مؤرخون يحذرون : تاريخ فلسطين مشوه في المراجع الغربية محيط – سميرة سليمان يقوم الباحثون في إسرائيل ببث الأكاذيب كل يوم ونشرها للعالم ، تلك التي تدعي تاريخا قديما لبني إسرائيل في المنطقة ، ما يبرر برأيهم قيام دولتهم الحديثة بتصوير هجرة اليهود لفلسطين على أنه عودة وليس احتلالا ! وقد تمادى مع هذا التيار كثير من الباحثين الغربيين وخاصة من بريطانيا وأمريكا على مر العصور ، بعضهم عن جهل وآخر عن تعمد تزييف الحقائق ، ولكن الأزمة أن تجد بين كتب التاريخ العربية عن فلسطين ما يستند في أجزاء كبيرة منه على مراجع غربية مزيفة للحقائق ومعظمها مستند لمصادر توراتية أو استعمارية متصهينة ..! طرحت شبكة الإعلام العربية "محيط" على بعض المؤرخين وأساتذة الآثار هذه الأسئلة: لماذا يلجأ الباحث العربي للمصادر الغربية في التاريخ ، هل هناك ندرة بالمراجع التاريخية العربية الدقيقة عن فلسطين أم أنها مسألة استسهال ، وهل نحن بحاجة لإعادة صياغة تاريخ فلسطين لتنقيته من أثر المراجع الغربية .. من جهته نفى الكاتب السياسي والمؤرخ الفلسطيني عبد القادر ياسين أن تكون المراجع العربية بها ندرة قائلا في حديثه ل"محيط" أن المراجع العربية التي تتحدث عن تاريخ فلسطين أكثر من أن يحملها "بغل"، وهي المراجع التي ساهم في كتابتها فلسطينيون من شتى الاتجاهات، وبعض هذه المراجع تحرر أصحابها من تأثير التوراة عليهم ولكن أخفق غيرهم في التخلص من تلك الآثار ولذلك خرجت دراساتهم خاصة فيما يتعلق بتاريخ فلسطين القديم موافقا لرواية اليهود. عبدالقادر ياسين وهي مشكلة واجهت الباحثين العرب – يتابع ياسين – الذين آثروا "الاستسهال" في النقل عن المصادر الغربية دون التدقيق والبحث للوصول إلى المصادر العربية الأكثر دقة، ولكن المؤرخين تداركوا هذا الأمر حين شرعوا في تدوين تاريخ فلسطين الحديث والمعاصر الذي يفوق غزارة مراجعه أي بلد عربي مستقل. ويذكر صاحب كتاب "كفاح الشعب الفلسطينى قبل عام 1948" أسماء بارزة ساهمت في كتابة تاريخ فلسطين على نحو صحيح منهم ؛ ايميل توما، عبد الوهاب الكيالي، أحمد صادق سعد الذي يعد أول من كتب تاريخ فلسطين في مصر، وهناك من أرّخ لليسارمثل د.ماهر الشريف. لكن المشكلة الحقيقية في رأي ياسين هي انقطاع الكتابات التي تتناول تاريخ فلسطين منذ السبعينيات، وقد تزامن هذا مع انحسار المد الوطني الفلسطيني واكتفاء الساحة بما نشر آنذاك، ولذلك اخذت على عاتقي أنا ومجموعة من كبار الكتاب بفلسطين أن نصدر كتبا جديدة تخدم القضية وتصبح مراجع عربية للباحثين مثل الكتاب الذي يتحدث عن "القدس" ويقع في 1400 صفحة من القطع الموسوعي ويضم 62 فصلا، وكتاب آخر عن "حرب 48 وتحولاتها"، وآخر بعنوان "التحولات الطبقية والاجتماعية في الضفة والقطاع تحت الحكم الذاتي"، بالإضافة إلى كتب لا تزال تحت الطبع ستصدر خلال اسبوعين ؛ واحد عن شاعر المقاومة توفيق زياد بعنوان "توفيق زياد: سيمفونية أوبرالية"، والآخر عن أحد الرموز الوطنية الفلسطينية وهو "بسام الشعكة" مترجم عن الفرنسية. ويرى ياسين أن الكتب والمراجع العربية التي تتناول تاريخ فلسطين تتدفق منذ عام 2002، وبعضها يأتي لإعادة صياغة الكتب المغلوطة التي كتبها العرب تأثرا بمراجع غربية تتبنى وجهة النظر الصهيونية، وجاء كتاب "موجز تاريخ فلسطين حتى مشارف القرن 21" ليصحح مفاهيم مغلوطة ويجدد الاهتمام بتاريخ فلسطين. كما يكشف عن أشهر الأساطير والمزاعم التي تروج لها الصهيونية وينقلها أحيانا الباحثون العرب دون تدقيق وهي أسطورة مرور إسرائيل بفلسطين والتواجد بها وإقامة مملكتين لهم، وهو أمر يخلو من الصحة ولا أساس له. أزمة المراجع أما د. زبيدة عطا أستاذة التاريخ بجامعة حلوان والتي تخصصت في الكتابة عن اليهود فترى أن العودة إلى التوراة أمر حتمي حين يشرع أي باحث في تناول تاريخ فلسطين القديم أو الكتابة عن اليهود، لأنها تعد مصدرا مهما لا يمكن الاستغناء عنه. زبيدة عطا وتؤكد صاحبة كتابي "يهود العالم العربي"، و"يهود مصر" أن تدوين تاريخ فلسطين القديم جابه صعوبات لأن الغرب هم من تصدوا للكتابة عنه، وكثير من المؤرخين الأجانب تحدثوا بلسان إسرائيل في كتاباتهم، وعلى الباحث الحقيقي أن يتخلص من الآراء وينحاز إلى المعلومات فقط. تواصل عطا : لكن هذا لا ينفي أن هناك باحثين عرب نجحوا في التصدي لمزاعم إسرائيل وتفنيد الإسرائيليات الخاصة بهم مثل المفكر السوري "فراس سواح" الذي أصدر مجموعة كتب عن اليهود في فلسطين تثبت عدم صحة مزاعمهم وأطماعهم في فلسطين، وغيره الكثير ممن كتبوا بمعزل عن الرأي الغربي مثل مصطفى كمال عبد العليم الذي كتب عن اليهود في الفترة اليونانية. وتعيب عطا على الباحثين العرب والمؤرخين هرولتهم وراء أشهر المراجع الغربية التي قد تعتمد الأسماء العبرية للأماكن والأحياء والآثار الفلسطينية وينقلونها كما هي، فإسرائيل تطلق على "الضفة وغزة" أاسمي "يهوذا والسامرة"، ويقولون "حبرون" ويعنون الخليل، وينقلها باحثونا العرب بأسمائهم وكأننا نساعدهم أن يطمسوا ملامح عروبة فلسطين!. إهمال الوثيقة مختار الكسباني يرى مستشار الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر د.مختار الكسباني أن إهمالنا للوثائق العربية التي تملكها الدول الأخرى مثل تركيا والشام والتي تؤرخ لفلسطين منذ القدم، وتقف كحجر عثرة في مواجهة الأساليب الصهيونية في محاولة تهويد القدس هو ما جعل الباحثين العرب ينجرفون وراء ما كتبه الغرب بدعوى الاطلاع، لكن الحقيقة هي تأثرهم بهذه الكتابات، مما انعكس على القضية الفلسطينية. ويرى أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة أن المصادر العربية تخلو من المنهجية في الكتابة، رغم تأكيدها على حق فلسطين في الأرض لأنها عربية وحق شعبها في العيش بها، إلا أن الغرب انتبه قبلنا لأهمية فلسطين منذ القدم وآثر أن يضمها تحت مظلته تمهيدا لوضعها تحت الانتداب البريطاني، الذي انتهى بتسليمها إلى العصابات الصهيونية. ويتساءل الكسباني في حديثه إلى "محيط" لا أدري لماذ نرفض إبعاد تركيا عن قضية فلسطين وعدم الاستعانة بالوثائق العثمانية التي تثبت عربية فلسطين والتي تحتفظ بها تركيا ونتعامل معها كأنها أشد اعدائنا؟ الأمر الذي يدل على غباء الساسة العرب وجهلهم البين على حد قوله. مؤكدا أن هناك مراجع عربية قديمة ساهمت في خدمة القضية الفلسطينية لكن لا يلتفت إليها كثيرا وأصبحت في طي النسيان مثل مرجع المقديسي بعنوان "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" الذي يصف فيه شوارع القدس وأحيائها وأصول سكانها، وكأن حكامنا يريدون أن ينسونا تاريخ فلسطين القديم فلا أحد منهم يشجع على دراسة هذا التاريخ لطلابنا في المدارس. إنها مهزلة غباء الساسة العرب – يواصل الكسباني – فالدفاع عن فلسطين أصبح بفعل الحكام العرب منصبا شرفيا، عبر "شخصنة" القضايا الدولية مما يؤدي إلى ضياعها. كما يؤكد د. مختار على أهمية الوثائق مستشهدا بما حدث في "طابا" المصرية التي عادت بالوثائق وليست بالسياسة، حيث يقول: لولا جهود المؤرخ يونان لبيب رزق الذي أثبت بالوثائق أحقيتنا في طابا، لما عادت إلينا، وأمام قضية علمية وثائقية قانونية لابد أن ينحني العالم للعلم والتاريخ. الإنحياز للمعلومة عاصم الدسوقي يتفق مع الرأي السابق د.عاصم الدسوقي المؤرخ المصري المتخصص في التاريخ المعاصر الذي يرى أن كتابة تاريخ أي بلد مرتبط بوجود الوثائق التي تعد معلومات من الدرجة الأولى، بغض النظر عن جنسيتها وعلى الباحث أن يطلع عليها، ويجمع المعلومات وتكون كتاباته موضوعية خالية من الآراء وأن ينحاز للمعلومات فقط، ويترك الحكم للقارئ في النهاية. ويلخص د. عاصم مشكلة المصادر العربية التي تتناول فلسطين في "اتاحة الاطلاع على الوثائق" حيث يرى أنه في مصر على سبيل المثال لا يمكننا معرفة مدة حفظ الوثيقة وإتاحتها للإطلاع، ولذلك تفتقر أبحاثنا إلى الدقة فبدون الوثائق يصبح ما نكتبه سياسة وليس علما ، رغم أن التاريخ يبدأ من حيث تنتهي السياسة. مضيفا : ولذلك على الباحثين والمؤرخين ألا ينحازوا للمراجع الغربية إذا افتقرت إلى الوثائق، وألا نتعامل معها كعرب باعتبارها مسلمات لا تحتاج إلى دراسة أو صياغة. رفض التبعية يصف السيد بحراوي الكاتب المصري المهتم بالشأن الفلسطيني أن الكتابات العربية عن تاريخ فلسطين بمثابة "الكارثة"، لأنهم يكرسون التبعية للدراسات الأوروبية في دراسة التاريخ العربي بشكل عام وليس تاريخ فلسطين فقط، على حد قوله. ويرى الحل في إصلاح – في حديثه ل"محيط" - في أن نبرز الوثائق التي نمتلكها وتساهم في خدمة القضية الفلسطينية، وفي الكشف عن عديد من الحقائق المجهولة، وتسجيل الوقائع التي يتجاهلها المؤرخون الغربيون، والاعتماد بشكل خاص على تسجيل التاريخ الشفاهي وتسجيل الأحداث من منظور الناس وليس من منظور السلطان. فقد جعل المؤرخون الغربيون وعلماء اللاهوت، تاريخ فلسطين هو تاريخ بني إسرائيل بناء على أسفار العهد القديم، رغم أنها أسفار كاذبة، والنص التوراتي لا يعد وثيقة تاريخية لأن كل ما ورد به تم تفنيده والرد عليه وإثبات زيفه. ويتابع بحراوي: لم يثبت أي دليل علمي على وجود بنو إسرائيل في فلسطين، ولا بناء المملكة المزعومة في عهد داود وسليمان، ولم تستطع البعثات الآثرية الغربية والصهيونية رغم تنقيبها في كل أرجاء فلسطين أن تجد أي أثر يدعم نصوص الأسفار!. فقد ارتكب بعض المؤرخين العرب القدامى أخطاء كبيرة، حين اعتمدوا على أسفار العهد القديم للتأريخ المفصل لحياة الأنبياء، واقتنعوا بوجهة نظر اليهود بأن الأحداث جرت في فلسطين، فلم يكونوا مؤرخين بقدر ما كانوا نقلة أخبار