وزير العمل : عرض قانون العمل الجديد على مجلس الوزراء نهاية الأسبوع الجارى    مجلس النواب يواصل مناقشة قانون التعليم والابتكار.. ربط مخرجات التعليم بمتطلبات سوق العمل    بمشاركة 150 طالبًا.. بدء فعاليات مبادرة 100 يوم رياضة بكلية التجارة بجامعة جنوب الوادي (صور)    طلب إحاطة بشأن عمال وزارة الزراعة الذين لم يتقاضوا المرتبات منذ ثلاث سنوات    أسعار الذهب اليوم الاثنين 21 أكتوبر 2024    أسعار البطاطس والثوم والخضار في أسواق الإسكندرية اليوم الإثنين 21 أكتوبر 2024    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الاثنين    محافظ أسيوط يتفقد محطة رفع صرف صحي البنك الدولي بالمعلمين بحى غرب    المؤتمر العالمي للسكان.. وزير الصحة يترأس مائدة مستديرة حول «التنمية البشرية والسكان في مصر»    ميقاتي: أهم أولوياتنا وقف إطلاق النار في لبنان ونتمسك بتنفيذ قرار 1701    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية والهجرة ورئيس مجلس النواب اللبناني    الأهلي يقرر عرض كهربا للبيع    تعرف علي موعد نهائي السوبر المصري بين الأهلي والزمالك والقناة الناقلة    الأرصاد: طقس الإثنين مائل للحرارة.. واضطراب الملاحة على هذه الشواطئ    بحفل جماهيري كبير.. «سعيد الارتيست» يُبهر جمهور الإسكندرية بمقطوعات وجمل فنية ومواويل صعيدية ب«سيد درويش» (صور)    وزير الصحة ونظيره اليوناني يتفقدان مستشفى العاصمة الإدارية الجديدة    في يومه العالمي.. «الصحة» تكشف 3 أسباب للإصابة بهشاشة العظام (تعرف على طرق الوقاية والعلاج)    جهاد جريشة يحسم الجدل بشأن هدف الأبيض.. ويؤكد: ثنائي الأهلي والزمالك يستحقان الطرد    عاجل:- رئاسة الأركان العامة للجيش الكويتي تنفي نقل أسلحة إلى إسرائيل عبر القواعد الجوية الكويتية    قتلى في الغارة الإسرائيلية على بعلبك شرقي لبنان    حزب الله يستهدف منطقة عسكرية إسرائيلية في الجولان المحتل بالطيران المسير    الإسكان تعلن تعديل حدود الدخل للتقديم على شقق الإسكان الاجتماعي ضمن مبادرة "سكن لكل المصريين"    وفاة المعارض التركي فتح الله كولن في أمريكا    نقيب الصحفيين: لن نفتح باب الانتساب إلا بعد موافقة الجمعية العمومية    قوى عاملة النواب: قانون العمل يسهم في جذب الاستثمارات والحد من مشكلة البطالة    تفاصيل استبعاد كهربا من معسكر الأهلي في الإمارات.. مفاجآت الساعات الأخيرة    عمرو أديب يشيد بكلمة الرئيس السيسي حول صندوق النقد الدولي والإصلاح الاقتصادي    وزير الصحة اليوناني يشيد بجهود الدولة المصرية للنهوض بالمنظومة الطبية    مالك مطعم صبحي كابر: الحريق كان متعمدًا والتهم الطابق الثالث بالكامل    شهداء وجرحى في قصف للاحتلال استهدف مدرستين تؤويان نازحين في جباليا    حزب الله يعلن إسقاط هرمز 900 إسرائيلية    علي جمعة يكشف حياة الرسول في البرزخ    أبرزهم هشام ماجد ودينا الشربيني.. القائمة الكاملة للمكرمين في حفل جوائز رمضان للإبداع 2024    حظك اليوم برج القوس الاثنين 21 أكتوبر 2024.. مشكلة بسبب ردود أفعالك    أول حفل ل غادة رجب بعد شائعة اعتزالها.. «تغني بالزي الليبي»    «زي النهارده».. تدمير وإغراق المدمرة إيلات 21 أكتوبر 1967    هل النوم قبل الفجر بنصف ساعة حرام؟.. يحرمك من 20 رزقا    خلال ساعات.. نظر استئناف المتهم بقتل اللواء اليمني حسن العبيدي على حكم إعدامه    عاجل.. كولر «يشرح» سبب تراجع أداء الأهلي أمام سيراميكا ويكشف موقف الإصابات في نهائي السوبر    موقع تحديث بطاقة التموين 2024.. والحكومة تكشف حقيقة حذف 5 سلع تموينية    إصابة 10 أشخاص.. ماذا حدث في طريق صلاح سالم؟    حادث سير ينهي حياة طالب في سوهاج    المندوه: السوبر الإفريقي أعاد الزمالك لمكانه الطبيعي.. وصور الجماهير مع الفريق استثناء    لبنان.. إخلاء بلدية صيدا بسبب تهديدات الاحتلال الإسرائيلي    لاعب الأهلي السابق: تغييرات كولر صنعت الخلل أمام سيراميكا    حسام البدري: إمام عاشور لا يستحق أكثر من 10/2 أمام سيراميكا    6 أطعمة تزيد من خطر الإصابة ب التهاب المفاصل وتفاقم الألم.. ما هي؟    22 أكتوبر.. تعامد الشمس على معبد أبو سمبل الكبير    «هعمل موسيقى باسمي».. عمرو مصطفى يكشف عن خطته الفنية المقبلة    في دورته العاشرة.. تقليد جديد لتكريم رموز المسرح المصري ب"مهرجان الحرية"    مزارع الشاي في «لونج وو» الصينية مزار سياحي وتجاري.. صور    هل كثرة اللقم تدفع النقم؟.. واعظة الأوقاف توضح 9 حقائق    كيف تعاملت الدولة مع جرائم سرقة خدمات الإنترنت.. القانون يجب    حبس المتهمين بإلقاء جثة طفل رضيع بجوار مدرسة في حلوان    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى الخليفة دون إصابات    النيابة تصرح بدفن جثة طفل سقط من الطابق الثالث بعقار في منشأة القناطر    زوجى يرفض علاجى وإطعامي .. أمين الفتوى: يحاسب أمام الله    أستاذ تفسير: الفقراء يمرون سريعا من الحساب قبل الأغنياء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روائي سعودي يتبرأ من المجتمع
نشر في محيط يوم 21 - 07 - 2008

العتيبي: ساحة الأحداث العربية مسرحية من تأليف إسرائيل وإخراج أميركا وتمثيل إيران
خالد الزومان:
ربما يقود الثقافيون السعوديون الحقبة المقبلة إيديولوجيًا وفكريًا على غرار فترة جان بول سارتر وجان جاك روسو (عراب الثورة الفرنسية) و جورج ساند وفولتير، في ظل انبعاث الروح للرواية السعودية من جديد وبروز فئة شبابية نثرت أدبياتها مطرًا غزيرًا جاوز 35 رواية خلال عام واحد، حملت ثقافة المجتمع الأديب في هذا الوقت. ويرى المراقبون أن غالبية الطروحات الأدبية انصبت في واحد من التابوهات المحرمة وهو الجنس المحرم الحديث عنه اجتماعيًا في الوسط السعودي، باستثناء القليل الذي اقترب من ملامسة الواقع الديني والسياسي بشكل طفيف ليكمل المثلث الممنوع. في رواية (12-12) للروائي السعودي طارق بندر العتيبي طرح فكرة علاقة الفرس باليهود تاريخيًا، ويؤكد العتيبي ل"إيلاف" أن الصدفة قادته إلى حقيقة أن للتاريخ فمًا لا يخرس، و أن ما يحدث على ساحة الأحداث العربية الآن هو مسرحية تكتبها إسرائيل وتخرجها أميركا وتقوم إيران بدور البطولة فيها، متوقعًا أن يصدم أبناء جيله (تاريخيًا – سياسيًا – مذهبيًا) بعد قراءتهم لهذه الرواية.
قراءة نقدية للرواية
في طهران وتحديدًا بأحد الفنادق المطلة على طريق الثورة، تبدأ أحداث الرواية الثالثة للروائي السعودي طارق العتيبي والتي تفتتح الرواية بمقدمة جاءت كتمهيد يصافح به القارئ هذا الشاب المدعو حسين بجسده النحيل، ولحيته الكثة، ونظراته الحادة، وإخلاصه الشديد لمذهبه الشيعي.
مواقف متعددة. وإنفعالات مختلفة. تؤكد اللغز الكامن وراء هذه الشخصية. وهنا يلاحظ على الكاتب التعمد بمباشرة الإثارة منذ الصفحات الأولى لرواية تتجاوز المئتي صفحة وحسين يتلقى إتصالاً هاتفيًا غامضًا أخرجه من طقوس ليلة عاشوراء ليأمره بالإنطلاق مباركاً من قبل الله ورسوله وآل بيته.
الأمر لا يحتاج إلى إجتهاد. فكفة ميزان البطولة تميل لحسين. حتى ظهر (طلال) على سطح الأحداث.
طلال ذلك الشاب السعودي العامل في المجال الإعلامي كصحافي في أعرق الصحف المحلية لتظهر معه حكاية أخرى بعيدة تمام البعد عن تلك الدائرة في طهران. وقريبة في الوقت ذاته منها. وهنا يشتعل شغف القراءة والمواصلة في سبر أغوار رواية تأخذك معها إلى جبهات متعددة (تاريخية - دينية - سياسية).
يرفض العتيبي وصف الرواية بالجريئة معللاً ذلك بالفرق الشاسع مابين الجرأة والحقيقة. وهي كذلك - حتى وإن رفض الإعتراف - جريئة. هذا ماتكشفه الحقائق أو المحاولات الحثيثة التي نرى العتيبي يقوم بها محاولاً كشف الغطاء عن المذهب الشيعي بطريقة تثير أكثر من علامة استفهام. وهنا لن يحتاج العتيبي إلى نفي شبهة التطرف والتعصب لأهل مذهبه (السنة). فإن كان أمر خلاف الشيعة معه - بعد هذه الرواية - وارد جداً وطبيعي وهو يتغلغل في أعماقهم وجذورهم التاريخية بطريقة ستثير حنقهم عليه بلا شك. فإن خلاف أهل السنة معه سيكون منطقياً كذلك وهو يتحدث عن الشيطان بطريقة تصوره عبداً صالحاً لم ينصفه الخالق.
وإن كانت تلك جرأة (دينية). فهنالك جرأة (إجتماعية) يخوض الكاتب غمارها وهو يصف المجتمع السعودي بالمجتمع القائم على الرذيلة. كان ذلك على لسان (أحمد) المحامي المصري العالق في دمشق منتظراً محاكمة تنصفه بها الأقدار لتأتيه على طبق من ذهب عندما ارتكب (خالد) ذلك الشاب السعودي جريمته بقتل أحد الضباط
السوريين في دمشق بعدما تم التدبير لخطفه والتخطيط لابتزاز ذويه بتلفيق تهمة له تم الإتفاق عليها بين كل من الحكومة السورية وحزب الله ليهرب بعد ذلك إلى المجهول لولا حماية الخارجية السعودية له.
لتتجه بوصلة الجرأة بعدها إلى الوسط الثقافي فيسلط الكاتب سياط النقد بوصف على لسان الروائي (يزيد) الذي شبه أحد إعلاميوا هذا الوسط بمن حضر إلى ماخور فلا ينظر ولا يبحث إلا عن الكاتبات فقط.
وتتواصل الأحداث عبر قالب سردي يستند إستنادًا جيدًا إلى التاريخ لنرى أحداثاً تدور بفترة ماقبل الميلاد وتعبر بصدر الإسلام لتصل حتى عامنا هذا فيكون الختام كسؤال يطرحه الكاتب.
سؤال ما أن أنهيت قراءتي لهذه الرواية حتى عدت لأقرأها من جديد لأبحث عن إجابة.
مختارات من الرواية
الفصل الثاني عشر
" لدي حلم "
مارتن لوثر كنج
يدخل السفير إلى مكتبه بعدما تجاوز كل هذا الحشد الإعلامي المتجمهر أمام بوابة السفارة. يستأذن الملحق الإعلامي بالدخول عليه.
"تفضل".
يخرج الملحق الإعلامي من مكتب السفير بعد دقائق متوجهاً إلى مكتبه. يستدعي أحد الموظفين ليطلب منه ترتيب إجراءات دخول الإعلاميين إلى القاعة لسماع البيان السعودي.
"نتوجه وإياكم مباشرة إلى دمشق. حيث تعقد السفارة السعودية مؤتمراً صحافياً".
يعم السكون القاعة المكتظة برجال الإعلام من شتى الوكالات والفضائيات والصحف الدولية. يدخل السفير السعودي على عجل ليتلو البيان.
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن حرص المملكة العربية السعودية على توطيد علاقاتها والمحافظة على ديمومة الأخوة والصداقة مع إخوانها العرب لهي غاية الغايات وأولى الأولويات وأكثرها قداسة لدى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، ووالده وإخوته من قبله رحمهم الله. إن المملكة العربية السعودية لم تتوانى في يوم من الأيام عن خدمة إخوانها في شتى البقاع العربية منها والإسلامية. كما لم تجهل في الوقت ذاته دورها المهم والبارز في قضايا هاتين الأمتين على الرغم من سعي البعض عبثاً للتقليل من هذا الدور التي تجاوزته المملكة بفضل من الله ثم بحكمة قادتها وسعة رؤيتهم إلى العالمية.
أيها الأخوة والأخوات..
لقد أثير هذا اليوم خبر استقبالنا لأحد المواطنين. وحوصرنا من قبل السلطات السورية كما ترون. ولا زلنا محاصرون حتى هذه اللحظة التي نلقي بها بياننا هذا. توجهنا إلى السيد وزير الخارجية السوري بناءاً على طلبه. وقد كان بيننا لقاء مختصر حول هذا الموضوع. والسعودية إذ تؤكد من هذا المقام وللملأ أجمعين أنها لم ولن تسمح لكائن من كان أن يمس شعرة لمواطن بأي حال من الأحوال وتحت أي ظرف. فما بالنا وهو يلجأ إلينا من بعد الله طالباً الأمن والحماية الشرعية له. فتلك هي آماله ومطالبه التي وجدنا هنا من أجلها. ولن نخذله بعون الله.
أيها السيدات والسادة..
كما تعلمون. فإن الأخوة في سورية الشقيقة - ونقولها بكل أسف - قاموا بتصعيد الموقف عبر وسائل الإعلام سواء كانت المقروءة منها أم المرئية أم المسموعة ليجعلوا منها قضية سياسية. نحن نحترم قتيلهم ونسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته. ولكن للمتهم حق الدفاع عن نفسه ونحن من هذا المنطلق ولإثبات حسن نوايانا وحرصنا كما أسلفنا على تثبيت أواصر المحبة بيننا ونبذ كل ما من شأنه أن يعكر صفو علاقتنا مع أشقائنا السوريين نقول لهم أننا مستعدون لتسليم المواطن لمحاكمته سعياً منا لإحقاق الحق وإقامة العدل. ولكن ليس لهم بل لإخوة لنا ولهم في العروبة والإسلام لتجري محاكمته علناً وأمام الجميع. ولهذا فنحن نرى بالأردن خير مثال، والله من وراء القصد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
الفصل الثالث عشر
"إن الشيطان لابد أن يلبس جسد المرء لكي ينجح في أي فن"
فولتير
الثلاثاء 23 سبتمبر 2007
دمشق
11:20 صباحاً
"اختلفت المقاييس. وسادت الرعاع".
يغلق حسين التلفاز غاضباً. ولماذا لا يغضب؟! وهذا المحامي يقاتل دفاعاً من أجل قاتل. ذلك القاتل الذي حضر إلى تلك القاعة متباهياً بذنوبه. ولماذا لا يتباهى؟! والجميع لديه سواسية. فهم ليسوا إلا عبيداً له. وهو الإله النافخ أرواحهم بالمال. إنها نظرة وإن تعددت أشكال وهجها القبيح.فإن جوهرها ثابت. فالجميع في نهاية المطاف لا قيمة لهم أمام هؤلاء النواصب. فهم الأغنياء بالمال الحرام. الأسياد بالدين المغتصب. الجالسون على عرش قام على جماجم آل البيت.
"سيكسبون القضية".
نتيجة يتوقعها السفير. ولكنها لم تفاجيء حسين على أية حال.
"كسبوها منذ زمن. من قبل أن تبدأ. بل حتى من قبل أن يولد ذلك المقتول".
إنه اليأس ينطق على لسان حسين بهذه القناعة. لاحظ علي ذلك وهو يتناول قهوته متأملاً حسين ليعود فيضع فنجانه على الطاولة متناولاً سيجارة.
"بمناسبة ذكرك للميلاد يا حسين. ماذا عن طفولتك؟!".
تحطم ذلك الدرع فجأة. ذلك الدرع الذي أعطى حسين الحماية من كل ما هو مربك. سقطت ورقة التوت تلك التي كانت تغطي هذا الضعف الطفولي المفجع الذي بدا عليه وهو يتلقى سؤالاً كهذا.
"ولماذا تسأل عن طفولتي؟!".
كادت هذه الرعشة أن تكبل حباله الصوتية لولا حضور النفس المنقذ. لم ولن يتخلى علي عن خبثه إذ نبتت على تقاسيم وجهه الكريه تلك الابتسامة البغيضة.
"لا تحزن يا حسين. فأنا أعلم عنك كل شيء. ولم أسألك سؤالاً كهذا إلا لغاية في نفس يعقوب".
ينهض حسين فزعاً متجهاً صوب الشباك ليقف للحظات يطلق بعدها تنهيدة تعبة تواسي تلك الوجوه التي راح يتأملها على الرصيف وقد أرهقتها رحلة التعب الدنيوية.
"وما هي الغاية؟!".
ينهض علي وقد أطفأ سيجارته على عجل متجهاً إليه ليقف إلى جانبه متأملاً هو الآخر ذات الرصيف ليرى تلك الشقراء المثيرة التي راحت تخطو متحدثة بهاتفها خطوات مثيرة أثقلتها تلك الأرداف الممتلئة.
"الغاية يا حسين هي أن تعلم أن الإنسان حتى وإن جاء إلى هذه الدنيا بطريقة غير شرعية. فإن هذا لا يمنع من أن يكون في خلقه سبباً لتحقيق غايات شرعية".
يلتفت إليه حسين مستاء من حديثه.
"أفصح".
يعود علي ليتأمل أرداف تلك الشقراء.
"هنالك أشياء قد تغيب عن أعيننا عندما ننظر إليها النظرة الأولى. ولكن حقيقتها قد تتجلى لنا إن أمعنا النظر بها".
لم ترق لحسين تلك الطريقة التي راح يتحدث علي بها.
"حسناً. وما هي الحقيقة التي لم أمعن النظر بها؟!".
يعود علي لينظر إليه مبتسماً بطريقة مقيتة.
"أنت".
"أنا؟!".
بدا حسين مندهشاً!
"نعم أنت يا حسين. دعني أطرح عليك سؤالاً. ما موقفك من والدك؟!".
صمت حسين للحظة. كان متردداً بالإجابة. ولكنه قطع بها.
"إنه شيطان لعين".
يقبض علي كل كتفه.
"وهنا تكمن المصيبة يا حسين. تلك هي النظرة الأولى التي ألقيتها على والدك. ولو عدت وأمعنت النظر إليه لتأكدت أنها نظرة خاطئة".
"خاطئة! إنه رجل زان! وتقول خاطئة؟!".
يتجه علي نحو الكنبة ليتأمله حسين متعجبا!
"الشيطان، الشيطان، الشيطان، الشيطان.... ما رأيك به يا حسين؟!".
راح علي يردد اسم الشيطان بطريقة غريبة ملوحاً بيده في كل اتجاه مطلقاً رصاصته تلك على حسين.
"أجننت أنت؟! أيسأل مثلي عن رأيه بالشيطان؟!".
"فقط أجبني".
ينظر إليه حسين باحتقار.
"إنه الشر بعينه".
يلتقط علي سيجارة ليشعلها.
"دائماً ما تزعجني هذه الحقيقة يا حسين. سنيناً طوال وأنا أطاردها دون جدوى. حتى تمكنت من الإمساك بها في النهاية".
يصمت علي ليترك لنشوى الانتصار مساحة للتعبير على وجهه ويستطرد.
"الشيطان. إنه الشر الذي لا بد منه. هو الأسود في الألوان. وهو المرارة في الشراب. والحموضة في الطعام. إنه الليل حيث النهار. والنار حيث الماء. إنه الدم. الذنب. الخطيئة".
يتأمله علي بحماس مفرط.
"سؤال لك يا حسين. ماذا لو فكر هذا الشيطان بالتوبة. هل تقبل توبته؟! هل فكرت في يوم من الأيام ماذا إن قبلت توبته؟! ما الذي سيحدث لهذا الكون؟! وما هي الفائدة في الأساس من هذا الكون إن تاب الشيطان؟! كيف سنقرأ القرآن؟! ممن سنتعوذ؟!".
يتأمل حسين هذا الرجل تأمل المفجوع. أدرك علي ذلك بنظرة خبيثة.
"لا لا يا حسين. لا تنظر لي هذه النظرة. فأنا بعيد تماماً عما تفكر به. ولكنها مجرد أسئلة تطاردني. أتعلم يا حسين أن إبليس كان في يوم ما عبداً صالحاً يدعى الحارث؟!".
"نعم أعلم".
يجيبه حسين بتلقائية كأنه من خلالها يطلبه مواصلة حديثه.
"هذا العبد الصالح يا حسين رفع للسماء تكريماً له من قبل الله الذي خلق خلقاً جديداً من الطين. وما الطين عند النار؟! لا شيء".
يطفئ علي سيجارته ويكاد يتراقص فرحاً.
"سأسألك سؤالاً. لماذا رفض إبليس السجود؟!".
يفيق حسين من دهشته.
"لماذا؟!".
ينهض علي متجولاً في الغرفة مواصلاً حديثه.
"الجميع يعلم أنه رفض السجود لأنه يرى أنه الأحق بهذا التكريم. ولكن السؤال يا حسين. ألم يكن هو فعلاً الأحق بهذا السجود من آدم؟!".
يصمت حسين.
"تلك هي الإجابة المحرمة. نعم هو الأحق. على الأقل هو الأحق من آدم إن تحدثنا عن الأفضلية. فالنار ليست كالطين. والعبد الصالح ليس كغيره من الذين لم يتم اختبار صلاحهم من عدمه. إنها حقيقة محرمة إن تحدثنا عن عبد أخلص العبادة ولم يجد عدلاً ينصفه. بل وجد مخلوقاً طينياً يؤمر بالسجود له!".
"ولكنه عصى أمر خالقه!".
يدخل حسين أجواء المحادثة.
"وهل يكافأ العاصي بالخلود بالدنيا؟! وبامتلاك قدرات خارقة؟! لماذا لم يعاقب في حينه إن كان عاصياً؟! دعك من كل هذا وذاك. يقول الله في القرآن:( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا) جاءت أداة الاستثناء (إلا) لتستثني إبليس مِن ماذا؟!".
"تستثنيه بالطبع من الذين سجدوا".
تلقائياً أجاب حسين.
"ولماذا لم تقل أنها تستثنيه من الملائكة؟! لن أطالبك بإجابة. ولكني سأقول لك إن لم يكن منهم فلماذا لم يستثنى فعلاً وجنساً عندما ذكرت الأجناس والأفعال في الآية؟!".
يقف علي وقد انطلقت شرارة الدهاء في عينيه وراء حسين المتسمر على كرسيه.
"عبد صالح. ومنافس أقل منه إذ خلق من طين. وأمر لم يجد به عدلاً. وعصيان للأمر. ومكافأة على العصيان".
يقترب إلى أذنه ليهمس.
"من هو الشيطان؟!".
الفصل الخامس عشر
"وما يضير الشاة سلخها بعد مماتها"
أسماء بنت أبي بكر
"اسمعيني يا امرأة. هذا هو الواقع ويجب أن تتعاملي معه. وأنصحك يا ابتسام أن تحملي هذا الجرح في جوفك وأن لا تنزفيه أمام أعين الناس. وإلا دفنتي حية في مكانك".
عادت الرعشة إلى صوتها موشكة على الانهيار.
"أيعني هذا أنك تتخلى عني في محنتي".
لم يكن طلال في مزاج يسمح له بالإجابة. لعل هذا اليوم يحتل قائمة أيامه السوداء. فقضية خالد من جهة. وجغرافيا وسيكولوجية هذا البلد من جهة أخرى. والآن ابتسام الحبيبة القديمة تظهر على سطح أحداثه بقضية ذلك الشيعي الذي انتهك عذريتها. وهرب.
"وكيف أساعدك. أبحث عنه. حسناً لنفرض أني وجدته. أقوده إلى مخفر الشرطة وأقول أنه افقد فتاة عذريتها وهرب بوعوده الكاذبة. فعاقبوه؟!".
يتسلل الملل إلى بدنه.
"ابتسام. أنتي لم تغتصبي. حتى وإن اغتصبت. فأنتي في مجتمع لا يميز بين الاغتصاب. والزنى".
حقيقة مرة. وتوقيت مناسب للإدلاء بها. هذا ما كان يجب قوله. فطلال يعلم جيداً أن ابتسام قد غرر بها بوسيلة أو بأخرى. إذ ما من فتاة في هذه البلاد تمارس الجنس أو حتى تتحدث به دون أن يغرر بها. بل طلال مقتنع أيضاً أن المومس كذلك لا تمارس مهنتها هنا دون أن يغرر بها. فمجرد الاتفاق معها على مقابل. ومن ثم الممارسة فالرفض والتهديد بالإبلاغ عنها هو تغرير بها.
وهو يقود سيارته باتجاه الجريدة. أثار هذا الموقف ذاكرته ليعود طلال إلى لقاء كان قد جمعه بشاب ليبي في الأردن ذات يوم. كان هذا الليبي مصدوماً من تلك الطريقة التي ينتهجها الشبان الخليجيون – خاصة السعوديون – في معاملة المرأة. وعلى وجه الخصوص – بنات الهوى – فقد كانت طريقة همجية تثير الاشمئزاز. اشتعل وجه هذا الليبي ذهولاً وطلال يؤكد له أن النظرة الدونية التي تم ترسيخها بأذهانهم منذ الصغر عن الجنس كسلوك. سواء من قبل أولياء الأمور أو رجال الدين المتشددين في المسجد. كان من الطبيعي أن تلقي بظلالها على المرأة بصفتها الطرف الآخر الملبي لهذا السلوك. تلك النظرة لا تتعلق ببائعات الهوى وحسب. فحتى بعد أن يكبروا ويتزوجوا تأخذ تلك النظرة شكلاً آخراً بذات المضمون. فتبقى حاجة الزوجة للجنس فقط.
النظرة العامة للمرأة بالنسبة لطلال أنها امرأة محتقرة في مجتمع ذكوري. حتى وإن ظهر خلاف ذلك في عدة مجالات. فإن ذلك راجع للنفاق الاجتماعي البارز خاصة في المجتمع السعودي القائم على الخصوصية.
في صغره كاد أن يصدق طلال نظرية الخطيئة الأصلية – التفاحة - لولا نعمة العلم.
مقطع من الفصل السادس عشر
لم يعلم أحمد أن طلال كذلك ينتمي إلى ذات المدرسة التي تبنى يزيد أفكارها. فطلال كأحمد تماماً يؤمن بأن لمعاناة يزيد شقين. هو من جهة والمجتمع من جهة أخرى. فصفة الصدق أوقعت يزيد في كثير من الصدامات في بداياته. وصفة النفاق في المجتمع أوقعت ذلك المجتمع بصدام أزلي مع يزيد.
"إنه مجتمع قائم على الرذيلة".
متابعة أحمد للحراك الثقافي السعودي عن بعد كشفت له ذلك الخلل الذي أدى إلى جر هذه الثقافة إلى الوراء. إن المشكلة ليست في نوعية الثقافة ونتاجها بقدر ما هي مشكلة عجز أولئك المنتمون إلى هذا الوسط المؤثر في عملية بناء مجتمع حضاري عن فهم ماهية الثقافة. ما أثار حفيظة أحمد – تحديداً في العام 2006 – هو الجرأة التي رآها بمقارنة أحدهم للنتاج الروائي السعودي ذاك العام بنظيره الفرنسي
"يالها من وقاحة!".
وهنا تكمن المشكلة. فالمثقف الفرنسي إذا ما تتبعت نتاجه من القرن الثامن عشر حتى اليوم لوجدت تأثيره المباشر في المجتمع. كانت تجربة الثورة الفرنسية دليلاً قاطعاً يؤكد دور المثقف ومساهمته في عملية التطور الاجتماعي. ذلك ما أكده جان جاك روسو (عراب الثورة). وأيده فولتير. وصرخت به جورج ساند. إن تلك المقارنة ترفض لعدة أسباب بنظر يزيد. فأبرز المثقفون السعوديون بعيدون تمام البعد عن نظرائهم في فرنسا. فحداثة التجربة السعودية – على كافة الأصعدة – تضعهم تلقائيا بمقارنة مع أولئك العظماء في فرنسا الذين مثلوا في ذلك الوقت حداثة التجربة الثقافية الفرنسية. فجان جاك روسو لم يأتي الإيمان به خوفاً من سطوته الوزارية. وفولتير لم ينل تلك الحظوة لأنه رئيساً لقسم ثقافي في صحيفة ما. حتى جورج ساند لم تحترم لأنها كانت تعبر عن رأيها بكل وقاحة. إن المشكلة في الوسط الثقافي السعودي تكمن بنقل أغلب مثقفيه لنتانتهم الاجتماعية وتمريرها عبر قالب يدعى بالثقافة.
الفصل السابع عشر
"إن البروتوكولات تظهر بشكل واضح بان تاريخ اليهود مستند إلى حد كبير على الأكاذيب والتزوير وأن هناك مخاوف حقيقية من نشاطات اليهود و أهدافهم"
أدولف هتلر
"لازلت مخلصاً للسيجارة".
يقبل أحمد على يزيد مبتسماً وقد فرد ذراعيه محتضناً إياه.
"ولازلت تهتم بأناقتك".
يحتضنه يزيد بحرارة.
لم تكد تمضي نصف ساعة على تواجد الثلاثة طلال وأحمد ويزيد في المقهى حتى انتشر خبر وجودهم. هذا ما أكدته رسالة وصلت إلى هاتف طلال النقال ليمرره إلى أحمد ويقرأ مضمون الرسالة.
"يا إلهي. ألا يخفا شيء هنا؟!".
في هذه الأثناء أدرك يزيد أن الوقت قد حان للذهاب إلى شقته.
1:00 صباحاً
شقة يزيد
".. كنت بحاجة إلى هذا الملف".
بعدما أنهى أحمد روايته لتفاصيل القضية ما هي إلا لحظات قليلة حتى فاحت رائحة التساؤل. يزيد كان مصدر هذه الرائحة بنظراته العميقة التي راح يرقب بها وجه صديقه أحمد.
"ما الأمر يزيد؟!".
سأله أحمد.
"يقلقني النفوذ الإيراني في المنطقة".
أجابه يزيد وقد نهض متوجهاً إلى مكتبته في ركن الصالون ليقف أمام أحد الرفوف.
"بالنظر إلى مذهب حزب الله. ورأس الحكم في سورية. لا أرى أي مبرر لهذا القلق. فالنفوذ طبيعي. ومنطقي".
يتناول يزيد أحد الكتب من على الرف ليخرج من بطنه ورقة تجلت أهميتها من طريقة نقله لها وقد حملها بين كفيه كماء ذهب يخشى عليه من فجيعة الانهمار. يجلس على الكنبة المقابلة لطلال وأحمد فيضع هذه الورقة على الطاولة الزجاجية الواقعة بينهم.
"ما هذه؟!".
تساؤل من قبل طلال أيده أحمد باقترابه للتمعن.
"إنها وثيقة الخلاص".
قالها أحمد بثقة العالم بالشيء.
"الخلاص؟!".
لم تكن حالة الحماس العارمة التي أصابت طلال هي ذاتها التي يمر بها أحمد. فقد تذكر الآن هذه الوثيقة إذ قرأ عنها في مكتبة الإسكندرية وتحديداً في كتاب جاء بعنوان (اليهود الفرس والفرس اليهود.تاريخ العلاقة السرية).
"نعم الخلاص. هذه الوثيقة لمعاهدة عقدت في عام 604 قبل الميلاد بين ملك الفرس قورش وكبير حاخامات أورشليم فلافيوس بعد سبي اليهود من قبل نبوخذنصر ملك بابل (السبي البابلي)".
أصيب طلال بارتباك محاولاً استعادة توازنه التاريخي ليقترب أكثر إلى هذه الوثيقة فيتأمل بنودها.
"أثير جدل تاريخي أزلي بخصوص هذه الوثيقة".
كف أحمد عن تأملها فاسحاً المجال لطلال كي يحظى بفرصة شم عبق التاريخ عن كثب.
"لاشك أن مصدرها عميل مخلص في خيانته".
سخرية من قبل أحمد لم ترق ليزيد المتحمس.
"دع عنك مصدرها وألق نظرة هنا. على هذا البند تحديداً".
بدت الجدية على يزيد لتنتقل عدواها إلى حواس أحمد الذي اقترب على الفور متأملاً البند الذي وقعت عليه سبابة يزيد. كان هنالك خلل ما يبدو واضحاً بالنسبة لأحمد. فإصبع يزيد يشير إلى رقم لم يكن يعلم به من قبل. فكل البحوث والمراجع تؤكد أن هذه المعاهدة احتوت على أحد عشر بنداً. هنا كانت المفاجأة ويزيد يشير إلى البند رقم (12).
" 12؟!".
بديهياً تساءل أحمد. ولكن المفاجأة لم تقتصر على هذا فقط. بل امتدت إلى أكثر من ذلك حيث جاء البند الثاني عشر من دون نص. فقد جاء الرقم التسلسلي لما يلي البند الحادي عشر محتوياً على رقم مقابل له. وهو أيضاً الرقم اثنا عشر (12 – 12).
"الإثني عشرية. والأسباط!".
ظهرت السعادة على وجه يزيد. فقد تأكد بعد سماعه هذه النتيجة من صديقه أحمد.
"لازلت المحلل الذي أعهده".
إنه توأمه.
"وهذا ما يشغلني من النفوذ الإيراني في المنطقة".
قالها يزيد بخليط من الشعور بالنصر والقلق.
"إنه الرقم المقدس!".
يسند أحمد ظهره على الكنبة فاغراً فاه بهذه النتيجة. يلتفت طلال إليه مشدوهاً هو الآخر.
"الرقم المقدس لمن؟!".
مع تساؤل طلال هذا حمل يزيد الوثيقة ليعيدها إلى بطن ذلك الكتاب.
"ما يعنيه أحمد هو ما أعنيه أنا. فالبند الثاني عشر يربط بين أمرين مقدسين لدى كل من اليهود والشيعة ولا يمكن أن يأتي مصادفة".
"يعني الأسباط والأئمة. اثني عشر سبطاً واثني عشر إماماً ؟!".
توضيح مباشر من أحمد.
"بالضبط".
يتقدم طلال إلى مقدمة الكنبة وقد خيم عليه الذهول.
"كنت أعتقد وأنا أقرأ وأشاهد وأحلل أني توصلت إلى نتيجة (الخطر الإيراني على العرب). ولكني الآن أيقنت أني بحاجة إلى قراءة المزيد. وتحليل أعمق لإدراك تلك العلاقة مابين الفرس واليهود".
يرفع طلال رأسه متأملاً يزيد وبريق في عينيه.
"لقد صدقت ظنوني. واقتربنا من الكارثة".
يلتفت إليه أحمد وحماس يبدو جلياً على وجه يزيد. لم يكن شعور بالحماسة فقط. بل كانت تبدو عليه أيضاً معالم السعادة. لقد أثار حديث طلال فضوله. منطقياً وبحكم إطلاعه فيزيد تقريباً على علم مسبق بما يدور في جوف طلال. لم تكن سعادته بسبب توصل طلال لهذه الحقيقة التي أدركها هو مسبقاً. بل لأنه يستمع اليوم إلى طلال آخر.
"وما هي الكارثة؟!".
نظر يزيد إلى أحمد وكأنه يبلغه بقرب انضمام طلال إلى حقيقتهما التي توصلا إليها.
"نكبة أخرى للعرب ".
هز أحمد رأسه موافقاً على هذه النتيجة من جهة. ولكنه أيضاً أبدى خيبة أمل من جهة أخرى. كان ذلك واضحاً بنظرته هو الآخر التي ردها إلى يزيد باعثاً إليه رسالة تفيد بأن طلال لم يخيب ظنه. ولكنه رأى الرسمة في اللوحة ولم يرى ألوانها. لقد توصل إلى نصف الحقيقة.
"هذا صحيح. ولكن الموضوع لا يتعلق بالعرب فقط".
تناول أحمد علبة السجائر من على الطاولة ليشعل سيجارة ويواصل حديثه لطلال بمتابعة من يزيد.
"أعجبني تعليقك قبل قليل عندما ذكرت بأنه من غير الطبيعي على الشخص غير المتتبع للعلاقة التاريخية مابين الفرس واليهود أن يتوقع خطراً من قبل الفرس على المسلمين – فهم مسلمون مثلنا – وأصبت عندما حددت الخطر على العرب".
"نظراً للصراع الأزلي مابين العرب والفرس؟!".
كانت تلك إجابة من قبل طلال بصيغة السؤال. يهز أحمد رأسه مؤكداً ذلك. فالصراع العربي الفارسي كان وسيبقى قائماً مع اختلاف الطرق. وتغير الأسلحة. وتغيير الخطط. ففي ذي قار لم تكن المعركة معركة لبني شيبان فحسب. ولم تكن بكر معنية بها وحدها. حتى وإن كان الظاهر أن هذه المعركة جاءت تلبية لنداء هند بنت النعمان وهي تبكي والدها المقتول في بلاط كسرى. لقد كانت معركة العرب الأولى ضد الفرس. ومن ثم النواة الحقيقية لنصر الإسلام في معركة القادسية. إن هذا الصراع لم ينطلق في ذي قار ليتوقف. بل استمر إلى ماهو أبعد من ذلك. لقد كان – ولا زال – صراعاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. حتى دينياً. إذ وجدوا بالدين باباً يمكنهم من التوغل في العمق العربي لضربه ضربة تسقطه فلا تقوم له قائمة من بعد. صحيح أن نبوخذنصر كان أداة ضرب ألقاها الرب على بني اسرائيل. إلا أن ذلك مهد وأسس لعلاقة كانت ولازالت غامضة مابين الفرس (قورش) واليهود (فلافيوس) ومعاهدة تثبت قطعاً بأن
الفرس وإن لم يظهروا عداوة في هذه المعاهدة للعرب. إلا أنهم أصدقاء التزموا بالإخلاص لبني إسرائيل.
".. وبالنظر إلى العلاقة الفارسية اليهودية (السرية الحميمية) أرى أنه من الحمق أن لا نربط مابين الخطر على العرب (الفرس) والمسلمين (اليهود). رغم أني مؤمن تماماً بأن الخطر الفارسي – خاصة الحديث - لا يقتصر على العروبة فقط. بل والإسلام كذلك ".
بعد سماعه لهذا التحليل من قبل أحمد. تردد طلال قليلاً في طرح تعليقه. ولكن يزيد لاحظ عليه ذلك ليطلب منه الإدلاء بدلوه.
"ألديك تعليق طلال؟!".
كانت ملامح وجهه تؤكد استحضاره لكل ماقرأه في الفترة السابقة من كتب تتحدث عن الفرس.
"أتذكر الآن حديث كان قد دار بيني وبين أحد الزملاء. يعمل رئيساً للقسم السياسي لدينا في الجريدة. في ذلك اللقاء كنت أعتقد أني أدرك كل شيء. أعني بكل شيء هنا (الاشتباه بمخططات إيران ونواياها في المنطقة). ولكني غفلت عن علاقتها باليهود. والتي تعني قطعاً علاقتها بإسرائيل. لا أعلم لماذا؟!".
كان واضحاً على طلال عدم اقتناعه بحديث أحمد ويزيد حول هذه النقطة تحديداً. أي العلاقة الفارسية اليهودية. أحمد لاحظ ذلك. وكذلك يزيد.
"ألديك شك بهذه العلاقة؟!".
كان سؤالاً مباشراً من يزيد.
"لا أعلم. ولكن هذه الوثيقة ليست إلا ورقة – مع احترامي لك يا يزيد – فنحن في عصر تمكنوا به من استنساخ النعجة دوللي. فلا تأتني بحبر على ورق لكي تثبت من خلاله جرم كهذا. إنها مصيبة يجب أن تثبت بالعقل أولاً. والعقل لا يقبل بها قطعاً".
لم يكن طلال منكراً وحسب. بل بدت عليه علامات عدم الاستعداد لتقبل حقيقة كهذه.
** منشور بموقع "إيلاف" بتاريخ 20 يوليو 2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.