باختصار شديد لن ينجح الرئيس القادم لمصر إلا إذا نجحنا نحن فى تنظيم أنفسنا وفى اداء عملنا وساعدناه حتى يساعدنا , لقد انتهى عصر الرئيس الملهم والقائد والزعيم, وجاء عصر المشاركة فهذه هى الديمقراطية. ومن المتصور أن ننشغل ونفكر فى الصورة الجديدة للرئيس والحكومة ومجلس النواب وما هى مواصفاتهم؟ وماذا نريد من كل منهم، وكيف تبنى مؤسسات قوية وجديدة لا تعتبر امتدادا للماضى ولا مجرد استكمال للصورة الديمقراطية، وأن يكون أمامها مهام محددة معلنة ووفق برنامج زمنى تمثل عقدا اجتماعيا بينها وبين الشعب تنتقل بمصر إلى مكانة جديدة جديرة بها فى المنطقة والعالم وتحقق أحلام الناس فى الثورتين. القضية تحتاج إلى حاكم قوى ذي إرادة سياسية وله رؤية إستراتيجية شاملة ترى قيمة ومكانة مصر بعد خمس وعشر سنوات، يتحمل ثمن التغيير وقادر على استيعابه ومعه حكومة قوية لا تهتز ولا تحيد عن طريق تحقيق تلك الرؤية الاستراتيجيه ولديها الكفاءة والجرأة على اتخاذ القرارات مهما كانت صعبة بلا تردد أو تسويف وفقا لبرنامج زمنى معلن، وعلاوة علي ذلك وعى شعبى ورأى عام مساند لتلك الرؤية الإستراتيجية ومتفهم المصاعب ومتحمل لها طالما كانت فى إطار التنمية والعدالة الاجتماعية. وباختصار ايضا فإن نجاح الرئيس القادم يرتبط بالحكومة التى ستعمل معه . أهمية ذلك ليس فقط العمل الجاد ومواجهة الملفات الساخنة فحسب ولكن القضية أكبر من ذلك وأصعب فهى قيادة دولة وشعب ووطن تغيرت مواصفاته وسماته جاءت عقب تغييرات ضخمة وهزات وزلازل تمثلت فى ثورتين خلال عامين ونصف العام، وتجربة إخوانية فى الحكم لمدة عام وما جرى من أحداث اتسمت بالعنف، ومن هنا فالشعب قد اعتراه تغيير كبير كما ان التركيبة السكانية تغيرت فالهرم السكانى أغلبيته شابة، ومن ناحية تشكيل الطبقات الاجتماعية تتصدر بغير مفاجأة الأغلبية الفقيرة وسكان العشوائيات، وعلى الحاكم والمؤسسات الحاكمة إدراك أن مصر لم تعد نسيجا واحدا يعامل المعاملة التقليدية لشعب عانى القهر والإهمال وانحصرت حياته فى ذل وما تتعطف عليه الحكومة من أنبوبة بوتاجاز ورغيف خبز وترد فادح لخدمات التعليم والصحة وبطالة عارمة دفعت الشباب إلى احتلال الشوارع فى تجارة طفيلية، ولذا لابد من إدراك أن التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى شهدتها السنوات الثلاث الماضية لعبت دورا فى إعادة تشكيل المجتمع المصرى وصورته ومكوناته وسلوكياته بشكل مغاير تماما لما كانت عليه قبل يناير 2011 ومن هنا، فإن واحدا من أبرز الاسئلة التى تثار يدور حول كيفية قيادة شعب طرأت عليه هذه التحولات، وإعادة اكتشاف معنى الحكومة ومسئولياتها ودورها الجديد. مشكلة الحكومات التى جاءت عقب يناير 2011 هى عدم فاعليتها، ولذلك فالخطوة الاهم لضمان نجاحها هى صياغة وتحديد الاهداف المرحلية والمستقبلية وترجمتها الى خطط وبرامج قابلة للتنفيذ. نريدها حكومة تمكين للنمو والعدالة الاجتماعية من خلال تحديد معدل النمو المطلوب وضمان عدالة توزيعه وتفعيل الانشطة المختلفة وزيادة الاستثمارات وضغط نفقات الحكومة وتوفير البنية والبيئة القانونية والاستقرار والامن لاستقطاب وإعادة الاستثمارات الهاربة وبدء إصلاح حقيقى ومحاربة الفساد، وزيادة الانفاق على التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية طبقا للدستور . ينبغى ان يكون هناك توصيف محدد لمهام الحكومة نتصوره فى ستة محاور عاجلة هى التخطيط والمتابعة والاشراف على جميع الخدمات الصحية والتعليمية واستحداث المؤسسات الضامنة لجودة واعتماد الخدمات والمرافق الصحية والتعليمية، كما تقوم بتعديل القوانين الاقتصادية القائمة بما يحقق النمو المطلوب والمحاسبة والشفافيه والانضباط، وعليها كذلك وضع مختلف السياسات الاقتصادية والمالية والصحية والتعليمية والزراعية والصناعية بشكل واضح ومستقر وعادل ومواجهة الاحتكارات وسلامة استخدام موارد المجتمع كالاراضى والغاز والبترول. نريدها حكومة الفعل وليس حكومة انتظار توجيهات الرئيس وحاشيته، نريدها حكومة تدير ولا تدار. وتنتظر الرئيس الكثير من الملفات الساخنة التى يجب عليه تناولها بشجاعة المصارحة مع الشعب، وفى مقدمتها إصلاح الإعوجاج والتشوه فى الدعم وملف تحقيق العدالة الاجتماعيه بمعناها الواسع بدءا من التعليم والصحة إلى تصحيح وضع المعاشات واصلاح نظام الأجور ووضع منظومة ضريبية عادلة. ويجب أن يعلم الرئيس ان الوضع الاقتصادى ينزلق إلى الاسوأ وأنه سوف يشعل اضطرابات حين تقترب النيران من لقمة عيش الناس بارتفاع متواصل فى الاسعار واختفاء مرتقب للمواد البترولية وانقطاعات للكهرباء، اما ملامح المرحلة الحرجة التى نمر بها اقتصاديا فهى : استمرار تراجع احتياطى النقد الاجنبى وانفلات اسعار العملات الاجنبية بما له من آثار وخيمة على الاسعار وتكلفة الانتاج انخفاض معدل النمو وارتفاع معدلات البطالة ارتفاع اسعار الغذاء والوقود عزوف المستثمرين المصريين والأجانب المزيد من الاضطرابات العماليه وتدنى قدرات الخدمات كالكهرباء والنقل والموانىء - عدم رغبة المجتمع الدولى في التعاون مع مصر . غيرأن هناك حلولا عاجلة تبدأ بتوفير الأمن وتشغيل المصانع المعطلة وإعلان هدنة عمالية وتطبيق مبدأ المفاوضة الجماعية مع النقابات وإعلان سعر صرف جديد للجنيه يلغى السوق السوداء، ويعيد الثقة فى العملة الوطنية والاقتصاد وكدلك لا بديل عن إصلاح مالى مدروس ووقف الكثير من الواردات ووضع برنامج للإصلاح الاقتصادي. نقلا عن صحيفة " الاهرام " المصرية