انتقادات لإسناد ترميم القاهرة التاريخية إلى شركات المقاولات عبد الستار عثمان: المقاولات تتعامل مع الأثر كأنه عمارة سكنية سامح البنا: إجراء مناقصة لاختيار الشركة الأفضل تخصصا خبير ترميم: لابد من الاعتماد على المكاتب الاستشارية رغم التشوهات التي أصابت معظم الآثار التاريخية التي خضعت للترميم بعد زلازل عام 1992 على يد شركات المقاولات التابعة لوزارة الإسكان، وقعت وزارة الآثار بروتوكول تعاون مع الإسكان لإعادة ترميم آثار القاهرة التاريخية المتضررة من الأحداث الأخيرة على مدار ثلاث سنوات. أثار القرار انتقاد المتخصصين وخبراء الآثار، الذين وصفوه بالكارثة التي ستحيق بكل ما هو تاريخي، مطالبين بإلغاء الإسناد المباشر إلى شركات المقاولات وإجراء مناقصة لاختيار الشركة المتخصصة في مجال الترميم. أعاد القرار للأذهان ما شهده الجامع الأزهر وسور مجرى العيون من تدهور وتشوه نتيجة تصرف شركات المقاولات المباشر مع الأثر، وكذلك تدمير بعض أعمدة مسجد عمرو بن العاص. كارثة يجب وقفها وصف الدكتور محمد عبد الستار عثمان أستاذ الآثار الإسلامية والنائب الأسبق لرئيس جامعة سوهاج، برتوكول التعاون ب"الكارثة"، لأن الإسكان سبق وأن تولت ترميم عدد من الآثار الإسلامية وشوهتها كما حدث بالأزهر، موضحا أن الأخطاء التي ارتكبتها الوزارة نالت بسببها مصر انتقادات من منظمة اليونسكو العالمية ، وقامت على إثرها بإخراج الجامع من ضمن التراث العالمي. وأشار، في تصريحات خاصة بشبكة الإعلام العربية "محيط"، إلى أنه تم تدمير الرسومات التي كانت تزين بوابة "المزينين" بالجامع الأزهر، وطمس ألوانها البديعة الحمراء والخضراء إلى اللون الأسود القاتم، وتشويه المدرستين الموجودتين على يمين ويسار الداخل من الباب الرئيسي للجامع ، وفي الجزء الفاطمي بالجامع تم تدمير كل الزخارف الجصية. وقال أستاذ الآثار الإسلامية إن وزارة الإسكان حققت منافع مادية ضخمة جراء عملها غير المتخصص في مجال ترميم الآثار في عهد الوزير الأسبق إبراهيم سليمان. وأكد أن مشروع الترميم لابد أن يقوم به متخصصين، يبدأ أولا بفريق من الأثريين، يعقبه فريق من فنيي الترميم تحت إشراف شركة متخصصة، مضيفا أن اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية تتشكل في الغالب من موظفين وبعض الأساتذة الذين يجعلون جل همهم الحصول على المال، وبالتالي يكون لديهم استعداد للسكوت على التعديات الدائرة على الآثار. ليست عمارة سكنية أما الدكتور سامح البنا أستاذ الآثار الإسلامية في جامعة أسيوط، شدد على أن ترميم الآثار "تخصصي" ولا يمكن إسنادها إلى شركات مقاولات تتعامل معها وكأنها "عمارة سكنية"، مشيرا إلى أن المفترض قبل الترميم إجراء دراسة عن الأثر وتحديد أسباب التلف أو التدهور فيه سواء كانت مياه جوفية أو تعديات بشرية ثم إجراء مقايسة للأثر لتحديد ما يتطلبه من ترميم. وأشار البنا إلى أنه من الضروري تواجد استشاري من خارج الشركة لمراقبة عملية الترميم منعا لحدوث الرشاوى، والتأني في إجراء الدراسات التي تسبق الترميم لتحديد عوامل التدهور الرئيسية في الأثر، منوها إلى أن تلك الدراسات ربما تستغرق عام أو أكثر، لكنها الأفضل لترميم جيد. أوضح أن الإشكالية في القرار تكمن في الأمر المباشر بالتصرف، نتيجة تواجد مصالح معينة، مشددا على ضرورة إلغاء الأمر المباشر في جميع القطاعات الحكومية وإجراء منافسة شريفة بين الشركات المتخصصة في ترميم الآثار من خلال مظاريف مغلقة ومناقصات. وأرجع البنا فشل الإسكان في مجال الترميم إلى افتقارها للخبرة الكافية مما أدي إلى تدمير وتشويه العديد من الآثار دون أن تدري أنها تشوهها. ذكر أستاذ الآثار أن ما نال الأزهر الشريف على يد شركة حسن علام وإسناد المشروع إلى المقاولون العرب بعد فشل الشركة في التعامل معه، كلفت الدولة خسائر بلغت 50 %. وعن سور مجري العيون، قال البنا أن الشركات التي تولت ترميمه غيرت من طبيعة الأثر نهائيا، حيث حولته إلى مستوى واحد رغم أنه في الأصل متدرج ليمكنه حمل المياه من النيل إلى قلعة الجبل. وقال البنا إن المستوي الأكاديمي الذي يتحصل عليه الطلاب في قسم الترميم بكلية الآثار لا يؤهلهم للحياة العملية، ولهذا لابد من إعادة تأهيلهم من خلال ورش ودورات تدريبية تصقل مهاراتهم، لكي يمكن الاعتماد عليه مستقبلا في مشروعات الترميم بعيدا عن شركات المقاولات. من الدولة إلى الدولة للمحافظة علي المال العام تحت رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، بهذا السبب فسر يوسف دعموم خبير ترميم، قرار إسناد الترميم للمقاولون العرب، مشيرا إلى أن الدولة هدفت إلى تنشيط المؤسسات التابعة لها من شركات المقاولات. وقال دعموم إن الهجوم على شركات المقاولات ربما يأتي لأن بعضها لا يمتلك الخبرة الملائمة للعمل الأثري مما أدي إلى تشويه بعض الآثار ، مثلما حدث في معظم واجهات المباني الأثرية وجامع الأمير صرغتمش بالصليبة وغالبية أثار شارع المعز، معلقا "اعتقد أن ذلك كان يحدث سابقا، أما الآن فإن أغلب شركات المقاولات لديها خبرات تؤهلها للعمل في ذلك المجال". وتوقع أن تطرح وزارة الآثار مشروعات الترميم المقترحة على المكاتب الاستشارية المتخصصة في ذلك مسبقا قبل التنفيذ، والتي بدورها بتحديد التلفيات الموجودة بالأثر وتقدير تكلفة ترميمه، لتجري بعدها مناقصة بين الشركات. وانتقد خبير الترميم دعم فكرة الإصرار على اختيار الأقل سعرا في المناقصات بين الشركات دون تحديد كود للعمل الترميمي معد سابقا من خبراء وأساتذة الترميم، مبينا أن الأثر ليس مبنى سكني يمكن تحديد أقل تكلفة لترميمه، وإنما يجب اختيار الأنسب.