استضافت الجزائر مؤخرا بدعوة من المكتبة الوطنية الجزائرية الشاعر والمفكر العربى السورى على أحمد سعيد "أدونيس". الذي ألقى محاضرة أمام جمهور غفير حول مشكلة الدولة، والسلطة والدين فى المجتمعات العربية والإسلامية. ولقد انطلق الشاعر أدونيس من فرضية وهى أن الثابت فى الاسلام هو الوحي، وأن المتحول هو التأويلات التى خضع لها هذا الوحي. كما تحدث عن مشكلة كبرى وتتمثل - حسبما زعم - ل" إخضاع الوحى للتأويلات السياسية والمذهبية بدوافع قبلية، ومذهبية، وأيديولوجية، وسياسية بدافع البحث عن السلطة" . أكد الشاعر أدونيس على أزمة الفكر الاسلامى مبرزا أن هذه الأزمة تاريخية، وقديمة وليست جديدة. وفى تحليله للعلاقات بين الدول العربية الإسلامية رأى أدونيس كما نقلت عنه صحيفة "العرب اللندنية" بأنها ليست مبنية على قاعدة اقتصادية مشتركة، أو قاعدة سياسية واحدة، وإنما على " الدين كسلطة" . فأدونيس لم يستثن فى ذلك الأنظمة أو الأحزاب التى تعتبر نفسها معارضة لهذه الأنظمة الحاكمة. وهكذا ينظر أدونيس للمشكلة على أنها تسييس الدين ومأسسته "أى تحويله إلى مؤسسة سلطوية" باعتباره - وفق رأيه - المسئول عن تحريف الدين كتديّن روحى للأفراد، وجعله أداة للوصول إلى الحكم غير الديمقراطي. وفى مقارنة له بين المجتمعات الغربية، وبين المجتمعات العربية – الاسلامية قال أدونيس بأن الأولى قد حققت الحداثة والديمقراطية بعد فصل الكنيسة عن الدولة. أما المجتمعات العربية الاسلامية فقد فشلت فى تحقيق ما أنجزته الدول الغربية بسبب تحويل الوحى إلى مؤسسة سلطوية تخضع لثقافة الإلغاء، والإخضاع للفرد، وتهميش الرأى النقدى المخالف للسلطة أو معاقبة أصحابه. وفى رأى الشاعر أدونيس السلطة التى تستخدم الدين كمطية تلجأ إلى تكريم من يسوّغ أفعالها وممارساتها وخطابها، وإلى التنكر إلى من يقف منها موقف الإختلاف أو المعارضة. ومن جهة أخرى فإن أدونيس يرى ضرورة إحترام الحرية الدينية فى مجتمعاتنا. بعدئذ قدم الشاعر أدونيس بعض الأمثلة من الشعر العربى قائلا بأن الشعر المكتوب قبل الإسلام كان إما تعبيرا عن شخصية الشاعر ومواقفه من الحياة، أو تعبيرا عن الجماعة. أما بعد إنخراط الشعراء فى الأيديولوجية الدينية الإسلامية فقد اختفت تلك العناصر من شعرهم، وصاروا يعيدون إنتاج مضامين الدين الجاهزة إما فى الوحي، أو فى المذهبيات الدينية. ومن ثم أعطى مثالا آخر وهو شعر "أبى نواس" الذى أعاد للشعر خصوصيته كتعبير عن الشخصى الإنساني، وليس كتعبير عن الأيديولوجية الدينية السابقة للتجربة الشخصية. وعن سؤال وجهه أحد الحاضرين للشاعر أدونيس حول موقفه من حزب الله للبنانى قال مجيبا أياه بأنه مع حزب الله المناضل، وليس مع حزب الله كمشروع دولة دينية. كما قال أدونيس بأنه لا يوجد مفكر إسلامى من جاكارتا إلى شمال إفريقيا له إسهام نظرى جديد فى الإسلام، أو نظرية جديدة لتجديد الإسلام. وقد أفصح بصراحة عن يأسه فى التغيير الجذرى فى مجتمعاتنا فى ظل سيادة السلطة الدينية، والدين الذى يستخدم كقناع للوصول إلى السلطة السياسية، وتكريس الواحدية، والقمع، والاستبداد بعد إقصاء الدين كإيمان شخصي، وبعد روحي.