لا يفرق كثير من كبار القادة السياسيين وأرباب الفكر بين "العنف" violence وبين "الإرعاب" terrorism"، وبين العنف والإرعاب العدواني وبين العنف والإرعاب الضروري. وأقول "الإرعاب" وليس الإرهاب ترجمة للكلمة الأجنبية terroirsm، وذلك لأن أصل كلمة "الرهب" ومشتقاتها في القرآن الكريم تعني درجة من الخوف ليست شديدة ويغلب عليها أن تكون ممزوجة بالاحترام تجاه شيء محدد، وقد يحدثه الإنسان في الآخرين لاتقاء شرهم. وهي تختلف عن الرعب التي هي درجة من الخوف شديدة وتعني الفزع والهلع، وقد يحدثه الإنسان لعقوبة الآخرين أو لظلمهم، وكثيرا ما يقع لأسباب غير مقصودة أو غير محددة أو مجهولة تماما. (انظر مثلا: ابن منظور، البستاني). والإرهاب والإرعاب هما وسيلتان يمكن استخدامهما لإحقاق الحق ولدفع الباطل ولنصرة المظلوم؛ كما يمكن استخدامهما لظلم المسالم البريء ولسلب ممتلكات الناس وأموالهم بالباطل وتجريدهم من حقوقهم والاستيلاء على أراضيهم. وهناك فرق واضح بين العنف والإرهاب. فالعنف يعني استخدام وسائل مادية عنيفة مثل: الضرب، والتعذيب الجسدي واستخدام السلاح... للتعبير عن إحساس أو معتقدات أو آراء أو لتحقيق أهداف عامة أو خاصة. وأما الإرهاب والإرعاب فهما أشمل لأنهما قد يكونان بالوسائل العنيفة أو بالوسائل غير العنيفة مثل: الاستفزاز بالحركات أو الإشارات (يشير عليه وكأنه يريد أن يذبحه) وبالكلام مثل التهديد بالحصار الاقتصادي وبالتشريد وبالتجويع وباستخدام الأسلحة النووية... ويندرج تحتهما استخدام حق الفيتو أو التصويت ضد قرار يدين المعتدي مثلا. وقد يكونان ببث تهمة باطلة مثل القذف وشن حملة إعلامية جائرة لتشويه سمعة المستهدف ولبث الأحقاد ضده. وقد لا يقتل الإرهاب والإرعاب الضحية على الفور ولكن على المدى الطويل، بعد عذاب ومعاناة طويلة، مثل تعرض للتشرد والجوع... وبملاحظة ما يجري في الواقع نجد أن من يستخدمون الإرهاب والإرعاب بمعناهما الواسع الذي يؤيد الحق ويدفع الظلم، أو يؤيد الباطل ويسند العدوان ثلاث فئات رئيسة، هي: 1 – من يستخدمهما بدون ضوابط للعدوان. فهو يخالف الفطرة البشرية، ويخالف التعاليم الربانية بما في ذلك تعاليم الإسلام. 2 – من يستخدمهما - قدر الإمكان بضوابط فطرية- للدفاع عن النفس أو لدفع الظلم عن الأبرياء من الضعفاء، ويفعل ذلك بدافع الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها. 3 – من يستخدمهما - قدر الإمكان بضوابط فطرية وشرعية - للدفاع عن النفس أو لدفع الظلم عن الأبرياء من الضعفاء، وهو مؤمن بأن له مكافأة عظيمة في الحياة الأبدية، فهو مدفوع بالفطرة ومدفوع بالمكافأة العظيمة في الحياة الأبدية فيحرص عليها. وهذا الأخير أكثر جرأة واستعدادا للتضحية بنفسه. ولعل هذا هو السبب في العمليات الجهادية الاستشهادية التي يقوم بها البعض دفاعا عن أنفسهم وأموالهم ومقدساتهم وعن المظلومين. وتختلف نظرة الإسلام إلى العمليات الانتحارية باختلاف الفقهاء. فبعضهم يجيزها ما دامت للدفاع عن النفس والحق. ويحذرون من استخدامها ضد الأبرياء الذين لا يجيز الإسلام قتلهم حتى في حالة الحرب، مثل كبار السن والنساء والأطفال والمسالمين. والقوانين البشرية في جميع الأنظمة السياسية تحث الجندي على الاستبسال في الحرب المشروعة في نظرها، وإن أدى ذلك إلى التضحية بحياته. والبعض الآخر يحرمها باعتبارها نوعا من قتل الإنسان نفسه بيده. ويعتبر الاستبسال شيئا مختلفا لأن احتمال الحياة فيه أكبر، وليس الموت جزءا من نية المستبسل في الغالب. وقد يقع الإرهاب والإرعاب بدون قصد المتسبب فيهما، وربما بخلاف ما أراده، ولكن إذا تم تنبيهه إلى ذلك واستمر في فعله فإن فعله هذا يأخذ حكم الإرهاب والإرعاب المتعمد. ولأن الإسلام يدعو إلى السلام الشامل في الدنيا والآخرة أو في الدنيا فقط بين المختلفين في الدين، فإنه يحرم استخدام الإرهاب والإرعاب لظلم الآخرين والعدوان عليهم تحريما باتا. وينكر ذلك أشد الإنكار، ويعاقب عليهما بالعقوبة الرادعة، بعد التأكد من كونه إرهابا أو إرعابا عدوانيا وظلما. ويجيز الإسلام استخدامهما بضوابط تكفل حصر العقوبة في المعتدي وبحيث لا تتجاوز الحد اللازم، وذلك للدفاع عن النفس ولرد الاعتداء ولنصرة المظلومين، ولاسيما الضعفة الذين لا حيلة لهم في دفع الظلم عن أنفسهم. وهذا ما يسمى في الإسلام ب"الجهاد"( ومن يتأمل في كلمة "الجهاد" ومشتقاتها بالعربية فإنه يدرك أنها تدل على المقاومة لشيء سبقه في الوجود، وليست المبادرة بهجوم. وانظر مثلا ابن القيم ص ج 3: 5-9.) وهو "القتال في سبيل الله" الذي يهدف إلى رفع ظلم حاصل على المسالمين والضعفة والعجزة. يقول الله تعالى: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها، واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا).( سورة النساء: 75.) ويقول تعالى في الحديث القدسي: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا".( صحيح مسلم: البر والصلة). ولهذا لم يكن غريبا أن يجاهد المسلمون دفاعا عن غير المسلمين من رعاياهم (أهل الذمة) أي الأقلية غير المسلمة.( ابن قدامة المقدسي؛ ابن تيمية الحراني. الشيرازي؛ الحنفي) وبعبارة أخرى، فإن "الجهاد" في الإسلام ليس للعدوان ولكن للدفاع المشروع الذي تقره جميع القوانين الوضعية في الدول الديموقراطية وغيرها، والتي بموجبها حرصت جميع الدول على تكوين الجيوش القوية، وتطوير الأسلحة المدمرة. ** منشور بصحيفة "الوطن" السعودية 6 سبتمبر 2009