لم يقف عنف الرّجال ضدّ النّساء عند الضرب والإهانة والاحتقار والتحرش الجنسي والاغتصاب، بل تجاوز ذلك حتّى بلغ جرائم القتل، أو الإعاقة الذهنية والجسدية، بل انحدر أخلاقيّا فأفضى إلى الاتّجار بهنّ دون نكير. وليس الجاني والضحيّة اللذين نتحدّث عنهما اليوم من بلدان العالم الثالث، أو البلدان الإسلاميّة التي طالما انكبّت عليها عدسات المنظمات الحقوقية العالمية في تقاريرها السنويّة. لا، ليس ذلك كذلك... بل نحن اليوم نتحدث عن المستور من مجتمعات بلغت من الرقي والتطور ما لا يصفه الواصفون. ففي الدّانمارك مثلا كما في باقي البلدان المتحضرة الغربية كثيرا ما تتعرض النساء الدّانماركيات للعنف المنزلي، والمطاردة، والعنف الجسدي والتحرش الجنسي. ووفقا لدراسة نشرتها وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية مؤخرا وشملت 42000 امرأة في 28 دولة في الاتحاد الأوروبي، حسبما أدلت به "جريدة اليولاند بوسطن" الدّانماركية، تبين بجلاء ووضوح أنّ الدّانمارك تقع في طليعة الدول الأروبيّة التي تمارس العنف والاضطهاد ضدّ المرأة، في وقت يتحدّث فيه الجميع عن حرّية المرأة ومساواتها بالرّجل. وقد أظهر هذا التقرير أو لنقل فضحت هذه الدراسة وأماطت اللثام عن أنّ 52 % من النّساء الدّانماركيات اللواتي شملهنّ الاستطلاع وقعوا بالفعل ضحايا العنف سواء منه الجسدي أو الجنسي أو كليهما معا. وبالتالي، فالدّانمارك تمتاز هنا عن الجميع متخطّية بوضوح درجة متوسط عنف الاتحاد الأوروبي الذي اكتفى بنسبة 33 %؛ في حين سجلت السويد 46 % وفنلندا 47 % ما يبرز تفوّق الشمال البارد المكتئب في العنف ضدّ المرأة. كما خلصت الدراسة إلى أنّه خلال السنة الماضية، سجلت 37 % من النساء اللواتي تعرضن للتحرش الجنسي. في حين أنّ 32 % منهنّ كنّ ضحية للعنف الجسدي، أو الجنسي من شريك الحياة. وفي نفس الوقت فإنّ معظم النّساء الدّانماركيات اللواتي كان من الفترض أن يسجّل التقرير نسبة جدّ منخفضة نظرا لما تعيشه المرأة من أوضاع في مجتمع يعرف مستوى مشهود له بالعيش الكريم ويتسم في عمومه بالرفاهية والاستقرار على جميع النواحي والأصعدة عكس أوضاعنا في بلداننا الإسلامية، لكن.. كنَّ هنّ الأسوأ حالًا وتخلص الوكالة، من خلال الدراسة أيضا، إلى أنّ ارتفاع مستوى العنف ضدّ المرأة يعود بالأساس إلى ثقافة الكحول المهيمنة على الأسر. وقد فاجأ هذا التقرير الدّنماركيين وخصوصا المتخصّصين منهم في المجال الحقوقي، وهم الذين اعتادوا انتقاد الشعوب الأخرى في مثل هذه النوازل، كما صرح بذلك مدير الوكالة لذات الصحيفة السيد مورتن كجايروم قائلا: إنّ النسبة العالية من العنف ضدّ النساء في الدّانمارك تدقّ ناقوس الخطر . وقال إنّه يعتقد، مع ذلك، أنّ حيّزا من التفسير قد يكون راجعا إلى أنّ ثقافة الحديث عن العنف والجرائم الجنسيّة التي تحدث في أوساط المجتمع الدّانماركي تكاد تكون جدّ عادية في الدّانمارك. وقد علّق وزير المساواة بين الرجل والمرأة السيد "مانو سارين" وهو من أصول نهدية بقوله لذات الصحيفة، أنّ جزءً من التفسير لنتائج التقرير قد تكون مملّة من حيث أنّ المرأة الدّانماركية هي إلى حدّ كبير خارج البيت في سوق العمل في مختلف أشكال الورش والرعاية. وهي على اتصال وثيق مع العمال والمواطنين، وبالتالي هي معرّضة كما يبدو للعنف والتحرش والمطاردة. وتظهر هذه الأرقام المهولة أنّه لا يزال هناك حاجة لبذل الجهد المضني للحدّ من عدد النّساء اللواتي يلجأن إلى دور الملاجئ للمأوى، عندما يتعرضن للعنف والمضايقات في المنزل، أو في العمل. وقال الوزير معلنا اقتراح إجراءات جديدة خلال هذا الصيف، وهي إجراءات من بين أمور أخرى ينبغي اتخاذها للحدّ ضد مطاردة النساء. وإن غدا لناظره قريب.