رام الله: يقدم الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش سيناريو غير مكتمل لافتراض سقوطه مع عدوه في حفرة واحدة في قصيدته الجديدة "سيناريو جاهز" وذلك في افتتاحه مهرجان "وين ع رام الله" الذي تنظمه بلدية رام الله بمناسبة الذكري المئوية الأولى لتأسيسها. يقول درويش كما نقلت عنه "رويترز": لنفترض الآن أنّا سقطنا أنا والعدو من الجو في حفرة واحدة فماذا سيحدث؟، بدأ درويش في عرض السيناريو قائلا في البداية ننتظر الحظ. قد يعثر المنقذون علينا هنا ويمدون حبل النجاة لنا/ فيقول انا اولا وأقول انا اولا/ سيشتمني وأشتمه دون جدوي فلم. يصل الحبل بعد. ويوضح درويش أن السقوط مع العدو في حفرة واحدة يجعلهما شريكين في شرك واحد شريكان في لعبة الاحتمالات/ ننتظر حبل النجاة تمضي حدة وحافة الحفرة الهاوية إلى ما تبقى لنا من حياة وحرب إذا ما استطعنا النجاة. ويصف الوضع في الحفرة قائلا: أنا وهو خائفان معا ولا نتبادل أي حديث عن الخوف أو غيره فنحن عدوان. ويتساءل ماذا سيحدث لو أن افعى أطلت علينا هنا من مشاهد هذا السيناريو وقحت لتبتلع الخائفين معا أنا وهو ماذا سيحدث؟ ويجيب درويش يقول السيناريو أنا وهو سنكون شريكين في قتل أفعي لننجو معا أو علي حدا/ ولكننا لن نقول عبارة شكر وتهنئة علي ما فعلناه معا/ لأن الغريزة - لا نحن - كانت تدافع عن نفسها وحدها/ والغريزة ليس لها ايدولوجيا. "سيناريو جاهز" هي أول قصيدة يستمع جمهور درويش إليها منه مباشرة منذ ثلاث سنوات. وكان قد نشر في السنتين الماضيتين قصيدتين في الصحافة الفلسطينية هما "أنت منذ الآن غيرك" بعد الاقتتال الذي دار في غزة بين حركتي فتح وحماس وما أسفر عنه ذلك من سيطرة حماس علي القطاع في يونيو عام 2007، ومنها نقرأ: هل كان علينا أن نسقط من عُلُوّ شاهق، ونرى دمنا على أيدينا... لنُدْرك أننا لسنا ملائكة.. كما كنا نظن؟ وهل كان علينا أيضاً أن نكشف عن عوراتنا أمام الملأ، كي لا تبقى حقيقتنا عذراء؟ كم كَذَبنا حين قلنا: نحن استثناء! أن تصدِّق نفسك أسوأُ من أن تكذب على غيرك! أن نكون ودودين مع مَنْ يكرهوننا، وقساةً مع مَنْ يحبّونَنا - تلك هي دُونيّة المُتعالي، وغطرسة الوضيع! أيها الماضي! لا تغيِّرنا... كلما ابتعدنا عنك! أيها المستقبل: لا تسألنا: مَنْ أنتم؟وماذا تريدون مني؟ فنحن أيضاً لا نعرف. أَيها الحاضر! تحمَّلنا قليلاً، فلسنا سوى عابري سبيلٍ ثقلاءِ الظل! ويعرض درويش في قصيدته الجديدة حوارا بينه وبين العدو الذي لا يبتعد عن واقع الحال كثيرا. يقول : قال "العدو" كل ما صار لي هو لي وما هو لك هو لي ولك ومع الوقت والوقت رمل ورغوة صابونة كسر الصمت ما بيننا والملل/ قال لي ما العمل/ قلت لا شيء ويختتم درويش قصيدته التي يواصل حواره فيها مع عدوه وهما داخل الحفرة بدعوة شاعر آخر لمتابعة هذا السيناريو إلى آخره بعد أن يقول هرب الوقت منا وشذ المصير عن القاعدة ها هنا قاتل وقتيل يموتان في حفرة واحدة ونسيت البقية. كما قرأ درويش قصيدة "علي محطة قطار سقط عن الخريطة" التي نشرت في الذكرى الستين للنكبة وقال عنها ل "رويترز" في وقت سابق تعرفون أن هناك قطارا كان يربط العالم العربي عبر فلسطين. هذا القطار يأتي من سوريا حتي مصر عبر فلسطين إذ كانت فلسطين قلب العالم العربي وقلبه الجغرافي وقلبه المعنوي. ومن أجواء قصيدة "على محطة قطار" نقرأ: عُشْبٌ، هواء يابس، شوك، وصبار علي سلك الحديد. هناك شكل الشيء في عبثية اللاشكل يمضغ ظِلَّهُ... عدم هناك موثق.. ومطوَّقٌ بنقيضه ويمامتان تحلقان علي سقيفة غرفة مهجورة عند المحطةِ والمحطةُ مثل وشم ذاب في جسد المكان هناك ايضا سروتان نحيلتان كإبرتين طويلتين تطرّزان سحابة صفراء ليمونيّةً وهناك سائحةٌ تصوّر مشهدين: الأوّلَ، الشمسَ التي افترشتْ سرير البحرِ والثاني، خُلوَّ المقعدِ الخشبيِّ من كيس المسافرِ (يضجر الذهب السماويُّ المنافقُ من صلابتهِ) وقفتُ علي المحطة.. لا لأنتظر القطارَ ولا عواطفيَ الخبيئةَ في جماليات شيء ما بعيدٍ، بل لأعرف كيف جُنَّ البحرُ وانكسر المكانُ كحجرة خزفية، ومتي ولدتُ وأين عشتُ، وكيف هاجرتِ الطيورُ الي الجنوب او الشمال. ألا تزال بقيتي تكفي لينتصر الخياليُّ الخفيفُ علي فساد الواقعيِّ؟ ألا تزال غزالتي حُبلَي؟ (كبرنا. كم كبرنا، والطريق الي السماء طويلةٌ) كان القطار يسير كالأفعي الوديعة من بلاد الشام حتي مصر. كان صفيرُهُ يخفي ثُغاءَ الماعزِ المبحوحَ عن نهم الذئاب. كأنه وقت خرافي لتدريب الذئاب علي صداقتنا. وكان دخانه يعلو علي نار القري المتفتّحات الطالعات من الطبيعة كالشجيراتِ. (الحياةُ بداهةٌ. وبيوتنا كقلوبنا مفتوحةُ الأبواب) يعد درويش من أهم الشعراء الفلسطينين المعاصرين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة و الوطن المسلوب يعتبر درويش أحد أبرز من ساهم بتطوير الشعر العربي الحديث و إدخال الرمزية فيه، وفي شعره يمتزج الحب بالوطن بالحبيبة الأنثى. ومن الجوائز التي حصل عليها: جائزة لوتس عام 1969، جائزة البحر المتوسط عام 1980، درع الثورة الفلسطينية عام 1981، لوحة أوروبا للشعر عام 1981، جائزة ابن سينا في الإتحاد السوفيتي عام 1982، وجائزة لينين في الإتحاد السوفييتي عام 1983.