لماذا صارت الهدنة ممكنة في غزة؟ خيرالله خيرالله لا يمكن اعتبار الهدنة بين حماس وحكومة إسرائيل سوي خبر مفرح في منطقة ليست فيها سوي أخبار محزنة مثيرة للقلق خصوصا عندما يتبادر إلي الذهن احتمال ضرب إيران. هذا الاحتمال وارد، كما وارد حصول صفقة إيرانية - أمريكية يدفع العرب ثمنها أكان ذلك في العراق أو لبنان أو فلسطين. في الحالتين، هناك كارثة تبدو محدقة بالمنطقة. ولا شك أن من يحذر من أخطار ضربة تتعرض لها إيران بحجة اصرارها علي امتلاك السلاح النووي علي حق... كذلك، يبدو محقا من يحذر من صفقة يمكن أن تحصل بين الإيرانيين والأمريكيين تبررها واشنطن بالحاجة إلي التهدئة في العراق! في كل الأحوال لا يمكن إلاّ التشجيع علي استمرار الهدنة في قطاع غزة علي أمل أن يؤدي ذلك عاجلا أم آجلا إلي فك الحصار عن القطاع وتمكين أهله من العيش في ظروف طبيعية بعيدا عن البؤس الذي استخدمته حماس بشكل علمي من أجل إخضاع المواطن الفلسطيني وجعله يفكر في كيفية الحصول علي لقمة العيش والكهرباء والمياه والدواء والوقود بدل السعي إلي الحصول علي حقوقه المشروعة في اطار دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة . ما تحقق بالنسبة إلي حماس ، التي توصلت إلي الهدنة عبر الجهود المصرية، يبدو إنجازا عظيما ما دام همّ الحركة محصورا بالسلطة وليس بالتخلص من الاحتلال. يبدو هاجس السلطة مسيطرا علي حماس التي هدفها الأوّل تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني بهدف تدجينه علي غرار ما فعل حزب الله في لبنان حيث وضع يده علي معظم أبناء الطائفة الشيعية الكريمة وجعل أكثريتها تابعة له عن طريق مؤسسات تؤمن الخدمات المجانية بعيدا عن كل ما له علاقة بالمجتمعات الحديثة أو الاقتصاد المنتج. تبدو الهدنة مهمة، بل إنها حاجة ضرورية للشعب الفلسطيني في غزة. ولكن يبقي السؤال، لماذا التوصل إلي الهدنة بعد ثلاث سنوات من الانسحاب الإسرائيلي في حين أن ذلك كان ممكنا صيف العام 2005؟ ما الذي تغيّر الآن حتي صار في الإمكان التوصل إلي هدنة والتوقف عن إطلاق الصواريخ علي مناطق إسرائيلية بما يبرر للدولة العبرية ممارسة إرهابها في حق الشعب الفلسطيني؟ هل صدرت الأوامر من طهران إلي حماس بالتوقف عن إطلاق الصواريخ المضحكة- المبكية بعدما تبلغت واشنطن الرسالة الإيرانية جيدا واستوعبتها؟ فحوي الرسالة أن غزة مستعمرة إيرانية تُدار من طهران ودمشق وهي ورقة من الأوراق التي يستخدمها المحور الساعي إلي عقد صفقات مع الإدارة الأمريكية وإسرائيل تتناول تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط علي حساب كلّ ما هو عربيّ فيه. لو كان هناك شيء اسمه جامعة الدول العربية أو نظام عربي مسؤول، لكان عقد اجتماع علي أعلي المستويات للبحث في موضوع غزة والفائدة من الهدنة . لو كان هناك مثل هذا النظام العربي، لكان سأل أحدهم حماس لماذا صار في الإمكان التوصل إلي مثل هذه الهدنة الآن وما الذي تغيّر منذ اليوم الذي اتخذ فيه الميت- الحي أرييل شارون قراره بالانسحاب الكامل من غزة؟ وربما كان السؤال الأهم الذي يفترض في العرب طرحه علي حماس : من يتحمّل مسؤولية الخسائر التي لحقت بالغزاويين؟ من يتحمل مسؤولية المئات من الشهداء الذين سقطوا من دون مبرر باستثناء التوصل إلي هدنة كانت تحصيلا حاصلا منذ اليوم الذي تحقق فيه الانسحاب الإسرائيلي استنادا إلي حسابات إسرائيلية محضة؟ ما حصل منذ الحظة التي انسحبت فيها إسرائيل من غزة يصب في خدمة المخطط الشاروني الذي تابع أيهود أولمرت تنفيذه. كان الهدف من الانسحاب أن تدب الفوضي في غزة وهذا ما تحقق بدليل أن حماس لم تتأخر عن تشكيل ميليشيات خاصة بها ما لبثت أن استولت علي القطاع وأقامت كيانين فلسطينيين منفصلين في كل منهما سلطة خاصة به. أما الخدمة الكبري التي قدّمتها حماس لإسرائيل، فقد تمثلت في الشعارات التي رفعتها، علي رأسها أن فلسطين كلّها وقف إسلامي ، من أجل دعم وجهة النظر القائلة أن لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه. إسرائيل تريد شراء الوقت بغية وضع يدها نهائيا علي قسم لا بأس به من الضفة الغربية، بما في ذلك القدسالشرقية، و حماس تريد بدورها شراء الوقت لتغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني وتحويله إلي مجتمع يعيش علي المساعدات والصدقات بدل أن يكون مجتمعا متطورا يؤمن بثقافة الحياة والتخلص من الاحتلال. هل صارت الهدنة ممكنة الآن بعدما حقق كل طرف من الطرفين غرضه؟ المؤسف أن الجواب عن هذا السؤال هو بالإيجاب. الخاسر الأكبر بعد كل الذي جري هو الشعب الفلسطيني الذي يبدو قيام دولته المستقلة مؤجلا لفترة طويلة. إسرائيل ستستغل الهدنة ، التي يظهر أن أيهود أولمرت أو من سيخلفه علي رأس الحكومة في حاجة إليها، و حماس ستعمل علي ترسيخ سلطتها في القطاع غير آبهة بما إذا كانت الدولة الفلسطينية ستقوم يوما. الدولة المستقلة آخر هم لدي حماس التي ترفض أن تطرح علي نفسها سؤالا في غاية البساطة هو الآتي: لماذا زاد البؤس في غزة في السنوات الثلاث الماضية. ولماذا قبلت أن تكون الحركة الإسلامية أسيرة الجندي الإسرائيلي الذي أسرته؟ هل يستحق أسر جندي إسرائيلي كل هذا الثمن الذي دفعه الغزاويون؟ هل يستحق أن يسقط من أجله ما يزيد علي ألف وخمسمئة شهيد فلسطيني؟ عن صحيفة الراية القطرية 24/6/2008