كأنما جاءت مبادرة وزراء الثقافة العرب بإعطاء مدينة القدس دوراً عام 2009 لتكون عاصمة للثقافة العربية أسوة ببقية العواصم العربية خطوة في الفراغ، قد تبدو المبادرة وكأنها نوع من غسل الضمير أو رفع العتب لاختيار القدس، لمجرد الإختيار، في الوقت الذي لم يتفق فيه الفلسطينيون قبل العرب على حدود القدس وتعريفها وجغرافيتها. جاء قرار وزراء الثقافة العرب بلا خطة أو هدف محدد، ليكون العام المقبل منطلقا للإحتفال بمدينة ترزح للعام الأربعين تحت عمليات تهويد شديدة الكثافة ، ومشاريع إستيطان جبارة لتفريغ المدينة من محتواها العربي والإسلامي والمسيحي. لكن السؤال الآن وبعد أن اتخذ القرار ، كيف ستكون الاحتفالية؟ وهل ستجني القدس فعلا شيئا من الاحتفاء بها؟ وكيف كان يجب أن يتم صرف هذه المبالغ التي ستمنحها الدول العربية؟ هل ستعطى للعواصم العربية التي ستحتفل بها؟ أم كان الأفضل تخصيصها للمدينة نفسها ولأهلها للتشبث بمدينتهم وترميم بعض مبانيها ومواجهة حملات التهويد ، والتشبث بالمدينة التي تكاد تتلاشى تحت بطش الاحتلال والاستطيان. وبالنظر غلى اللجان المشكلة لإحياء هذه الاحتفالية سنرى انها لم تخرج عن الإطار التقليدي المتبع سابقا، والذي درجت عليه الدول العربية المهتمة بالقدس، بل دخلت فيها فورا وجهات النظر السياسية، متناسين الهدف الذي كان يجب ان تقام عليه الاحتفالية، وهو توجيه رسالة ثقافية واعلامية حضارية للعالم كله بعروبة القدس وحق أهلها بالتحرر والاستقلال وربطها تماما بالوطن الفلسطيني كاملا من غزة إلى قرى الجليل والناصرة، أم تجزئة المدينة بهذا الشكل وحذف المثقفين الفلسطينيين من رسم برامج الاحتفالات وكيفيتها وعدم الاستعانة بالمثقفين العرب والمناصرين للحق الفلسطيني في شتى بقاع الارض، والتحضير لهذه الاحتفالية وقتا كافيا، والعمل بشكل جدي وحثيث لاستقطاب كتاب وفنانين عالميين كبار لعمل افلام ومسرحيات وكتابة مقالات وكتب ولوحات وألخ. والعمل بشكل جدي لقلب وجهة نظر الكرة الأرضية كلها بان القدس ليست عاصمة كيان محتل، وابراز الحق الفلسطيني والثقافة العربية في فلسطين، وحق العودة والحرية والاستقلال، وليس الاكتفاء بعرض صور قديمة وتقليدية، واقامة ندوات محدودة تخاطب العرب المقتنعين والمؤمنين بعروبة القدس، بدون هذه الاحتفالية، وهذا لن يشكل حدثا مؤثرا، بل لن يعدو كونه مجرد احتفالية عادية ستزيد تقسيم القدس وسترضي اسرائيل، ولن تؤثر على نشاطاتها واحتفالاتها بالذكرى الأربعين لضم القدس. المصدر: جريدة "الدستور" الأردنية. بتاريخ: 10 مايو 2008.