طرابلس: نظمت مؤسسة الصفدي الثقافية في طرابلس بشمال لبنان ندوة حول الرواية تناولت اعمال ثلاثة روائيين هم: خالد زيادة وجبور الدويهي ورشيد الضعيف شارك فيها عدد من النقاد والباحثين وأساتذة الجامعات وحضرها حشد من المثقفين والمهتمين بالرواية. وفقاً لصحيفة "الوطن" القطرية بدأت الندوة بكلمة للدكتور مصطفى الحلوة بأن الحديث عن الروائيين الثلاثة زيادة والدويهي والضعيف يهدف الى ابراز دورهم الريادي في مسار الرواية العربية معتبرا ان المحتفى بهم تجاوزوا الى العالمية وباتوا كواكب في فضاءات الحركة الادبية. وأضاف: جبور الدويهي حاز جائزة سانت اكزوبيري عن قصته المستوحاة من حرج لهدان «روح الغابة» اضافة الى جائزة من جامعة اركنساس الاميركية على ترجمة كتابه «اعتدال الخريف» وجائزة بوكر البريطانية على رواية «مطر حزيران» من ضمن خمس روايات عربية كما انه بات مروءا بالايطالية التي ترجمت رواياته اليها، اما رشيد الضعيف فبات مشهودا على نطاق عالمي بعد ترجمة عدد من رواياته الى احدى عشرة لغة آخرها السويدية كما ان روايته «تصطفل ميريل ستريب» نقلت الى خشبة المسرح بحلة فرنسية على يد الكاتب محمد القاسمي وعرضت صيف العام 2008 على مسرح «تياتر دي رون بوان» الفرنسي بعدما تولت اخراجها نضال الأشقر. وكذلك ترجمت روايات خالد زيادة الى لغات عدة ايضا ابرزها الفرنسية والالمانية والايطالية والاسبانية والكتلانية ولم يتبوأ موقعه الدبلوماسي سفيرا للبنان في مصر ومندوبا في جامعة الدول العربية الا عبر بوابة الأدب والثقافة ومما يسجل له في فنه الروائي افراده لطرابلس ثلاثيته الروائية. بعد ذلك قدمت سحر الأسمر دراسة في الفن الروائي لدى كل من زيادة والدويهي فتناولت للأول روايته «يوم الجمعة ويوم الاحد» و«حارات الاهل جادات اللهو» و«بوابات المدينة والسور الوهمي». وقالت: ان زيادة مشغول بالمرئي يحكي بنظره ويديه وتنقلاته ولقاءاته فتأتي مقاطع السيرة مرسومة بمهارة فنان خبر كيف يتحكم حتى بظلال لوحاته وعرف اهمية الازمنة وسحرها .. انه شغوف بالمشهد. وأضافت: انه منشغل بهاجس الفجوة بين الأمكنة، لقد استطاع بعين عالم الاجتماع ان يرصد التحولات السياسية والثقافية التي طالت مدينته طرابلس فأدرك ما لحق بها من تقلبات عصفت بالمتوسط الشرقي اثر الحرب الكونية الاولى متوقفا عند نوبات تتكرر كل عشر سنوات تقريبا فيكون هناك تهديم وتخريب وزحف للحداثة يروم خنق المدينة. وتناولت الأسمر رواية زيادة «حكاية فيصل» التي جسد فيها شخصية تاريخية حقيقية لعبت دورا على الساحة العربية إبان الحرب العالمية الاولى وما بعدها، فرأت انه نجح في تقديمه للقراء بصورة الانسان الذي يعاني الخيبة والانكسار وقد تعاطف معه الى اقصى الحدود واصفا إياه بأنه يمضي اكثر أيامه متنقلا في قطار عله بهذه التنقلات يستطيع ان يستيعد مجدا يتبدد امام ناظريه فهو في قلب القطار ولكن يبدو ان القطار فاته. ثم استعرضت الأسمر روايات الدويهي «الموت بين الأهل نعاس» و«اعتدال الخريف» و«ريا النهر» و«عين وردة» و«مطر حزيران» فرأت ان الدويهي بقلمه واحساسه وفرادة بصمته يفرج عن حيوات وكائنات وامداد أوشكت الذاكرة ان تطويها، وقالت: اكتشف الدويهي اصقاعا من الروح والنفس والفكر كما هي في امكنتها وأوغل في فضاءات جغرافية وثقافية تقع على التخوم الفاصلة بين ريق مازال حاضرا ومدينة تلوح في الافق دون ان تتحقق ورأت الأسمر ان الدويهي استخدم كل الوسائل والكلمات وطاقة المعاني ليعبر عن الافكار بقدر ما هي وعثر على اللامتوقع من الذات وقد امتاز بالنفس السردي الذي يحتفي خلال الكتابة التي تعتمد على النظر والسمع والتنفس. وأضافت: بهذه التقنية الروائية متعددة الاصوات وبهذا التداخل بين التاريخي والسياسي والاجتماعي والثقافي يدخلنا الى عالمه الروائي الذي يرصد حياة مجتمع خلال النصف الثاني من القرن العشرين. بدوره حلوة استعرض مدونة الضعيف الروائية التي تضم بضع عشرة رواية بدأت مع «المستبد» العام 1983 لتنتهي مع «اوكي مع السلامة» العام 2008. وقال: تحول الضعيف من عالم الشعر وعالم بدايته الى الرواية لأنها هواء هذا العصر ومتنفسه وتوقف عند اهم المحطات التي ميزت ادب الضعيف الروائي: عدم تبشير الضعيف بمدرسة روائية ولا بتيار روائي وفلسفته تقترب من عفويته وتلقائيته في كتابة الرواية فلسفته تقترب من المحلية اليومية سعيا منه الى مخاطبة «الأمي والعامل والفيلسوف» يتلبس الضعيف الشخصيات التي يكتبها مستخدما اسمه احيانا، فينسبه الى أبطال روايته تكثيفا لمتعة القارئ الذي يخيل اليه انه يقرأ سيرة ذاتية، احتفال رواياته ب «حوامات الجنس ومشهدياته وتعابيره، وذلك من منطلق ان الجنس جزء من الحياة، وعدم الفصل بينه وبين الحب، وهو يرى ان الجنس ممارسة إنسانية وليست أخلاقية، مشيرا الى انه ثمة انعطافة في مسار الضعيف الروائية تمثلت في رواية «معبد ينجح في بغداد» 2005، التي تستعيد أجواء الكتب التراثية، ولا سيما كتاب «ألف ليلة وليلة» و«الأغاني للأصفهاني» وقد اتهم من بعض النقاد ان عينيه كانت على الترجمة لدى كتابته هذه الرواية. وختم د. حلوة: إن الإبداع في زغرتا بشمال لبنان في فن الرواية يرقى الى عقود خلت، فقد بدأ مع الاب مخائيل معوض في ستينيات القرن الماضي، مرورا بالروائي والإعلامي جورج فرشخ ود. انطوان الدوبهي، ود. جبور الدوبهي، وهو لن يحط رحاله مع د. رشيد الضعيف. ونوه زيادة بالمجهود الكبير الذي بذلته الباحثة سحر الاسمر لجهة قراءتها الأعمال بهدف الدراسة والتعليق وهو ليس بالأمر السهل، وقال: لقد استعدت في هذه اللحظة الأزمنة الحاضرة في مؤلفاتي، واستعدت لحظة الكتابة واللحظة التي انشأت الكتابة، اي الطفولة فتجولت في هذه الأزمنة وعشت لحظات فريدة، موضحا للباحثة اسباب عدم ذكره الأمكنة بأسمائها في الثلاثية، قائلا في الكتابة لا يهم اسم الشارع بل الخصائص،وقد اخترت اسماء وهمية ومزجتها باعتبار انها مشتركة ومتشابهة في المجتمع العربي، فتحدثت عن المدينة العربية بشكل مطلق، اما في كتابي «حكاية فيصل» فقد اعتمدت الجدية والتسلية، وانا أرى ان شخصية فيصل عكست تلك المرحلة، ولفت الى انه يفكر في الكتابة عن شخصيات أخرى. اما د. الدويهي فعبّر عن تأثره الشديد بالتحليل الذي قدمته الاسمر عن رواياته، وعن فرحته بوجوده في طرابلس التي يحبها، وقال: هاجسي الأساسي في كتابة رواياتي، هو امتاع القارئ كما اتمتع انا بالكتابة، مع الاهتمام بترك إمكانات التوتر موجودة لعدم اضجار القارئ. صناعة الكتاب وعقد في طرابلس ايضا مؤتمر عن «صناعة الكتاب: الواقع وآفاق المستقبل»، الذي نظمته بلدية الميناء والجمعية اللبنانية لتنشيط المطالعة ونشر ثقافة الحوار بالتعاون مع وزارة الثقافة ضمن إطار نشاطات بيروت عاصمة عالمية للكتاب. وتناولت طاولة المناقشات الأولى، موضوع «الناشرون المحليون: إمكانات ومشاكل»، تحدث فيها: ناصر جروس، الذي تحدث عن تجربته المهنية كناشر أصدر أكثر من 75 مؤلفاً في مختلف مجالات المعرفة وكمنظم للمعارض الثقافية، ومشارك في مختلف التظاهرات الثقافية ومهرجانات الكبرى اللبناني، والعربي والدولي. وتطرق إلى المشكلات التي تواجه حركة النشر، وقدم اقتراحات ابرزها اقامة مركز يعمل على تطبيق برنامج علمي تخصصي تدريبي يهدف إلى صقل مهارات كل العاملين في قطاع النشر لاسيما في مجال الاستراتيجيات الإدارية للتخطيط وتسويق الكتاب والترويج له. وتحدث مايز الأدهمي فتناول أهمية الكتاب في حياتنا مشدداً على تشجيع القراءة بدءاً من المحيط العائلي، مروراً بالمدرسة فالمؤسسة الثقافية والمكتبات العامة وصولاً إلى حرية النشر لتعزيز حركة الابداع والابتكار في النشر. ثم كانت مداخلات لكل من ناصر الرص، ومحمد شوك تركزت على الجانب المهني والترويجي والتوجيهي. وركزت طاولة النقاش الثانية على المعارض وأسواق الكتاب، فتحدث حسين ضناوي عن معرض الكتاب بين الأمس واليوم، راصداً حركة تطوره، والتطورات التي طرأت عليه سلباً وايجاباً ثم كانت كلمات عدة تناولت بعض التجارب في عرض الكتب وكيفية تسويقها. وكانت طاولة ثالثة تركزت على الجمهور وتجارب المكتبات العامة، أما الجلسة الرابعة فكان موضوعها: «أي مستقبل للكتاب»، فتحدث د. عاطف عطية عن الكتاب أمام تحديات عصر التكنولوجيا: مقاربة سوسيولوجية، فرأي ان بدائل الكتاب تقضي من أجل خلق الرغبة في التعلم، التفتيش عن مادة التعليم ونوعيتها خارج القنوات التقليدية للعملية برمتها. وحاضر شفيق حيدر تحت عنوان «من ثقافة المقروء إلى ثقافة الصورة»: مقاربة تربوية «فأشار إلى غلبة التسطح على التفكير والسرعة على التأني مقترحاً اعتماد التربية على القراءة أي على الفهم والتذوق والتعبير».