مستقبل الديمقراطية في مصر د. حسن أبوطالب العنوان السابق هو اسم ورشة العمل التي عقدت نهاية الاسبوع الماضي ونظمها كل من مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام ومعهد السلام في الولاياتالمتحدة واستمرت يومين. والواضح من العنوان ان بؤرة الاهتمام هي استكشاف آفاق الاصلاحات السياسية في مصر, والسبل التي يمكن التفكير فيها لتأمين هبوط آمن علي ارض الديمقراطية المتكاملة وفي مدي زمني معقول. وكعادة مثل هذه الورش محدودة المشاركين يسعي فيها الباحثون والمتخصصون والناشطون إلي تقليب الامور من منظورات متعددة, بعضها نظري بحت والآخر عملي يستند إلي تجربة واقعية حزبية أو في إطار أنشطة المجتمع المدني العامة. وإلي جانب الباحثين المصريين والناشطين الحزبيين وبعض السياسيين وأكاديميين وجامعيين, كان هناك عدد من خبراء معهد السلام الامريكي وهم من مشارب أكاديمية وعملية شتي. والمعهد هو مؤسسة فيدرالية وليست حزبية أسسها الكونجرس وينصب اهتمامها البحثي علي إدارة وحل الصراعات وسياسات ما بعد التحول الديمقراطي وتقديم النصائح والافكار إلي صانعي القرار. ويعود اهتمام المعهد بقضية الديمقراطية في مصر والبلاد العربية إلي أسباب عديدة, منها التعرف علي حجم التحول الديمقراطي والاصلاح السياسي الموجود في المنطقة بالفعل, والتعرف علي ردود الفعل المحلية علي السياسات الامريكية الرسمية التي وضعت قضية الديمقراطية علي قمة سلم الاولويات, وتقدير حجم النجاح إن وجد وحجم الفشل المؤكد استنادا إلي حقائق الاوضاع في افغانستان والعراق وغيرهما. ووفقا لما قاله احد خبراء المعهد في ورشة العمل تلك, فإننا في واشنطن بحاجة إلي الاستماع إليكم والتعرف علي رؤيتكم لتقدير استراتيجيات مستقبلية لدعم الديمقراطية والسلام في العالم, لاسيما وان هناك ميزان قوي في المنطقة تلعب فيه مصر دورا مهما لا يمكن الاستغناء عنه او تجاوزه. اما اهتمام مركز الدراسات بالأهرام بقضية الديمقراطية فهو اهتمام اصيل يعود إلي عقود طويلة مضت, ومن هنا كان التفاعل بين هذه الخبرات المختلفة مسألة مفيدة للجانبين دون ان يكون الغرض منها إقناع أحد الاطراف بوجهة نظر معينة, بل طرح القضايا للتفكير والتأمل والتدبر واختبار مدي فائدتها عمليا وسياسيا. وقد تضمنت محاور الندوة بحث العديد من مستويات التطور السياسي والديمقراطي, مثل القضايا الخلافية بين التيارات السياسية والتجارب السابقة في بناء التحالفات السياسية, والاستراتيجيات المطروحة لتجاوز الخلافات, والرؤي المصرية للاستراتيجيات الساعية لدعم الديمقراطية في العالم العربي والرؤي الامريكية الاكاديمية للتحول الديمقراطي والاصلاح السياسي في مصر, واستراتيجيات مستقبلية لتعزيز الاصلاح. وبقدر ما كانت المناقشات عميقة وصريحة وتحمل نقدا وفكرا جريئا كانت وظلت الخلافات كبيرة خاصة ما يتعلق بإشكالية الضغوط الخارجية ومدي فائدتها للتطور الديمقراطي. وبالرغم من الخلافات في المنطلقات والافكار والتحليلات فقد توافق غالبية المشاركين علي أن قضية التحول الديمقراطي والاصلاح السياسي هي قضية ذات طابع محلي بالدرجة الأولي, وهي مسئولية أبناء الوطن انفسهم, وان التدخلات الخارجية في هذه العملية الممتدة تفسدها وتزيدها تعقيدا, بل وتجعل خطط التحول أحيانا غير مناسبة وذات مردود عكسي . فالتحول إلي الديمقراطية مرهون بشروط اجتماعية واقتصادية ودرجة نضج المجتمع, وهي عوامل تشكل معا طبيعة الطلب علي الاصلاح, وكما يحدث في مجال الاصلاح الاقتصادي حيث يستفيد البعض ويخسر البعض الآخر فإن الإصلاح السياسي يؤدي بدوره إلي نتيجة مماثلة, ومن ثم تصبح القضية الرئيسية هي كيفية توسيع مساحة المستفيدين من الإصلاح السياسي وتخفيض مساحة المعارضة له. واتفق غالبية المشاركين ايضا علي أن إحدي العقبات في وجه التحول الديمقراطي في مصر هي في طبيعة التيارات الدينية التي تعمل بالسياسة, ولكنها لم تثبت بعد إيمانها الكامل بالمواطنة وبالديمقراطية وتداول السلط,ة حيث يخشي الكثيرون من أن لديها اجندة خاصة تريد ان تجعل الديمقراطية وسيلة للحكم دون إيمان بحق الاخرين في الوجود. ولاحظ عديد من المشاركين أن درجة تسييس المجتمع المصري آخذة في الارتفاع التدريجي برغم التضحيات والعقبات الكبيرة, وهو ما يعود إلي عناصر عديدة بعضها محلي كزيادة مستويات التعليم والاطلاع الدائم علي مجريات الاحداث العالمية نتيجة ثورة الاتصالات, وبعضها إقليمي كثورة القنوات الفضائية والتأثير القوي للقضية الفلسطينية وغزو العراق وهجرة قطاعات واسعة من المصريين إلي الخارج واحتكاكهم بالخبرات العالمية المختلفة. فضلا عن أن الاجيال الجديدة من الشباب اصبحت الآن اكثر التصاقا بقضايا المجتمع واكثر قدرة علي التعبير الحر عن تطلعاتها بشأن المستقبل, مستفيدة في ذلك من تفاعلها الخلاق مع وسائل الاتصال الحديثة وقدرتها علي التفاعل الاجتماعي الواسع عبر الفضاء الالكتروني. وإن كان البعض قد تحفظ علي الدور الذي يمكن أن تلعبه الاجيال الجديدة في التحفيز الديمقراطي, لاسيما وانها اقل تسييسا وبعيدة عن الانخراط في المؤسسات الحزبية المختلفة المنوط بها تجسيد المشاركة السياسية في المجتمع وتفتقد إلي القيادة. وهو ما دعا كثيرين إلي التنبيه علي أهمية جذب الشباب إلي العمل السياسي والمشاركة في العمل الحزبي والاستفادة من طاقاته الخلاقة والمبدعة. ومما يلفت النظر اتفاق المشاركين علي ان مصداقية الولاياتالمتحدة بشأن مزاعم نشر الديمقراطية في المنطقة العربية هي في أدني درجاتها إن لم تكن موجودة علي الاطلاق. الأمر الذي يشكل عبئا كبيرا علي اي رئيس امريكي مقبل من الديمقراطيين او الجمهوريين, إذ سيكون عليه إعادة نظر جذرية في أولويات السياسة الامريكية تجاه المنطقة, وان يستعيد المصداقية المفقودة وان يقدم افكارا خلاقة وسياسات تعيد بناء وجه ايجابي للسياسة الامريكية قبل مطالبة البلدان العربية بتحولات سياسية كبري تحت مظلة شعارات ديمقراطية, فضلا عن استبعاد السياسات التي أثبتت فشلا ذريعا ومن بينها سياسات الاحتواء والقسر. لقد أوضح الحوار أن رؤية الاكاديميين الامريكيين لمجريات التحول السياسي في مصر متنوعة ويمكن وضعها في ثلاثة اتجاهات كبري, أولها يري الوضع المصري بعيون سوداوية تماما ويعتقد ان الاصلاح السياسي في مصر قد تعثر إلي حد كبير, وأن مصر ما زالت تعيش في فترة انتقالية طويلة وممتدة. وثانيها يري الإصلاح السياسي في مصر وإن لم يحقق نموذجا ديمقراطيا مكتمل الاركان بعد فهو يسير بخطي معقولة نسبيا علي طريق التحول وأن المرحلة الانتقالية تقترب من النهاية. أما الرؤية الثالثة فتري أن الاصلاح في مصر ليس قضية محلية, بل لها بعد خارجي ومن هنا ضرورة أن يكون هناك دافع خارجي سواء كان ضغوطا او محفزات. وفي مقابل هذه الرؤي الامريكية لطبيعة الاصلاح في مصر ركز الباحثون المصريون علي ان الضغوط الامريكية تمارس لاسباب خاصة بمصالح واشنطن وإسرائيل, وأن تدهور المسئولية الاخلاقية للولايات المتحدة يحد تماما من مصداقيتها عند اي دعوة للتحول الديمقراطي في البلدان العربية, ففي عهد إدارة الرئيس بوش تم تقنين التعذيب لغرض الحصول علي المعلومات, في سابقة خطيرة للغاية ومناهضة للقانون الدولي والانساني وأعراف حقوق الانسان, كما تتغاضي عن ارهاب الدولة الاسرائيلية المنهجي ضد الشعب الفلسطيني بل وتباركه, ومن ثم فلا مشروعية لاي دعوة للضغط علي مصر أو غيرها للتحول الديمقراطي. وكانت ورشة العمل بمثابة فرصة ليشرح ناشطون مصريون تجارب عديدة لبلورة تحركات سياسية جماعية او تحالفات لغرض وضع أولويات معينة للحوار السياسي او التعبير عن مطالب معينة, أو طرح رؤية بديلة لما يطرحه الحزب الحاكم. وقد أجمع المشاركون علي انه برغم العديد من المحاولات التي شاركت فيها أحزاب وقوي مجتمع مدني لبناء تحالفات فإنها فشلت جميعها فيما عدا حركة كفاية, التي تشكلت بطريقة عابرة للاحزاب ولكنها تعرضت بدورها لموجات من الصعود والهبوط لاسباب عديدة, وايضا التحركات الاحتجاجية القطاعية التي شهدتها بعض المواقع الانتاجية, وانتهت حين حققت بعض المكاسب. مثل هذا الفشل في العمل الجماعي الحزبي جسد عددا من المشكلات, منها غياب الثقة المتبادلة بين هذه الاحزاب والتي غالبيتها ضعيف البنية لا يعرف هيكلا ديمقراطيا بأي حال, وعدم التخلص من ميراث العلاقات الصراعية السابقة, وغياب الخيال والابداع في بناء هذه التحالفات وتآكل التطوير الفكري والنظري, وهي أمور تحد كثيرا من بناء مشهد ديمقراطي حقيقي. غير أن التعويل علي دور الاجيال الجديدة وقدراتها الابداعية اعطي بارقة أمل كبري في أن الغد سيكون أفضل من اليوم. عن صحيفة الاهرام المصرية 4/6/2008