لبنان في ذكرى النكبة أمجد عرار ثمة مشهد يعيد إنتاج التاريخ في المنطقة لكن من دون استفادة معظم محركي الأمور من دروس التاريخ. مشهد تجري أحداثه على إيقاع النكبة. الناكب يحتفل ويسميها استقلالاً، والمنكوب يحيي الذكرى وما زال دمه ينزف. يسمونها نكبة فلسطين مع أنها نكبة العرب جميعاً. لكن هل فقدان الوطن نكبة أم جزء منها؟ الوطن يمكن استرداده والبيت يعاد بناؤه واللاجئ يعود، أما غياب الوعي ودفن الدروس كرأس النعامة، فهو وقود النكبة. بين المشهد الصهيوني والمشهد العربي أمر يبعث على القهر ونحن نرى رئيس وزراء “إسرائيل" يستدعى للتحقيق في الشرطة على خلفية اتهام بتلقي رشوة، وربما يقال من منصبه في اللحظة التي تصدر النيابة العامة لائحة اتهام ضده، أي قبل الإدانة القضائية. أما نحن العابرين في ظلال ستينية النكبة فإننا نكتشف أننا منكوبون بمن هم بيننا يمدون عدونا بأسباب بقائه، بل ويتحالفون معه نهاراً جهاراً. نحن منكوبون بما يتجاوز احتلال أرض وسقوط عواصم. يكفي أن نلقي نظرة تاريخية على العقود الستة الماضية لنكتشف أن التاريخ بالنسبة لنا طريق يهبط نحو الهاوية، لأن أغلبيتنا هيكل مركبة يذهب بها المحرك والمقود أنى شاءا. نحن لدينا بعض الحكومات التي تستمد شرعيتها من ديفيد وولش واتصال هاتفي من جورج بوش، حكومات لا يرف جفنها أمام صرخة مليوني مواطن، وتأخذ قاتلهم بالأحضان، فما دام ممولاً “ليذهب الشعب إلى الجحيم". بعد ستين سنة من النكبة، أتت المفاوضات للفلسطينيين بسلطة وحكومة لا سلطة لهذه ولا حكم لتلك مهما حاول البعض اللعب على المصطلحات. فأي حكومة وبطاقة الهوية ورخصة القيادة وتسجيل المركبة والمولود الجديد تتم في “إسرائيل". ما يجري في لبنان استمرار للنكبة. أزمة عامين بلغت ذروتها بالصدام لأن راعي الفتنة يضخ الوقود في مرجلها ويوهم أدواته بأنه بمؤتمر صحافي يستطيع تركيع الكون وإعادة تركيب الكواكب، ولأن أمراء الحرب ولدوا من رحم إدانتهم وعقوبتهم وولاهم البعض أصحاب قرار. ومع ذلك قلنا وقال كثيرون إن لبنان لن يذهب إلى حرب أهلية، لأن العقلاء ضمانة لاتجاه لا يتنكر للبوصلة، وضمانة لكي لا يعاد تشكيله بما يبعده عن عروبته التي لا تزال تنز من جدران بيروت وتبتسم لجمال عبدالناصر وكمال جنبلاط وكثيرين غيرهما. ومهما يكن من أمر، فإن فلسطين ستغادر النكبة ولبنان والأمة كلها. وليطمئن كل الحريصين على لبنان، وليتحكم العقل بمسار الأمور ولا يسمح لعود ثقاب مبلول أن يحرق الأخضر واليابس. عن صحيفة الخليج الاماراتية 10/5/2008