برنامج «الإخوان» .. أقوال لا تصدقها أفعال د. شاكر النابلسي عرف الأردن الحركات الإسلامية من خلال جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست كجمعية اجتماعية وليس كحزب سياسي عام 1946 . وكانت الجماعة قد أسست لها فرعاً في فلسطين عام 1945 أي بعد واحد وعشرين عاماً من تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1924 . وقد أنشأ فرع الإخوان المسلمين في القدس القيادي المعروف سعيد رمضان، زوج ابنة المؤسس حسن البنا. وكان أول مراقب عام (بمثابة المرشد، حيث لا يطلق لقب «المرشد العام» إلا على الزعيم المصري فقط للإخوان المسلمين) في الأردن للإخوان المسلمين هو محمد عبد الرحمن خليفة (1919-2006). وقد ترأس تحرير صحيفة «الكفاح الإسلامي» الأسبوعيّة الإسلاميّة الجامعة في 1954، وهي لسان حال «جماعة الإخوان المسلمين» في الأردن، وجعل شعارها: «صوت الطليعة المجاهدة والجماهير المؤمنة». وكتب فيها مقالات سياسيّة، واجتماعيّة، دعا فيها إلى تحرير المقدّسات، ووقف الهجرة الصهيونيّة، ورفض كل مشاريع السلام مع إسرائيل. وتعرّض خليفة للسجن بين عامي (1958 1960) بسبب نقده للحكومة الأردنية ومعارضتها. واستطاعت الجماعة في عهده حصد ثلث مقاعد المجلس النيابي الأردني في 1990. وكانت آخر انجازات خليفة، فتح آفاق سياسيّة جديدة لجماعة الإخوان المسلمين، عندما توصّل إلى إنشاء صيغة تنظيميّة للعمل السياسي من خلال (جبهة العمل الإسلامي) بعد صدور قانون الأحزاب الأردنيّة. وقد خلفه بعد رحيله في منصب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن عبد المجيد الذنيبات المراقب الحالي للجماعة. علاقة الإخوان بالهاشميين كانت العلاقة بين الإخوان وبين المؤسس الملك عبد الله الأول (1882-1951) فريدة وغنية. وارتبط الإخوان بالعرش الهاشمي ارتباطاً وثيقاً قبل وبعد 1945 . ففي 1932 دعا الملك عبد الله الأول عبد الحكيم عابدين ( السكرتير العام للإخوان المسلمين في مصر، وصهر المؤسس حسن البنا) إلى تولي رئاسة الوزارة الأردنية. ولكن عابدين اعتذر عن ذلك. كما منح الملك عبد الله الأول الجنسية الأردنية لسعيد رمضان أمين عام «المؤتمر الإسلامي» الذي عُقد في القدس، وأحد قياديي حركة الإخوان المسلمين الأوائل في مصر. كذلك فقد احتضن الملك عبد الله الأول كامل الشريف (من مدينة العريش) الذي ترك مصر وعادى عبد الناصر استمراراً لعداوة الإخوان له، ومنحه الملك عبد الله الأول الجنسية الأردنية هو وأخاه محمود الشريف. وأصبح كامل الشريف نائباً لسعيد رمضان في المؤتمر الإسلامي للقدس، وتولّى وزارة الأوقاف الأردنية، وعُين سفيراً وعضواً في مجلس الأعيان. برنامج عمل الإخوان المسلمين الأردنيين إن أهم ما جاء في خطاب الإخوان المسلمين الأردنيين الفكري والسياسي قولهم، أن رؤيتهم الفكرية والسياسية الكلية تعتمد على عقيدة الأمة ومقاصد الشريعة الإسلامية الكبرى في حماية النفس والعقل والدين والمال والعرض وإقامة العدل، والمتمثلة في منظومة المنطلقات والمبادئ التالية: 1- الاستناد إلى عقيدة الأمة ومبادئها وثقافتها وهويتها الحضارية التي تتسم بالوسطية والتسامح والتعاون، كما بينها القرآن الكريم، والتي تؤسس على قيم العدل والمساواة والكرامة البشرية باعتبارها حقوقاً ثابتةً لكل إنسان، واعتماد الحوار والدعوة بالتي هي أحسن، قاعدة أساسية في بناء مشروع الإصلاح. 2- الإصلاح ضرورة حياتية على مستوى الفرد والمجتمع، فلا تستقيم الحياة، ولا تحقق الأمة ذاتها ووجودها الفاعل، إذا ما تعطل أو تخلف. والإنسان هو محور الإصلاح الأهم في هذا المشروع. 3- الإصلاح الشامل الحقيقي والأصيل في مختلف المجالات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والتربوية، والتعليمية، لا يكون مجزوءاً، ولا نخبوياً، ولا مستورداً، ولا مفروضاً من الخارج، دون إهمال للتجربة الإنسانية في مختلف المجالات. فالحكمة ضالة المؤمن وهو أحق الناس بها. 4- التعددية السياسية والفكرية والحرية الدينية منهج مستقر وبارز في فكر وممارسة الحركة الإسلامية، كما تؤمن الحركة الإسلامية بالحوار الفكري والسياسي والتفاعل الايجابي مع مكونات المجتمع كلها. 5- الشعب مصدر السلطات، وله وحده حق تقرير مصيره، واختيار حكومته، وطريقة إدارة شؤونه. 6- اعتماد الحوار والمنهج السلمي والحضاري في التغيير والإصلاح الوطني، وفي حلِّ الخلافات الداخلية. 7- الوحدة الوطنية فريضة شرعية وضرورة حياتية تتعزز بصون الحقوق، وتحقيق العدالة، ورفض كل أشكال التمييز العنصري والطائفي والمذهبي والإقليمي والجهوي، وتقديم المصلحة الوطنية وإعلائها على كل المصالح الفئوية والخاصة. 8- اعتماد مبادئ الديمقراطية والشورى وأدواتها بما فيها الاحتكام إلى صناديق الاقتراع وفق قانون عادل وإجراءات سليمة، والتداول السلمي للسلطة التنفيذية نهجاً ثابتاً للحياة السياسية. 9- إجراء الإصلاحات الهيكلية والسياسية اللازمة لتفعيل النص الدستوري القائل أن نظام الحكم نيابي ملكي وراثي، بحيث يحتل مجلس النواب موقعاً يتناسب مع هذا النص الدستوري. 10- تفعيل النص الدستوري الذي يؤكد على «أن الأمة مصدر السلطات»، وهذا يقتضي إقرار مبدأ تداول السلطة، وضمان نزاهة العملية الانتخابية بكل مراحلها وفقاً لقانون عادل، وإشراف قضائي كامل، وأن يكون القضاء هو مرجعية النظر في الطعون في الانتخابات النيابية. 11- فصل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية الثلاث، وضمان استقلالها بصورة عملية وفاعلة، تمنع تعدي السلطة التنفيذية على أي منها، وإزالة التركيبات المعيقة كمجلس الأعيان من الهيكل السياسي للدولة بوصفه في النهاية جزءاً من السلطة التنفيذية التي تعينه وتختار أعضاءه، أو أن يتم تشكيله بالانتخاب بعدد محدد عن كل دائرة انتخابية كما هو معمول به في كثير من النظم الديمقراطية. 12- الالتزام بالمدة الدستورية لمجلس النواب كما حددها الدستور، وإعادة النظر في مدة الدورة النيابية العادية، بحيث لا تقل عن ثمانية أشهر، وتأكيد استمرار الحصانة للنائب طيلة مدة عضويته في المجلس النيابي، وأن يتمتع المجلس بالحق الكامل في عقد دوراته التشريعية وإنهائها. 13- تشكيل الحكومات وفقاً لمبدأ تداول السلطة، وعلى أساس البرامج التي تتقدم بها الكتل النيابية لنيل الثقة على أساسها. 14- تفعيل النص الدستوري «المواطنون أمام القانون سواء» في مختلف المجالات، ولا سيما المساواة بين المواطنين في قوة الصوت الانتخابي، وإلغاء التمييز بينهم على أية قاعدة كانت، سواءً في التمثيل أو الانتفاع بالحقوق وأداء الواجبات، واعتماد مبادئ العملية الديمقراطية الشورية أساساً من أسس العلاقات الاجتماعية والسياسية في الدولة. 15- بناء الدولة والمجتمع على أسس حضارية معاصرة، وبما يقضي على جميع أنواع التمييز القانوني أو التنفيذي بين المواطنين، ويضمن تقديم المصلحة العليا على المصالح الفئوية والجهوية وغيرها، ويحفظ حرية الانسان وكرامته في المجتمع، بوصفها أساس الإصلاح والبناء والتشارك في رسم المستقبل. برنامج عصري وتقدمي ومن الملاحظ، أن هذا البرنامج الشامل التقدمي والحداثي، يصلح لأن يكون برنامجاً لأكبر وأشهر الأحزاب الليبرالية والعلمانية في الأردن. فهو برنامج سياسي عصري وتقدمي وحداثي، وفيه كل ما يطلبه المواطن العصري من حقوق. ولكن، ظلت وما زالت مشكلة الإخوان المسلمين ليست في أقوالهم، ولكن في أفعالهم. وقد أثبتت الوقائع التاريخية الحديثة معهم، أنهم على استعداد لأن يتبنوا أكثر الخطابات والأفكار السياسية انفتاحاً وتقدماً وعصرنةً في سبيل أن يصلوا إلى الحكم. وأن ينسوا، ويكفوا عن سعيهم الدائم والدؤوب لإعادة «الخلافة الإسلامية» التي أطاح بها أتاتورك عام 1924 كما فعلوا في عهد الملك فؤاد، وفي عهد الملك فاروق في مصر، وكما أوحوا للملك حسين في 1991 وأثناء حرب الخليج، بأن يُطلق على نفسه لقب الشريف، ويُطلق لحيته البيضاء، أسوة بجده الشريف حسين بن علي، شريف مكةالمكرمة، بغية التمهيد لإعادة الدولة الدينية ودولة الخلافة.. الخ. وقد فعل الملك حسين ذلك، ثم ثاب إلى رشده. وكذلك معارضتهم المعروفة في أن يتولى رئاسة الجمهورية في مصر قبطي أو امرأة. وكأني بهم يرددون دائماً عبارة أمير مكيافيللي الشهيرة: «الغاية تبرر الواسطة». نهضة الإخوان المسلمين لأردنيين عبر التاريخ (1930-1999) ، ظلت العلاقة مميزة بين العرش الأردني والإخوان المسلمين، ربما بسبب الخلاف الهاشمي مع الملك فاروق في مصر، الذي دخل في صراع مكشوف مع الإخوان، خصوصاً بعد حرب 1948. وفي ظل هذه الأجواء، سواء أيام الملك فاورق، أو عبد الناصر، اندفع النظام الأردني إلى تكريس العلاقة مع الإخوان على طريقة «عدو عدوي صديقي». وظلت هذه العلاقة بسبب حاجة الملك حسين إلى ظهير شعبي وأيديولوجي يكافح التيارات اليسارية والقومية المعادية للملكية الأردنية، وأثبت الإخوان في لحظات الأزمات أنهم مع الملك ضد خصومه، وبالأحرى ضد خصومهم في العمق. لكن هذه العلاقة التحالفية لم تخلُّ من اعتراضات إخوانية على النظام خصوصاً فيما يتعلق بوجود الإنجليز في الجيش الأردني. فسيَّر الإخوان مظاهرات ضد هذا الوجود في 1954 كذلك لم تخلُّ هذه العلاقة من شكوك دفينة لدى النظام بالإخوان. فكان يمنعهم من فتح بعض الفروع، خصوصاً في منطقة الضفة الغربية، تحت ذرائع فنية وما إلى ذلك. (مشاري الذايدي، الإخوان المسلمون في الأردن والعرش الهاشمي.. صداقة الضرورات، جريدة «الشرق الأوسط»، لندن، 14/10/2005). لكن العلاقة بين الهاشميين، والإخوان ظلت علاقة إستراتيجية وليست تكتيكية، طيلة العقود الماضية، كما يقول بعض المراقبين. إذن، هي علاقة معقدة ومركبة، بين سياسي حاذق، هو الملك عبد الله الأول، ومن ثم حفيده الملك حسين، وبين حركة إسلامية لم تجد لها في الزمن العربي الناصري والبعثي، وفي زمن الحرب الباردة بين المعسكر الاشتراكي والرأسمالي، سنداً من الدول العربية إلا في الأردن والسعودية. وقد نهض الإخوان المسلمون، وأصبحوا اللاعبين السياسيين على الساحة السياسية الأردنية بعد عام 1957، حيث أصبحت العلاقة بين النظام الأردني وبين الإخوان أمتن مما سبق، بل اعتُبروا بعد ذلك من «عظام رقبة» النظام الأردني، وذلك عندما وقف الإخوان إلى جانب النظام ضد الانقلاب العسكري في 1957 الذي خطط له بعض الناصريين والقوميين بالتعاون مع رئيس الحكومة الناصري سليمان النابلسي. و«التقت مصالح الإخوان المسلمين في الأردن مع نظام الحكم في مواجهة الخصوم». ويقول علي أبو السكَّر، النائب الإخواني السابق في البرلمان الأردني، وأحد أبرز المتحمسين لمقاومة التطبيع مع إسرائيل: «من الطبيعي أن الإخوان في السابق تحالفوا مع الأنظمة التي كانت تنتمي للمعسكر الغربي ضد المعسكر الشرقي، لأن المعسكر الشرقي الشيوعي وحلفاءه في العالم العربي كانوا هم أعداءنا». ما بعد السمن والعسل ولكن السنوات الطويلة في علاقة الإخوان بالنظام الأردني، لم تكن كلها سمناً وعسلاً. فبعد السمن والعسل الطافح في 1957 وما بعدها، حيث درجَ الملك حسين على زيارة مقر الإخوان المسلمين في عمّان، والتبرع لهم، شُرخت جرة السمن والعسل قليلاً بين النظام الأردني وبين الإخوان في نهاية 1957 ومنتصف 1958 حين قطعت الدول العربية معوناتها عن الأردن، جرّاء قمع الحركة الناصرية في الأردن. فتقدمت أميركا، وسدت الفجوة بمساعدات عاجلة للأردن، مما أثار حفيظة الإخوان وأغضبهم، ودفعهم إلى معارضة سياسة النظام الأردني. ونظموا المظاهرات لذلك، مما اضطر السلطات إلى سجن المراقب العام محمد عبد الرحمن خليفة. وسُجن خليفة مرة أخرى في 1960 ، بعد احتجاجات إخوانية على «التساهل الأخلاقي» من قبل الحكومة، والذي تمثّل بالسماح بتقديم عروض منافية للأخلاق من قبل شركات أجنبية تجسّدت في عروض راقصة على الجليد. وتم اعتقال بعض الإخوان بتهمة الهجوم على دور السينما وأماكن اللهو الأخرى، على غرار ما صنع إخوان مصر. وصوّت عدد من نواب الإخوان، بحجب الثقة عن حكومة وصفي التل عام 1963، لأنها فشلت في تطبيق أحكام الإسلام، ولأنها لم تقم بالجهاد ضد إسرائيل. ولكن هذه «المداعبات» السياسية بين النظام الأردني وبين الإخوان، لم تكن كافية لإعلان الطلاق السياسي البائن بين الفريقين. ففي حوادث الصدام بين النظام الأردني والفدائيين الفلسطينيين، وفيما عُرف ب «أيلول الأسود» عام 1970 انحاز الإخوان المسلمون إلى صف النظام الأردني في مواجهته مع الفصائل الفلسطينية المسلحة بقيادة ياسر عرفات، رغم أن ياسر عرفات، وأبا إياد، وأبا جهاد، وقادة آخرين من «فتح»، كانوا في تقاطع تام مع فكر الإخوان المسلمين الديني، كما يشير العفيف الأخضر الذي كان معهم في عمّان في تلك الفترة. ولكن دخول الاشتراكيين السوريين (صلاح جديد وحزب البعث السوري) والناصريين على خط «فتح» واختراقهم لصفوف عناصرها وفكرها السياسي، كوسيلة للإطاحة بالنظام الأردني، نفَّرَ الإخوان في الأردن من «فتح». وكانت هذه المواقف من قِبل الإخوان مدعاةً لعدة تحليلات سياسية، منها من اعتبر هذه المواقف شاذة وغريبة باعتبار أن إخوان الأردن ما هم غير «تعبير فلسطيني محض». ويعتبر معظم المؤرخين لجماعة الإخوان المسلمين أن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن التي أسست 1946، لم تكن غير لاحقة وإفراز ديني/ سياسي للجماعة في فلسطين، التي أسسها سعيد رمضان في 1945 وهو ما يؤكد عليه مؤرخ إخوان الأردن، موسى زيد الكيلاني. ومن المحللين من كان يرى أن هذه المواقف كانت بتأثير العناصر الشرق أردنية داخل الحركة الإخوانية، حميةً للدولة الأردنية، وعلى رأسها مراقب الإخوان المسلمين العام محمد عبد الرحمن خليفة. في حين فسّر آخرون هذه المواقف بأنها: «نابعة من خلفية إقليمية بقدر ما هي نابعة من خلفية سياسية». ولكن مواقف الإخوان هذه من أزمة «أيلول الأسود» 1970، تركت شرخاً داخل تنظيم الإخوان نفسه، فقد كان هناك جزء من شباب الإخوان، من أصول فلسطينية، رفض انضمام الإخوان إلى أول حكومة أردنية تشكّلت بعد أزمة «أيلول الأسود» التي شارك فيها القيادي الإخواني البارز من أصل فلسطيني، اسحاق الفرحان، كوزير للتربية والتعليم، بحجة أن النظام الأردني تلوث بالدم الفلسطيني. عن صحيفة الوطن القطرية 13/3/2008