في انتظار المشهد اللبناني الأخير مجدي الدقاق ربما تكون اللجنة الوزارية العربية قد نجحت في تأجيل الانفجار المنتظر في لبنان بعد أن بدأ الفرقاء اللبنانيون حوارهم الوطني في العاصمة القطرية, الدوحة. وينبغي ألا يسرف أحد في التفاؤل بأن يخرج الحوار اللبناني اللبناني بأية نتائج ملموسة علي الواقع اللبناني, فجهود اللجنة الوزارية العربية, لم تخرج في النهاية بشئ سوي عودة الأوضاع السياسية إلي ماكانت عليه أي قبل أسبوع الآلام أو أسبوع استعراض القوة وفرض الأمر الواقع. لقد ذهب الفرقاء اللبنانيون إلي الدوحة وكل منهم يحمل ماجناه خلال هذا الأسبوع بواقع ومعطيات جديدة, ستحدد وترسم ملامح المشهد اللبناني الأخير والمؤجل تنفيذه. وأسبوع الآلام اللبناني غير علي الأرض لعبة التوازن السياسي والطائفي في البلاد. اقتحام بيروت وحصار سعد الحريري وغلق صوته الإعلامي, كانت رسالة للطائفة السنية والوصول إلي الجبل وحصاره كان إنذارا لدروز لبنان وجنبلاط, والتلويح بمواصلة المسيرة إلي مقر سمير جعجع ومناطقه المارونية إيذانا بأن عهد احترام الطوائف قد انتهي, خرج حزب الله الشيعي وحليفته حركة أمل الشيعية أيضا وبغطاء وسند نصف ماروني, يمثله الجنرال الحائر ميشيل عون, من هذا الأسبوع بالبروفه النهائية لما قد يحدث في لبنان في الفترة القادمة وتم تأجيل إعلان المشهد النهائي للبنان مختلف وهو حزب وتحالف طائفي واحد يحكم البلاد بغطاء وقبعة عسكرية مارونية لجنرال بدل مواقعه أكثر من مرة طمعا في مقعد قصر بعبدا, حتي ولو كانت الأوامر تأتي هذه المرة من طهران عبر حارة حريك في بيروت. أسبوع الآلام اللبناني كسر ليس فقط التوازن السياسي اللبناني بل تعداه إلي كسر إرادة لبنان كوطن متعدد ومتنوع. وأسفر بوضوح عن أن من عطل انتخاب رئيس جديد للدولة أراد أيضا تغييب دور الحكومة وإلغاء الدور الوطني للجيش وإحلال الحزب بتحالفه الطائفي محل سلطة الدولة. إن المحصلة النهائية للأحداث الأخيرة في لبنان تقول إن سلطة السلاح والميليشيات قد انتصرت وذهب هؤلاء لحصد نتائج هذا الانتصار في الدوحة, فقد تحقق هدف استعراض القوة وفرض الأمر الواقع وأعلنت الحكومة اللبنانية سحب القرارات الخاصة بعزل مدير أمن مطار بيروت, وشبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله, واعتبر أنصار حزب الله, اتفاق اللجنة الوزارية العربية, انتصارا لهم, أما الحديث عن حوار وطني, وإنتخاب العماد ميشال سليمان قائد الجيش كمرشح توافقي لرئاسة الجمهورية, والبحث عن صيغة لحكومة وحدة وطنية وقانون انتخابي جديد, كل هذه الأحاديث, سيتم ترديدها حتي عام2009, موعد إجراء انتخابات برلمانية جديدة, ولحين قدوم هذا الموعد, سيظل لبنان بلا رئيس, وستبقي حكومته نصف حكومة, لاتملك تنفيذ قراراتها, وستظل مفاتيح البرلمان المغلق في يد حليف حزب الله, رئيس مجلس النواب نبيه بري, الأوضاع اللبنانية ستبقي علي حالها مع التلويح الدائم بسلاح المقاومة الذي تحول إلي سلاح طائفي يخدم أهداف ومصالح مذهبية وإقليمية لاتصب في الصالح الوطني اللبناني. وسوف يستمر الحوار اللبناني اللبناني بلا نتائج, والهدف هو الوصول إلي عام الانتخابات البرلمانية الجديدة, ليتم تعديل نسب تمثيل الأغلبية والمعارضة في البرلمان, وتشكيل حكومة جديدة ورئيس جديد, أي ايجاد وترتيب أوضاع سياسية تعكس نتائج الحسم العسكري الميليشاوي علي الأرض في أسبوع الآلام وتحقق أهدافا داخلية وإقليمية في لعبة الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف نصر الله بري عون يسعي بوضوح إلي إلغاء المحكمة الدولية التي تحقق في مسئولية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وتريد في نفس الوقت وقف الحديث عن نزع سلاح الميليشيات خصوصا سلاح حزب الله, ودمج كل الميليشيات في صفوف الجيش, وطهران التي تستخدم الساحة اللبنانية في صراعها مع واشنطن, لاتريد أن يفقد حزب الله سلاحه المستخدم سياسيا وعلي فترات ضد إسرائيل. ونزع سلاحه يفقد طهران ورقة ضغط سياسي علي الولاياتالمتحدة التي تتعهد بحماية إسرائيل ويجعلها في نفس الوقت لاعبا أساسيا في المنطقة خصوصا مع تصاعد نفوذها ودورها في العراق, وانكشاف دورها في محافظة صعدة اليمنية, والأنباء التي تسربت عن دور لها في أحداث السودان الأخيرة. وكما قلت من قبل فإن إيران باتت تساورها الشكوك في استمرار التحالف القديم بينها وبين سوريا, التي اعتبرتها وسيطا بالجغرافيا للوصول إلي العمق اللبناني, وبالتالي فإن التعامل مع حزب موال لها, مسيطر علي دولة لايجعلها تحتاج للجغرافيا التي يمكن أن تمنع التوجهات السياسية الجديدةلدمشق استخدامها. إن لبنان ووفق سيناريو معد سلفا يتم الاعداد لاختطافه, إما بانقلاب سياسي أو بانفجار كانت بروفته في أوائل مايو الحالي والذي أطلقنا عليه أسبوع الآلام, وحزب الله لن يغامر ولايستطيع, بحسابات الواقع السياسي والطائفي والتاريخ وكذلك بالحسابات الإقليمية والدولية, باعلان لبنان دولة شيعية. البديل غطاء ماروني يصب في أحلام الجنرال عون وسيطرة طائفية من حزب الله وحركة أمل ليتحول لبنان إلي قاعدة إيرانية تحسبا لاختيارات السلام والمفاوضات السورية, وربما يقظة عربية سورية للعودة إلي حضن النظام العربي, بأركانه الأساسية المتمثلة في مثلث, القاهرةالرياضدمشق. إن المسرح السياسي اللبناني مقبل علي مشهد جديد, سوف يكون له تداعياته وتأثيره البالغ علي المشهد العام للمنطقة العربية, وعلي الذين يهمهم أمر المنطقة وأمنها وسلامتها ويتابعون فصول الرواية اللبنانية, أن يسارعوا لمنع إسدال ستار المشهد الأخير, منعا لتكراره في أكثر من عاصمة عربية, فالمنطقة محاصرة بدول دينية وطائفية, وهي في غني عن حروب وأزمات من هذا النوع. عن صحيفة الاهرام المصرية 18/5/2008