إبراهيم عبد المجيد: لماذا لا يكافئ المبدع على شخصياته الطيبة إذاً؟ الكاتبة عفاف السيد تستقيل من مجلس إدارة الأتيليه بسبب كرم صابر محام المؤلف: رغم وجود عقوبة الغرامة إلا أن قضايا ازدراء الأديان تعاقب دائماً بالحبس! في أجواء لا تقل سخونة عن الأحداث التي يمر بها الكاتب كرم صابر الذي يواجه عقوبة بالحبس خمس سنوات على خلفية مجموعته القصصية "أين الله"، استضاف أتيليه القاهرة مساء أمس الأحد ندوة عن "حرية الإبداع والدستور المصري"، في إطار التضامن مع الكاتب كرم صابر. قال المحامي حمدي الأسيوطي، محام الكاتب كرم صابر في تصريحات خاصة ل"محيط" أن قضية كرم صابر تعد مشكلة تواجه المبدعين، وهي اصطدامهم بمواد قانون العقوبات المتعلقة بازدراء الأديان. وأكد أن المبدعين في مصر مرصودين، ومعرضين لسيف مواد قانون العقوبات التي تتعارض مع الدستور. ولفت الأسيوطي إلى أن هناك مشكلة تواجه كاتب آخر هو عمر حاذق، وإن كانت مختلفة بعض الشئ عن قضية كرم صابر، فحاذق يواجه تهمة خرق قانون التظاهر، الذي يعد حقاً أصيلاً، وقد استطاع المصريون في عهد مبارك اقتناص هذا الحق، منها مظاهرة السيدة زينب الشهيرة التي حدثت عام 2006، التي "كنس" الشعب حينها السيدة على مبارك، وفق المعتقد الشعبي الشائع ليرحل عن الحكم، وكذلك مظاهرات المحلة الكبرى، والآن يتم التضييق على التظاهر. يتابع: أما فيما يتعلق بقضية "كرم صابر" فنحن نطالب بتفعيل مواد الدستور المتعلقة بالإبداع، خاصة المادة 67 من الدستور المصري الجديد. وأعلن الأسيوطي أن الموعد المحدد لاستئناف حكم الحبس 5 سنوات على كرم صابر، سيتم يوم 5 يونيو القادم، مؤكداً أنه إذا لم يصدر قانون من رئيس الجمهورية بتفعيل مادة 67 من الدستور بعدم جواز حبس المبدعين، وتعديل المادة 98 فقرة "و" وعقوبة الحبس بها، سنواجه مشكلة حقيقية. وأكد الأسيوطي أن الحَكم الوحيد الفيصل في هذه القضية، هو المتلقي نفسه الذي له أن يرفض العمل الأدبي، لكن القانون ليس له كلمة فلا يمكن أن يذهب العمل الإبداعي إلى المحكمة، فالناقد الفني هو المختص. ولفت المحامي إلى أن ما يحدث مع المبدعين الآن، يعود تاريخه إلى 1913، حدث ذلك مع منصور فهمي حين قدم رسالة الدكتوراة الخاصة به بعنوان "أحوال المرأة في الإسلام"، ورغم كونها باللغة الفرنسية مقدمة إلى جامعة السوربون، إلا أنه تعرض لبطش شديد تمثل في عزله من الجامعة، وحدث كذلك مع رسالة دكتوراة محمود الشرقاوي "الدين والضمير"، وحدث مع نصر حامد أبو زيد، ولويس عوض في "مقدمة في فقه اللغة"، ومع كتابات نوال السعداوي، وسيد القمني. وهاجم الأسيوطي اتحاد الكتاب ونقابة الصحفيين الذين لا يفعلون شيئاً لمساندة المبدعين. الحكم وسيلة للإلهاء استهل كرم صابر كلمته بقراءة مقاطع من مجموعته الأزمة "أين الله"، وأوضح أن النيابة والمحكمة تواطئوا على الحكم، قائلاً: "هذا طبيعي في بلد يقتل فيها الناس لمجرد رفعهم شارة، بلد بها فساد "للركب"، غير مقدر لنا أن نقول لا، ومن يقولها يعرف مصيره". ودافع المؤلف عن نفسه قائلاً: معروف من قبل التاريخ أن الراوي يختلف عن أبطال قصصه، وأزمتي الحالية ما هي إلا ذريعة لإلهاء الشعب، حتى لا يتحدثون عن السرقة والفساد، مؤكداً أن الحائط المائل هم المثقفون، فيتم إلهاء الناس في منع فيلم أو مصادرة كتاب. يواصل: الأزهر والكنيسة يقدمون تقارير في الأدب والإبداع، والمحكمة للأسف تستند لرأي الشيوخ وليس النقاد. مؤكداً أن المجموعة القصصية أقلقتهم لأنها تحكي عن الفقراء وليس عن أحلام الطبقة الوسطى، وتحدثت المجموعة عن الدين والمتاجرة به. ندوة موجعة من جانبه وصف د.عمار علي حسن الندوة بأنها موجعة لأنها لا تناقش نصاً إنما تناقش قضية جنائية اتهم فيها المؤلف أنه يزدري الدين، ومن ثم حكم عليه بخمس سنوات سجن. وقال عمار أنه قرأ المجموعة حين أرسلها إليه مؤلفها قبل عدة أشهر، مشيراً إلى أنه قرأها في ليلة واحدة، وله ملاحظات على مستوى المجموعة من الناحية الفنية والسردية، مؤكداً أن من يحاسب على هذه النواحي هم النقاد، وهو نقد فيه من النصح والتعليم الكثير، لكنه لا يكون حساباً يؤدي إلى ما انتهى إليه حال كرم. يتابع: لا يوجد ناقد يختلف مع النص فيرسل صاحبه إلى السجن، خاصة أن النص به بساطة آسرة وتلقائية وجرأة تصدى بها لمجموعة قضايا وتساؤلات مهمة. وتحدث الناقد والكاتب عمار علي حسن عن جوهر المجموعة القصصية بادئاً بعنوانها "أين الله"، قائلاً أنه سؤال محوري لا يعني الإلحاد، فالقرآن تحدث عن قصة "العزير" الذي أراد الله أن يثبت له قصة البعث والنشور فأمات الحمار. يواصل: هناك دائماً تساؤلات عن "أين الله" ولو كان أمر غير مباح ما تحدثت الكتب السماوية عن هذه القضية. ويتساءل: هل من رفع القضية متضرراً أحن على الدين من الديّان؟، إذا كان القرآن يطرح آراء إبليس المعارضة للذات الإلهية، ورفض إبليس للسجود واعتراض الملائكة على خلق الإنسان كل هذا وارد في النص الإلهي. إذا كان الله قد أورد آراء معارضة لذاته ورسله فكيف للإنسان ألا يفعل؟! على حد قوله. ما تحدث عنه كرم في هذه المجموعة ليس حديثاً عن الدين بل عن التدين – يواصل عمار علي حسن – وهناك فرق بينهما وبين علوم الدين، فالدين هو النص، لكن البعض يتشاكل مع "التدين" وطرقه المختلفة، فالبعض يحوله لأساطير، وآخر فلكلوري، ونص كرم يتشابك مع من يحولون الدين إلى فلكلور، كالموالد وغيرها. ويؤكد عمار أنه رأى رأي العين بعض الشخصيات التي كتب عنها كرم في مجموعته، قائلاً: وأعرف جيداً كيف يتدين أهل القرى، وعايشت هذه المشاهد، فمثلاً السيدة في مجموعة كرم "أين الله"، التي تفتح الباب لزوجها وهي لا تزال تصلي، هي جدتي فقد كانت تفعل هذا. كذلك مجموعة كرم تورد حديث السيدة التي أضيرت من الميراث وطرحت سؤالاً يدور في جوهر ما قاله الإمام الطوفي، حين قال أنه "إذا تعارض النص مع المصلحة، قُدمت المصلحة". وأكد عمار أن أبطال هذه القصص هم أشخاص موجودون في الواقع، قائلاً: أظن أن القاضي أو المحامي رافع الدعوى لو أنهم قرأوا المجموعة لعرفوا أن ما كتبه المؤلف ما هو إلا تجلي الدين في السلوكيات اليومية بعيداً عن النصوص. وأعرب عن اندهاشه لقبول الدعوى من الأصل، قائلاً ربما أن القاضي لم يقرأ تراث القضاة المصريين في التعامل مع مثل هذه القضايا الخاصة بالنصوص، مطالباً المحكمة بالاحتكام إلى الخبراء وهم في هذه الحالة نقاد الأدب وليسوا شيوخ الدين. ويرى عمار أن المباشرة في نص كرم صابر مبررة، لأن النص يتعامل مع شخصيات بسيطة لا تعرف مداراة أو مواراة. فالناس في الريف يتحدثون بتلقائية في الدين، بعيداً عن تصيد الأخطاء، فالمجموعة تتعامل بسلاسة مع شخصيات بسيطة. وأكد عمار أن قضية مجموعة "أين الله" ليست خاصة بمجموعة قصصية، أو مؤلف بمفرده بل هي أزمة مجتمع وضمير وتعليم، فنحن ضحايا تزمت وانغلاق وحالة تراجع في المستوى العام في التعليم والمهن، وطالب بقراءة النص بشكل أدبي، وأن يخرج العدل على لسان القاضي ويحكم بالبراءة، فسجن المبدعين أمر غير لائق بعد ثورتي يناير ويونيو. وتعجب الكاتب الكبير إبراهيم عبدالمجيد من البلاغ ضد المجموعة القصصية، وكأن هناك مندوب لله على الأرض، لافتاً إلى تميز الإبداع عن المقالات الفكرية، فالإبداع إنتاج روحي أكثر من كونه إنتاجاً عقلياً. وأشار عبدالمجيد إلى أن الصدق الفني هو أهم ما يميز الإبداع، فالكاتب يتحول إلى "عالم" حين يكتب عن العلماء، وإلى "عالمة" حين يكتب عن العوالم، وهو ليس بذاك أو تلك، وإذا كان المشرع يريد معاقبة الكاتب على شخصية خارجة عن المألوف أو ملحدة، فلماذا لا يكافئ المبدع إذاً إذا كتب عن شخصيات طيبة؟. وأوضح عبدالمجيد أن كثير من الأدباء تناولوا موضوع الدين في كتاباتهم مثل يوسف إدريس، ويوسف السباعي، وتوفيق الحكيم، وغيرهم. فهناك أناس يرسلون خطابات إلى الله، من شدة يأسهم فهل يكون جزاء الكتابة عن شخصيات يائسة هو السجن، ويرى الكاتب أن الحكم الذي صدر لا علاقة له بالأدب، بل هو حكم على مقال سياسي، لافتاً إلى أن هذا يعد هجوماً على الثقافة والأدب الهجوم الذي امتد منذ عصر مبارك، إلى الإخوان وهو أمر مستمر إلى الآن. عقلية متحجرة وفي كلمته بالندوة قال المحامي حمدي الأسيوطي، أن ما نشر في جريدة "الأهرام" الجمعة الماضية ينبئ عن عقلية الأزهر وشيوخه التي لم تتغير منذ الأزل، فعقلية المخبر والحظر لا تزال تحكمهم. لذلك لا أتعجب حين تتحدث المؤسسة الدينية عن محاذير. وأكد المحامي حمدي الأسيوطي أن لدينا مناخ سئ فيما يتعلق بالتشريعات وما نواجهه نحن كمحامين في قاعات المحاكم،فالدستور لا يطبق، ففي قضية كرم صابر تم عقد 10 جلسات وكثير من المذكرات، ورغم ذلك القاضي تعامل مع القضية باستهزاء شديد، وهكذا الأزهر يتعامل مع كرم صابر، كما تعامل مع نصر حامد أبو زيد، وحلمي سالم وغيرهم، وكأن الزمن لا يتطور. وطالب الأسيوطي الرئيس المؤقت عدلي منصور بتفعيل المادة 67 من الدستور، حتى لا يعاقب المبدع على إبداعه بالحبس. لافتاً إلى أن مادة 98 فقرة "و" من قانون العقوبات، والتي يسجن المبدعون بسببها لا علاقة لها بالأدب، لكن تم وضعها عام 1982 عقب اغتيال السادات، من أجل التصدي للمشايخ على المنابر والذين يحرضون على الفتنة الطائفية. ولفت المحامي إلى أنه من قبل عام 1904 وهناك قوانين تمنع الاعتداء على الأديان، وفي عقوبة ازدراء الأديان هناك عقوبة اختيارية إما الحبس أو الغرامة، ومع ذلك لا توجد قضية ازدراء أديان في مصر كان الحكم فيها بالغرامة. وناشدت هيئة الدفاع عن كرم صابر على لسان حمدي الأسيوطي رئيس الجمهورية بتفعيل المادة 67 من الدستور، فهناك 36 مادة عقابية موجودة في قانون العقوبات، حتى لا يصبح القانون سيفاً مسلطاً على رقاب المبدعين. معلناً عن ندوة أمام مكتب النائب العام الأحد المقبل الساعة الواحدة ظهراً لسحب القضية من النظر حتى يصدر رئيس الجمهورية قراراً بتفعيل المادة 67 من الدستور. ولفت الأسيوطي إلى ان الأزهر والكنيسة اتفقا على أن العمل لا يجوز لأن به عبارات تزدري الأديان. من جانبها أعلنت عفاف السيد مديرة النشاط الثقافي بأتيليه القاهرة، عن انسحابها من مجلس إدارة الأتيليه، قائلة أنه يمارس مصادرة على حرية الرأي والكلمة، وكأنهم حراس للأخلاق، فقد أبدى كثير من الأعضاء كما تقول اعتراضات على استضافة الأتيليه لندوة تتضامن مع كرم صابر المبدع الذي يقف "ضد الله" على حد قولهم، قائلة: "أشعر بالخجل لكوني عضوة في مجلس إدارة الأتيليه".