهي تشابه رواية الأصوات ، ويوجد جزء من الرواية يؤكد بأنها تتحدث عن البلد وليس عن السفينة .
الناقد أ. عبدالوهاب الأسواني قال أن الرواية بها مكر فني كبير وخاصة في تصويره للصراع الدائر داخل نفس زوجة القبطان بعد غرق السفينة ووقت انتشال الجثث ، فهي تريد النجاة لزوجها ومن جهة أخرى إذا وجدوا جثته لن يركبه العار بالهروب من المسئولية.
الأديب جبريل يكتب
في مقدمة الأديب محمد جبريل للرواية قال أن الثقافة الموسوعية هي باعث التنوع في إبداعات يوسف الشاروني،
وتتعدد كتابات الشاروني بتعدد العوالم التي يحياها ، كتب قصيدة النثر في "المساء الأخير" وكتب القصة القصيرة في "العشاق الخمسة" و" رسالة إلى امرأة" و" الزحام" و" الكراسي الموسيقية" ، و"الأم والوحش" و " الضحك حتى البكاء" و" ما بعد المجموعات" وكتب الترجمة الأدبية في "أدباء ومفكرون" و "مع الأدباء" و" الروائيون الثلاثة" و"كتب النقد الأدبي " و"الدراسات الأدبية" والقراءة الإيجابية في مع "الرواية" و "مع القصة القصيرة " و " رحلتي مع الرواية" و"الخيال العلمي في الادب العربي المعاصر" وفي " الأدب العماني الحديث" و " القصة تطورا وتمردا" ودرس التراث وحققه ممثلا في " الحب والصداقة في التراث العربي" و" مع التراث" و" عجائب الهند" و " أخبار الصين والهند" و " قصص من التراث العماني" ، ترجم مسرحيات "أوديب لسينيكا" و"الآلية الصوفية تريدويل" ، بالإضافة لتقديم مختارات من القصة النسائية في جزئين ، وكتاب " سبعون شمعة في حياة يحيى حقي"إلخ .
يلخص يوسف الشاروني مشواره الأدبي : " كنا نكتب بحماس ، معتقدين أننا بأقلامنا سنغير العالم ، سنطوره للأفضل، سنضع أطراف أقلامنا على نقاط الضعف في مجتمعنا ، سيجد المطحونون أنفسهم في سطورنا، وأن القصة وسيلة جماهيرية ، والابنة الشرعية لعصر المطبعة ".
الرواية عن غرق العبارة المصرية "المحروسة" في رحلة للحجاج المصريين بين ميناءي السويس وجدة .
ولم يعني بمجرد غرق العبارة ولكن بما وراء الحدث الظاهر بحياة البشر ومشكلاتهم الشخصية ، وقد أفاد الفنان من نحو 34 مادة صحفية نشرت عن الحادثة .
ومازلنا مع المقدمة " الغريب والمؤسف أن العبارة أعطت في مرات سابقة نذر غرقها ، فقد تعطلت ماكيناتها فجأة في نوفمبر 1990 في أثناء رحلتها المعتادة من جدة إلى السويس ، وفي سبتمبر 1991 اصطدمت العبارة بحاجز مرجاني ضخم في خليج السويس ، وكادت تغرق لولا تعطل ماكيناتها لتمنع صداما وشيكا ، ثم غرقت العبارة بالفعل في ديسمبر من العام نفسه .
تصادفك عبارة الافتتاحية التي سطرها الشاروني وتقول " غرق يغرق فهو غارف وهو غريق ، وغرقت السفينة ، فاغرورقت عيناه بالدموع على أحبائه الغارقين" .
إلى الرواية .. أو إلى " الغرق"
زحام " .. بعدما استقر بي المقام ونمت ، ادركت أنني في الصباح ، وأدرك كل من معي أننا في مأزق خطير ، الزحام يخنق كل شيء ، الممرات تحولت ، وحتى الأماكن المتسعة قليلا بين السلم والسلم – لمسطحات نوم ، لكي أتحرك لابد أن أميز بي الأقدام والأيدي ، وأحيانا الرؤوس، إذا فكرت في الذهاب لدورة المياه علي أن أبحث عن واحدة لا ينام فيها مسافرون" ويتحسر لا توجد رومانسية بالسفر ولا زرقة فوق ولا تحت.
وحينما حاول مقابلة القبطان كريم كاتو لتقديم شكاوى الركاب له وجده .." شاب مفرود القامة ربما في الأربعين من عمره ، وسيم، يصلح لأن يكون نجما من نجوم السينما ،يتميز بابتسامة جادة لا تتوفر إلا لأصحاب الشخصيات الوسيمة ، يكتفي بالنظرات لمن حوله لينفذوا كل ما يعرفون أنه من الواجب تنفيذه"
يقول كاتو .. " ورائي تاريخ طويل من العمل في البحر ، وفي مقطع آخر من الرواية وعلى لسان أحد الشهود بعد غرق العبارة .." أما شهادة زملائه القباطنة , ورجال البحارة الذين ملئوا الدنيا صراخا عليه ، عندما خرجت جثته ، فتؤكد قدرته وكفاءته وإصراره في كل رحلة على أن يذكر رجاله من البحارة ، أن يكونوا آخر من يهبط من السفينة ، إذا ما حدث لها أي مكروه ,, وهو آخرهم ,, ويكفي أيضا ، أنه مات واقفا بملابسه الرسمية في غرفة القيادة ، وأمام البوصلة .
يقفز بنا الراوي دفعة واحدة بعد أن روى القبطان بنفسه إشكالات الركاب من إضاءة ومياه عذبة وازدحام وما غير ذلك ، يقفز بنا إلى حيث الغرق .. نعم يقول : " عشرون شهرا بعد هذه الرحلة ذهابا وعودة ، الباخرة "المحروسة" غاصت إلى قاع البحر الأحمر ، القبطان كريم كاتو يرحمه الله".
ويبدأ الشهود يتحدثون في التحقيق الروائي .. الشاهد الأول والذي يتحدث عن مواصفات السفينة وعدد ركابها.. " في الحادية عشرة من مساء يوم السبت أعلن قبطان السفينة كريم كاتو أن الباخرة ستصل ميناء سفاجا بعد ساعة واحدة مما دعا الركاب لتبادل التهنئة بسلامة العودة .. بعد عشر دقائق فقط من حديث القبطان أحس الركاب بارتطام عنيف للسفينة في أشياء صلبة وصوت ارتطام أشياء صلبة ببعضها ، انفتحت على أثرها أبواب السفينة لتتدفق المياة بداخلها بسرعة رهيبة ، مما أرغمها على الميل على الجانب الأيمن ، وسرعان ما غاصت إلى الأعماق بين صراخ من كان مستيقظا من الركاب بينما معظم الركاب محبوسون داخل كبائنهم".
ثم تأتي استغاثات التقطتها بعض أجهزة الاستقبال كان القبطان قد أرسلها قبل غوص السفينة ، وتطاير الخبر للجهات المسئولة ونجد تدخل الضفادع البشرية التابعة للقوات الجوية ، وكاسحة الألغام التابعة للقوات البحرية التي كان القدر أن تكون على مقربةمن السفينة وتنقذ 93 راكبا ، كما توجهت طائرات عسكرية لمكان الكارثة، ووصل عدد ضحايا الكارثة إلى 470 راكباً .
رواية محافظ البحر الأحمر التي يضعها الكاتب بها دلالة كبيرة حيث انتقل بحسب شهادته بالتحقيقات بعد ساعة من الغردقة لميناء سفاجا ، نلاحظ التحرك بعد ساعة تقريبا مع سفينة تغرق وبها مئات الآدميين!
نلمح من بين السطور قصص إنسانية لمصريين بسطاء التهم البحر أحلامهم ، ومنها مثلا رواية سيد حنفي صلاح صعيدي من أسيوط : أمضيت في السعودية عشر سنوات متواصلة لم أقم خلالها بأجازة واحدة ، جئت هذه المرة بتحويشة العمر بعد أن وجدوا لي بنت الحلال ، تحويشة العمر ضاعت ، وبنت الحلال ضاعت ، خمسون ألف ريال وهدايا وبضائع بعشرين ألفا ، كنت ناوي أتزوج ، لكن مفيش نصيب ، قدر ومكتوب.
لا نزال نلمح شكل التحقيق الصحفي في سائر الرواية ، فهي تقوم على سرد روايات الناجين والصحفيين والمسئولين وأهالي الضحايا .
سفينة المصريين
وفجأة تجد نفسك أمام الغرقى بصفة عامة في حالة الإهمال التي تلف كافة القطاعات في المحروسة ، و
الشارع المصرى
" البلد في معركة الخروج من عنق الزجاجة لنصل للوضع الذي نحلم به جميعا ، وكيف فات على قبطان العبارة أنه انحرف عن الطريق البحري الذي يتعين عليه أن يلزمه طول الرحلة ؟ مع أنه ربان قديم وصاحب خبرة ؟ !!! ولو اقتنع القبطان بأنه مسئول عن كل هذا العدد الكبير من الأرواح ، ما كان انحرف بالعبارة إلى طريق الموت ، لكن الحقيقة أن هناك نوعا من الإهمال يشوب أداءنا في كل المجالات ، إهمال لا أدري سببه وإن كنت أدري مداه ، إهمال جعل عسكري المرور ينظر ببلاهة إلى الشارع وكأن الأمر لا يعنيه ، وجعل سواق الأتوبيس يطير في الشارع وكأنه أحد أبطال رالي باريس- داكار- وتستطيع أن تقول نفس الشيء على بعض الوزراء وعلى بعض الوكلاء وعلى بعض المحافظين وعلى بعض رؤساء المدن وعلى بعض رؤساء الأحياء ، الأمر يستدعي وقفة مع النفس ، وإلا فسنتحول عما قريب إلى أعداء لأنفسنا .
وبنفس النبرة ، يربط الراوي بين إرجاع البعض مشكلة الصيانة سببا أساسيا في كارثة العبارة ، لينتقد غياب فكرة الصيانة من حياة المصريين ، " لكن لماذا نلوم المسئولين عن صيانة "المحروسة" بينما نحن كمجتمع محصنون ضد ممارسة الصيانة ، راقب نفسك مع سيارتك، أو مع حنفية المطبخ ، مع أسنانك ، مع صحتك ... إننا لا نحب أن نخصص أي ميزانية للصيانة "
أما شهود العيان فقد حاول كل منهم وصف كيفية نجاته ولحظات الكارثة ، لدينا أمين أحمد مثلا 40 سنة من طنطا كان يعمل بناء بمدينة الرياض وقضى هناك عاما وحصل على أجازة فقرر السفر لمصر ، حيث شاهد كمية دخان كثيفة تخرج من السفينة ثم مالت إلى ناحية اليمين فصعدوا بسرعة فوق سطحها ووجدوا السفينة تغرق نهائيا فقفزوا ، ويتابع .." لكني ارتطمت على ظهري بشدة وأصبت بكسر في العمود الفقري وأحسست أنني ميت لا محالة ورغم ألمي وعدم قدرتي على الحركة فقد وجدت حبلا تعلقت به.. وفي هذه الأثناء ابتلعت كمية كبيرة من المياه المخلوطة بالجاز المسكوب من السفينة .. ثم وجد قاربا للنجاة وكان فوقه 40 راكبا وظل بداخله تقذفه الأمواج ومياه البحر الهائج والخوف يملأ قلوبنا من ظهور أسماك القرش التي تنتشر بكثرة في هذه المنطقة ,, وقابلنا قاربا للنجاة آخر مقلوبا ويمسك به 3 من ركاب السفينة المنكوبة وآخذناهم معنا وقضينا أكثر من 13 ساعة في البحر استطعنا بعدها الوصول للشاطيء ، حينما تمت الإسعافات اللازمة لهم ..
الجمال القاتل
"الجمال القاتل في البحر الأحمر" هذا ليس عنوان لمقال صحفي إنه جزء أصيل من الرواية ، فالكاتب يعتمد عل
البحر الأحمر
ى كثير من الحقائق الجغرافية والجيولوجية ونقرأ .." الشعاب المرجانية مجموعة كبيرة جدا من الحيوانات البحرية تعيش في مستعمرات تكوينها .. كل واحد منها يفرز جسما هيكليا جيريا .. المستعمرة تظل متصلة الواحدة بالأخرى بحيث تكون كتلا صخرية متنوعة الأشكال .. وتعيش الشعاب المرجانية على حافة الشواطيء البحرية المالحة ، وتنمو المجموعة فوق الأخرى إلى أن تصل لسطح البحر ولا يمكنها تجاوزه لأنها لا تعيش في الهواء .. وتتقدم في نموها نحو البحر ، هذه الحيوانات لا تعيش إلا في الأعماق الضحلة التي ينفذ إليها ضوء الشمس .. ومن هذا المستوى تنمو بعضها فوق بعض إلى أن تصل لسطح البحر فتنمو أفقيا حتى تظل مغمورة في البحر طوال الوقت .. وتكون ما يشبه التلال أو الجبال المنخفضة.
للشعاب المرجانية خرائط يجب أن تكون لدى البحارة ، ولابد أن تراجع على الأقل كل 25 سنة ، وتوجد مناطق في البحر الأحمر يصعب الملاحة فيها لأن الأمواج تكون صعبة وشديدة وتيارات المياه قوية ويصعب التحكم في قيادة السفن فيها .
شهادة اعتراضية
مهندس إسحق عبدالعزيز خبير هندسي قال إن العبارة المنكوبة لم تتكلف هذا الرقم الكبير، وأنها تعمل ب"البركة " لذا يهرب البحارة من العمل عليها ، وأعطالها لا تعد ولا تحصى، كما أن الطاقم كله من كبار السن حتى طبيب العبارة تجاوز الثمانين من العمر.
سرعة العبارة حسب ما ورد في أوراق اللويدز 15 عقدة في الساعة ( العقدة 1852 مترا) والسرعة المفروضة في ضوء عمر العبارة ومحركاتها لا تزيد عن 13 عقدة.
موعد وصول الرحلة كما كان مقررا يوم 16 ديسمبر في السويس، في ضوء وصول القبطان كريم إلى سفاجا منتصف ليلة 14 ديسمبر كان من المفترض وصوله إلى السويس صباح يوم 15 ديسمبر بتوفير 24 ساعة كاملة من الوقت المحدد لزمن الرحلة والمحدد بأربعة أيام ، تكلفة اليوم الواحد من زمن الرحلة لا تقل عن 15 ألف جنيه حرص القبطان كريم كاتو على توفيرها في كل رحلة لدرجة أن معدلات الراحة بين كل رحلة وأخرى، لم تكن تتجاوز ال12 ساعة وهي فترة ليست كافية لإراحة الطاقم فحسب بل وللماكينات القديمة أيضا.
في شهادة لبحار آخر نجد أن .." البحر الأحمر ، ليس بحرا بالمعنى المفهوم ، إنه أخدود بين أرض آسيا وأرض أفريقيا.. والإبحار فيه صعب للغاية فهو ضحل في أغلب مناطقه ، ومليء بالشعاب المرجانية.. بالإضافة إلى أن موانئه ليست على مستوى جيد في أغلب الأحوال.
تايتانك
تصور لغرق تايتانك
يتابع البحار الشاهد : في عام 1912 كانت أضخم سفن العالم المركب " تيتانك" تسير في طريقها من بريطانيا إلى مدينة نيويورك ، تسبقها عدة سفن أخرى .. كانت ترسل لها من وقت لآخر تحذيرات بأنها ستصادف جبالا من الجليد في الطريق.
كانت تايتانك من الغرور بحيث لم يلتفت القبطان إلى هذه التحذيرات التي وصلته أكثر من مرة ، لم تكن فقط مدينة عائمة ، كانت أيضا مدينة فاخرة ، هائلة ، يركبها في رحلتها الأولى عدد من أثرياء العالم ومصممي السفينة ، وركاب إجمالي عددهم يفوق الألفين .
في الثانية عشرة إلا القلق قبل منتصف الليل، شاهد المسئول عن المراقبة جبلا جليديا ، بدأ يتضخم أمام السفينة .. فأرسل إنذارا للمسئول عن الدفة .. وانحرفت المقدمة إلى الجهة اليسرى والمؤخرة بالطبع إلى العكس، لكن الجبل كان قد اصطدم بالسفينة ، وبدأت المياه في التسرب.
إنقاذ شرف القبطان
زوجة القبطان تتحدث قائلة : " كريم كان أبا للجميع .. حياتي معه رحلة طويلة منذ الصغر ، أحببت البحر من خلاله، معظم رحلاته كنت معه ومعه لا أشعر إلا بالثقة، ملامح القيادة في شخصه وأسلوبه تمنح الثقة لكل المحيطين ، كثير من العواصف قابلتنا في خليج الباسفيك وهي من المناطق السيئة ملاحيا وكانت أخطر بكثير من هذه المنطقة ، كان يجتازها بنجاح واقتدار ، وجوده في غرفة القيادة يستمر أحيانا 3 أيام ".
شقيقه أكد أنه كان مقررا أن يسافر كريم مع زوجته وزوجة شقيقه بعد هذه الرحلة لأداء العمرة ، وكانت الحقائب جاهزة .
نحن مغرمون بشدة بالشائعات ، نخلقها ونرددها ، ثم نسعى لنشرها على أوسع نطاق، وبعد ذلك نصدقها، وننسى أنا نحن الذين صنعناها ولا يمنعنا شيء من ممارسة هذا الغرام الغريب!
حتى في الكوارث لا نتحرج ولا نمتنع عن ترديد الشائعات بل على العكس تزيد شهيتنا لإطلاقها، فتزدهر الشائعات دائما في ظل الكوارث!
وأسخف شائعة صنعناها ورددناها بعد أن وقعت كارثة البحر الأحمر هي شائعة هروب كابتن العبارة "المحروسة" بعد غرقها!
وتطوع الكثيرون منا في سرد قصص وحكايات حول هذا الهروب المزعوم، قال البعض إنه اختفى في منطقة البحر الأحمر بعد أن سبح إلى الشاطيء في منطقة بعيدة عن مكان الحادث، وقال البعض الآخر إن سيارة كانت تنتظره فور خروجه من الماء ، هرب بها هو وكبير مساعديه!
قرية الأحزان
" على بعد 70 كيلو مترا جنوب مدينة سوهاج تنحشر زاوية الجديان بين تلال الجبل الشرقي ومياه النيل العظيم ، وكلمة الجديان ليست جمع جدي ، والعياذ بالله ، بل اسم ولي ضريحه في هذه القرية التي أطلق اسمه عليها منذ مئات السنين لا يعلمها أحد ، وقد حملت منذ أسبوع لقبا جديدا هو قرية الأحزان ، فقد فقدت القرية واحدا وأربعين رجلا في عبارة الموت غاصوا جميعا لأعماق البحر بينما لم تتسلم القرية سوى ثلاث جثث منهم فقط .
حالة من الوجوم والسكون تسكن الوجوه ومن الغريب أن أحدا لا يجهش بالبكاء وإنما هناك دموع متجمدة ، فالدموع ليست هي الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الحزن ، هناك ما هو أعنف وأكثر حرقة.
مالك العبارة ذكر أنه تم إيداع مبلغ التعويضات في البنك لأهالي الضحايا ، والأكثر أنه قدم 150 ألف جنيه بشيكين للإعانات الشهرية لورثة الضحايا ، والذي رغم خسارته الكبيرة في القبطان والركاب والمال لكنه قال " لا أجيد دور الضحية ، أفضل دور رجل الأعمال القادر على اجتياز الكوارث، لذلك لن يهدأ لي بال حتى يكون لي عبارة أخرى تعمل في نفس الخط " .
ومن جهة أخرى مازالت مئات من أسر المفقودين في حادث العبارة المحروسة لا تعرف من أين تصرف مستحقاتها .
يقول نور الدين مهران 80 سنة أنه يضطر إلى السفر شهريا على الرغم من كبر سنه لصرف 100 جنيه لاستشهاد ابنه على السفينة وترك له 4 أولاد وبنتين ، يصرف منهم 30 جنيها مواصلات .
الشيء غير المتوقع أو المعقول أنه وبعد مرور أربعة أشهر وثمانية أيام من حادث غرق العبارة ، وبعد ظهور الحقائق وإعلان النيابة قراراتها ، ومنح التعويضات للضحايا والمصابين ، يأتي مجلس الشعب ليناقش استجوابا ومجموعة أسئلة وطلبات إحاطة لوزير النقل والمواصلات حول أسباب هذه الكارثة ، وكأنها وقعت بالأمس فقط.
أكثر من غرق
الناقد معاذ رياض يقول: من المفارقات أن يكون اسم السفينة "المحروسة"، وهو أيضا الاسم الذي يطلق على مصر.. والكاتب لا يخفي عنا أن هدفه من الرواية ليس فقط التأثر ومصمصة الشفاه فحسب.. بل هو نداء صارخ لإنقاذ البلد كلها من الغرق.. فهو يأخذنا من جو السفينة الغارقة إلى نوع آخر من الغرق: يحكي لنا عن عمارة شاهقة في أحد أحياء الإسكندرية بنيت بدون ترخيص، ومخالفة لقوانين الحي الذي وجه لأصحابها العديد من الإنذارات دون فائدة.. إنه الغرق في الفساد..
حكاية أخرى عن متسول اقتحم مكتب المؤلف وظل يستعطف العاملين حتى جمعوا له بعضا من المال.. فإذا به يغافلهم ويسرق ساعة الأستاذ "يوسف"! وبعد أن أسلموه للشرطة، كان على الأستاذ ليسترد ساعته أن يذهب لقسم الشرطة، وفي اليوم التالي يقدم طلبا لوكيل النيابة الذي أفاده بأنه يجب أن ينتظر حتى يعرض المتهم على القاضي.. المتهم لم يحضر في اليوم المطلوب فتأجل الأمر، وهكذا استمرت الحكاية –التي يحكيها المؤلف بالتفصيل- شهرا كاملا حتى تمكن من استلام ساعته.. أما إجراءات التسليم فكانت تتضمن تقديم ثلاث طلبات ودفع رسوم إيداع في أمانة المحكمة، ثم تحرير استمارة حملت عدة توقيعات من المسئولين!!
إنه الغرق في الروتين والإجراءات الحكومية الطويلة.. وهكذا نجد أنفسنا بين الغرق في الفساد لو كنا متعجلين لقضاء حاجتنا، أو الغرق في الروتين إذا حاولنا الالتزام بالقانون..
وختاما ..
بعد غرق العبارة السلام عام 1998 كان الشاروني مؤلف الرواية يكتب في ورقة "بعد أربعة عشر عاما غرقت في البحر الأحمر العبارة السلام في ظروف مشابهة، وكان عليها أكثر من ألف وخمسمائة راكب ضعف حمولتها، غرق منهم أكثر من ألف مع قبطانهم، بينما صاحب العبارة أفلت من أية محاسبة بخروجه من بوابة مصر إلى بلاد الفرنجة ليمرح في لندن".. وهو نفسه ما تكرر مع غرق السلام في 2006 وربما مع كل غرق قادم .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.