يناقش باحثون وأكاديميون عرب خلال مؤتمر على مدى يومين، بمدينة مراكش المغربية (وسط) "تحديات تجديد الخطاب الديني والإشكالات التي يطرحها"، في السياق العربي والإسلامي الذي يمُوج خلال السنوات الأخيرة بتحولات سياسية واجتماعية وفكرية متسارعة. وقدم عدد من الباحثين خلال المؤتمر الذي تنظمه مؤسسة "مؤمنون بلاحدود" (غير حكومية) أوراقا بحثية عالجت في مجملها ‘'التساؤلات العميقة والمقلقة" التي يطرحها الشباب المسلم اليوم حول طبيعة التدين وأنماط السلوك الديني ومرجعيتها، وعلاقتها بالتراث التقليدي وبمشاريع بناء الدولة الديمقراطية في زمن الربيع العربي. وفي هذا السياق اعتبر المفكر المصري حسن حنفي في مداخلة له، خلال افتتاح أشغال المؤتمر السبت، أن تجديد الخطاب الديني يجب أن ينطلق من إعادة النظر في العلاقة بين ثنائية "اللفظ" والمعنى" وضرورة تجديدها، فالألفاظ المستخدمة في التراث الإسلامي - حسب حنفي - تلبس لبوس الأزمنة التي تعاصرها وتستخدم فيها، وما يجب أن يدفع المسلمين إلى التحرر من إيسار بعض الألفاظ التي تؤثر سلبا على تراثهم كالرق، وأهل الذمة وغيرها. وأشار حنفي إلى أن "الصراع اللغوي اليوم في العالم الإسلامي هو بشكل ضمني صراع على السلطة وذو بعد سياسي"، محذرا من أن "هذا الاختلال في العلاقة بين الألفاظ ومعانيها المتداولة، يجعل المجتمع أسيرا لنوعين من الخطابات، أولها الخطاب السلفي الذي يستند إلى اللغة القديمة ومعجمها ومعانيها التقليدية كما تمت صياغها وتداولها في تلك العهود، ويركن إليها، وخطاب تغريبي منفصل عن إطاره الحضاري، يستدعي لغة الثقافة المعاصرة ولا يجدد لغة تراثه". ورأى حنفي أن المثقفين العرب لم ينجحوا في مشاريع ‘'تطويع اللغة" وإدراك أن تغيرها وتحولها هو تعبير عن الانتقال من مرحلة تاريخية إلى أخرى، حيث احتفظوا على ثبات المعاني والألفاظ رغم تبدل الأزمنة السياسية والفكرية، ولم يهتموا بجدلية "الثابت والمتحول" داخلها. من جانبه انتقد المفكر اللبناني، رضوان السيد، الأطروحات الإصلاحية التي قامت بها مدارس فكرية وسياسية للواقع الإسلامي وذلك عبر نقد التراث أو وما يسميه السيد ب"نقد التقليد"، واعتبر السيد أن فشل هذه التيارات سواء تلك المرتبطة ب"الإسلام السياسي" أو "الفكر السلفي" بتنويعاته المختلفة وصولا إلى صيغته الجهادية، أو حتى التيارات العقلانية، "تسبب في إهدار الوقت وإخلاف الموعد مع تحقيق التغيير المنشود وخروج المسلمين من مأزقهم الحضاري". ودعا السيد إلى "مساءلة هذه العملية النقدية التي انبرت مختلف الاتجاهات الفكرية، الإصلاحية، أو العقلانية التنويرية، وحتى السلفية إلى خوض غمارها منذ نهاية القرن التاسع عشر، من أجل تجديد الخطاب الديني، والانطلاق عوضا عن ذلك إلى إصلاح الدولة الوطنية وبنائها على أسس المواطنة الصالحة". واعتبر السيد أنه من الضروري للخروج من أزمة "نقد التقليد" (أزمة نقد التراث) التي انتهت إليها التيارات الفكرية الإسلامية والتنويرية على حد السواء، والعمل على إعادة إحياء الأدوار القديمة التي اضطلعت بها للمؤسسات الدينية التقليدية، من أجل "تصحيح مسار للتدين" في المجتمعات العربية، والنأي به عن الصراعات، وعن الانحدار إلى أي "منزع تطرفي" يسيء إليه. وفي ذات السياق النقدي، هاجم السيد مفكرين حداثيين من أمثال الجزائري "محمد أركون" وغيره ممن انشغلوا بهاجس "نقد التراث الديني" وبيان مواطن الخلل داخله، دون أن ينجحوا -حسب السيد - في الانتهاء من هذه العملية والانتقال إلى مستوى إبداع الحلول لمواجهة التحديات المعاصرة التي تعترض المجتمعات الإسلامية والعربية، وتفكيك الخطابات السائدة التي تحول دون هذه المجتمعات وتحقيق النهضة المنشودة. ولفت السيد إلى أن الواقع العربي الإسلامي بعد ماشهدته المنطقة من تحولات سياسية متسارعة خلال السنوات القليلة الماضية، أضحى يعاني بعد صعود السلفيات المتطرفة، وشن هجمات الحادية عشر من سبتمبر (أيلول) سنة 2001، من مأزق آخر، تمثل في نظرة الغرب إليه باعتبار أن هذا الواقع في كليته "عالم متطرف" دون تمييز، وهي نظرة جائرة وغير موضوعية، حسب المفكر اللبناني. الباحث المغربي، محمد شبار، ذهب في ذات السياق، دارسا انعكاس ما يحدث في الداخل الإسلامي على الملسمين الذين يعيشون خارج الرقعة الإسلامية، حيث اعتبر أن "إغراق الثقافة العربية والإسلامية في الخصوصيات الثانوية، ألغى عنها بعدها الكوني الذي يميز خطابها، وأثر بالتالي سلبا على الملسمين الذي يعيشون خارج العالم الإسلامي". وصنف شبار الخطابات الدينية الرائجة لدى أبناء الجاليات المسلمة في الدول الغربية، إلى خمس خطابات رئيسية في مقدمتها، الخطاب الرسمي "الذي يتسم بالمهادنة، لا يخرج عن الترويج للثقافة الدينية الفلكلورية"، إلى جانب الخطاب الصوفي الذي يبتعد عن قضايا الوجود الواقعي وينصرف للاهتمام بالروحانيات، وأشار الشبار إلى أن هناك خطابا ظهر في الآونة الأخيرة، تحترفه مجموعة من الدعاة الإسلاميين الجدد، يتكلم بلغة العصر، ويستهدف الشباب ويتواصل معهم بطرائق التواصل الحديث كوسائط التواصل الاجتماعي وغيرها. ويواصل شبار تعداد أصناف الخطاب الديني داخل هذه المجتمعات المسلمة، التي جعلت التساؤل "حول الإسلام وعنه" عماد لغتها الرئيسي، وعن طريقها أسس أجيال من أبناء الجاليات المسلمة تصورهم حول الدين والتدين، في علاقته بباقي مناحي الحياة، ومن بين هذه خطابات، تلك التي أسسها "مفكرون متنورون" عملوا على إسقاط علاقة الكنيسة بالدين في أوروبا، في دراستهم للإسلام، دون إقامة التمايز بين طبيعة المجتمعات المختلفة في الغرب، عن نظيرتها في الشرق، إلى جانب خطابات سلفية للدين وأخرى تستند للمرجعية الإصلاحية كما هو الشأن لدى جماعة الإخوان المسلمين. وخلص الشبار إلى جملة هذه الخطابات حول الدين لم تستطع أن تحل إشكالية الإنتماء لدى المسلم الذي يعيش في الغرب، أو أن تؤسس لعلاقة سليمة بينه وبين الغير أو "الآخر" المتمايز عنه، تنأى به عن المواجهة الصدامية، وتدعوه إلى المشاركة والتواصل الحوار المفتوح مع هذه المجتمعات.