قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق إن مد الصوت بالكلام، والغناء بدون موسيقى لا شيء فيه طالما أن كلامه في إطار الشرع، ويستحب أن يكون ذلك في إطار الثناء على الله، أو رسوله صلى الله عليه وسلم، أو للحماسة والشجاعة، وحب الأوطان، وما عدا ذلك فيكون من قبيل المباح طالما أن كلماته لا تتنافى مع الشرع ولا تعارضه. وأضاف في رده على سؤال حول حكم سماع الأغاني أن الغناء في بعض الأوقات أمرًا متعارفا عليه بين المسلمين، وذلك في المناسبات السارة؛ لإشاعة السرور، وترويح النفوس وذلك : كأيام العيد، والعرس، وقدوم الغائب، وفي وقت الوليمة، والعقيقة، وعند ولادة المولود. واستدل على ذلك بأدلة من السنة النبوية وقال: تروي السيدة عائشة رضي الله عنها أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة ما كان معكم لهو ؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو»( أخرجه البخاري.) وقال ابن عباس: زوجت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أهديتم الفتاة ؟ قالوا: نعم. قال: أرسلتم معها من يغني؟ قالت: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الأنصار قوم فيهم غزل، فلو بعثتم معها من يقول: أتيناكم أتيناكم، فحيانا وحياكم»( رواه ابن ماجه، ورواه أحمد). وعن عائشة أيضا قالت: كان في حجري جارية من الأنصار، فزوجتها، قالت : فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرسها، فلم يسمع غناء، ولا لعبًا، فقال يا عائشة : «هل غنيتم عليها، أو لا تغنون عليها؟»، ثم قال: «إن هذا الحي من الأنصار يحبون الغناء »( أخرجه ابن حبان). وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا، فسمعنا لغطًا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حبشية تزف والصبيان حولها، فقال: يا عائشة تعالي فانظري. فجئت فوضعت ذقني على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه، فقال لي: «أما شبعت» فجعلت أقول: لا؛ لأنظر منزلتي عنده، إذ طلع عمر فارفض الناس عنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر» قالت: فرجعت»( رواه النسائي). وتابع على جمعة: هناك من ذهب إلى حرمة الغناء بدون آلات العزف، ولكن الدليل لا يسعفهم بهذا، فقد قال القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب ، وقال: ابن طاهر: لم يصح منها حرف واحد، وقال ابن حزم: كل ما رُوي فيها باطل وموضوع» (المحلي لابن حزم). وأوضح أن الغناء من طيبات الدنيا التي تستلذها الأنفس، وتستطيبها العقول، وتستحسنها الِفطَر، وتشتهيها الأسماع، فهو لذة الأذن، كما أن الطعام الهنيء لذة المعدة، والمنظر الجميل لذة العين، والرائحة الزكية لذة الشم. ومضي يقول: الإسلام دين الجمال، ودين الطمأنينة، ولم يبق في الإسلام شيء طيب، أي تستطيبه الأنفس والعقول السليمة إلا أحله الله، رحمة بهذه الأمة لعموم رسالتها وخلودها. قال سبحانه تعالي: { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ } . ولو تأملنا لوجدنا حب الغناء، والطرب للصوت الحسن يكاد يكون غريزة إنسانية وفطرة بشرية، حتى إننا لنشاهد الصبي الرضيع في مهده يسكته الصوت الطيب عن بكائه، وتنصرف نفسه عما يبكيه إلى الإصغاء إليه؛ ولذا تعودت الأمهات والمرضعات والمربيات الغناء للأطفال منذ زمن قديم، بل إن الطيور والبهائم تتأثر بحسن الصوت والنغمات الموزونة. واختتم فتواه أن الغناء لا يحرم إلا إذا اشتمل على كلمات تخالف الشرع، ويباح عندئذ، ويستحب إذا اشتمل على الثناء على الله، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم والإسلام، وللحماسة وحب الأوطان، والله تعالى أعلى وأعلم.