هل سمعتم عن (الكاروشي) (karoshi)؟! ولا أنا! وعموما هي ليست نوعا من أنواع المأكولات البحرية، أو الماركات العالمية، والكاروشي يا إخوان، كلمة يابانية وتعني الموت بسبب الإفراط في العمل. واليابانيون أقرب للكائنات الحية الدقيقة منهم لبني البشر، فهم كالنحل في توزيع العمل، وكالنمل في انضباطه، دقيقون جدا حتى في حركاتهم وإيماءاتهم، ولا تأملوا أن يبيحوا لكم بمشاعرهم، وستكون محظوظا لو غنمت منهم بنظرة أو لفتة، فلفتة يابانية واحدة، تغني عن كتاب الأدب الصغير والأدب الكبير للشهيد ابن المقفع، واليابانيون مثلنا يحيون حياة واحدة، ولكن حياتهم لا تعني لهم إلا العمل، والحياة من دون عمل لديهم، كالحياة من دون عبادة لدينا، وكأنهم يطبقون نصف الحديث الشريف واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، ولكنهم وللأسف لا يعيشون أبدا، بل يسقطون وقبل خط النهاية. وتقول الإحصائيات ان اليابانيين يخسرون العشرات من شبابهم الذين في عمر الزهور سنويا، وليس بسبب السمنة، بل بسبب العمل المفرط، فالياباني يعمل عشر ساعات يوميا دون توقف، وحاشا لله أن يكون اجتهادهم هذا خوفا من مسؤول، أو طمعا في ترقية، إنما هو طبع أو فطرة في الشخصية اليابانية، فالياباني إذا أراد أن يحيي أخاه الياباني قال له،( جانبرو) فقط، وهي ليست إهانة بل تعني ( اصبر وثابر على العمل) أو كأنه يقول له بالعراقي، ( الله ايساعدك ) والفرق أن اليابانيين يقصدون الله يساعدك في العمل، بينما العراقيون يقصدون الله يساعدك على بلواك، إلى درجة أنه شاع بينهم عبارة غريبة وعجيبة، وهي لنذهب إلى البيت ما دامت الدنيا لا تزال مظلمة، يعني أن الإخوان اليابانيين، لولا الحياء لأكملوا إلى اليوم التالي، وعندما حسب (الحسابون) معدل العمل الإضافي للموظف الياباني، وجدوا أن الموظف الياباني (مضروب مخه) ويعمل من أربع إلى خمس ساعات إضافية يوميا وطول العام، وهي تعادل ساعات عمل الإنسان العربي منذ ظهور الإسلام. والجميل في اليابانيين أنهم لا يتوقفون عن العمل بسبب العبادة، فهم ما زالوا على ملة آباء إبراهيم، أي يعبدون الشجر والحجر، ولذا هم يعشقون الطبيعة وكل ياباني لديه محمية طبيعية في بيته، والوقت عند اليابانيين من ذهب، فلا وقت للندوات الأدبية أو الأمسيات الشعرية، أو حتى لكلام الفلاسفة الفاضي، فهم شعب لا يعرف من الفلسفة إلا فلسفة العمل، وإذا حصل لا سمح الله، وكان لدى أحدهم موهبة شعرية طافحة فعليه أن يحتفظ بشعره لنفسه، وبلا إزعاج. والأمانة لله، فإن اليابانيين ليسوا سعداء بهذا الموت ( العملي)، وطبعا ليسوا حزينين كل الحزن، ولكن مصلحة الضرائب ترى في غياب هذه القوة العاملة خسارة في التمويل الضريبي، فكل شيء هناك محسوب بالملي والمليم. وتصوروا أن الحكومة اليابانية تحاول بشتى الطرق والوسائل أن تقنع الموظفين لكي يأخذوا إجازات، أو يذهبوا «لمزاين الإبل» على الأقل، ولكن الموظفين يرفضون هذا الترف العملي، فلا متعة تفوق متعة العمل ولا عمل بلا عمل إضافي. ولكن، «ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون»، فالموظفون اليابانيون ليسوا بأحسن من موظفينا، فلدينا موظفون من نوع شبيه (للكاروشي) واسمه (الكروشي)، ويموتون أيضا وأثناء العمل، ولكن ليس من فرط العمل، بل من فرط الأكل والضحك على ذقون المراجعين. نقلا عن جريدة " الراى العام " الكويتية