"بُردَة النبي".. الدّين والسّياسة في إيران خالد عمر بن فقه لا تزال صورة إيران ماثلة في ذهني وأعتقد في أذهان كثيرين من أبناء جيلي في العالم كلّه من خلال تلك المشاهد لثورة شعبية عارمة تمكنت من إسقاط النّظام الشاهنشاهي .. غير أن تلك الثورة حظيت بقبول أكبر لدى الجزائريين, ليس فقط لكون النظام القائم آنذاك ممثلا في الزعيم" هواري بومدين" مناصرا ومدّعما لتلك الثّورة وداعما بشكل مباشر لزعيمها "آية الله الخميني", ومصادقا للمفكر "علي شريعتي" بدليل تدخله ذات مرة'عند الشاه لإخراجه من السجن, وقد حقّق ذلك بالفعل، وأغتيل بعد ذلك في لندن من طرف السافاك, حسب ما أشارت إليه بعض الكتابات, وللعلم فإن شريعتي كان من المناصرين والمدافعين عن الثورة الجزائرية ويعتبره البعض منظّر الثورة الإيرانية. المهم أن الجزائر وقفت إلى صف الثورة الشعبية التي تزعّمها الملالي ضمن دعم الجزائر في ذلك الوقت لكل حركات التحرر والتغيير, وهو ما دفعت ثمنه يعد ذلك من عمرها في حربها الداخلية ضد الإرهاب, ليس هذا فقط بل إن تأييد الجمهورية الإسلاميّة لقيت دعما شعبيا وإعلاميا من طرف الجزائريين في حربها ضد العراق, خصوصا بعد التأكد من مسؤولية النظام العراقي عن تفجير طائرة وزير خارجية الجزائر"محمد الصديق بين يحي" , الذي كان في رحلة مكوكية بهدف توقيف الحرب بين الجارين المتحاربين. تلك هي الحالة الجماعية العامة, أما بالنسبة لي فقد تابعت الشأن الإيراني بعد ذلك في القاهرة من خلال كتابات متفرقة أهمها كتاب" الإرهاب المقدّس" للكاتب الصحفي الإيراني"أمير طاهري", رئيس تحرير جريدة "كيهان العربي" السابق والكاتب الآن في جريدة "الشرق الأوسط", وكتاب"إيران من الداخل" للكاتب الصحفي المصري"فهمي هويدي", كما تابعت ما نشر في الصحافة المصرية والعربية من تحقيقات ومقالات حول إيران, وأهمها مجلّة "العالم" التي كانت تصدر في لندن. بدخول الجزائر مرحلة التعددية, كلّفت في نهاية 1990 من طرف مدير مجلة الوحدة "كمال ميزاب" ورئيس تحريرها" عبد الله بشيم" بإجراء تحقيقات في إيران, وتصادف وجودي هناك مع بداية الحرب ضد العراق لإخراجه من الكويت, مما دفع جريدة المساء اليومية التي كان مديرها العام آنذاك الصديق"علي ذراع" للاتصال بي من أجل تغطية يومية لأحداث الحرب, وكان يتابع الأخبار معي أولا بأول الصحفي المميز "أحمد آيت وَعلي", وأحضرت من إيران بعد عودتي من التغطية أيام الحرب, وبعد زيارة أخرى ثانية, كتبا كثيرة مترجمة للعربيّة لأهم مفكري إيران وبعدها ألفت كتاب "إيران ..الحرب والنساء", وصدر في القاهرة. لقد تركز اهتمامي على الشأن الإيراني لمدة تجاوزت السبع عشرة سنة, واعتقدت أني قد تمكّنت من معرفة كثيرا من القضايا, خصوصا المشتركة بيننا نحن العرب وإيران, إلى أن وقع بين يدي كتاب "بردة النبي .. الدّين والسياسة في إيران" للكاتب الإيراني الأصل, الأميركي المولد والجنسيّة والوطن"رؤى متحدة " ترجمة وتعليق "رضوان السيّد", وهو حسب قراءاتي من أهم الكتب, التي يمكن أن نؤسس من خلالها معرفة بالجار الأزلي , حيث الحركة داخل فضاء الإيمان والهويّة المشتركة, التي نجدها واضحة في مقدمة المؤلف للترجمة العربية حين يقول: "..لاشك أن الأزمنة الحديثة شهدت صعودا للثقافات القومية, فتباعدت المسافات والأحاسيس, بيد أن الثقافة الإسلامية الكبيرة والعريقة لا تزال تقارب بين المشاعر, كما نلاحظ أن هناك تطوّرات مشابهة أو موازية بين الثقافتين خلال المائة عام الأخيرة, فإشكالية الغرب لدى المثقفين العرب والإيرانيين هي إشكالية إسلاميّة, وكذلك الحال في كثير من الأمور, ولا يزال ألوف الإيرانيين يُقبلون عن تعلم العربيّة وإن لم يحدث العكس, وأنا أعرف التباعد الذي يتزايد, ولست أرى موجبا له, لا من ناحية التاريخ والثقافة, ولا في الحاضر والمستقبل .. بالنظر إلى هذه العوامل كلّها, فقد شعرت باعتزاز شديد عندما أعلمني الصديق العزيز الدكتور رضوان السيّد أنه يعتزم ترجمة كتابي إلى العربيّة .. لقد نُشر كتابي هذا ثلاث مرّات بالإنجليزية, وأرجو أن تحظى هذه الترجمة الرائعة التي أنجزها صديقي رضوان السيّد بالاهتمام الذي حظي به الكتاب في نسخته الإنجليزية طوال العقدين الماضيين." لقد كان المؤلف محقا فيما ذهب إليه, ذلك لأن الكتب المترجمة لا تعول على اسم الكاتب فقط,إنما ينظر بأهمية للمترجم, والدكتور رضوان السيد علامة فارقة في حياتنا العربيّة ليس فقط لأطروحاته النورانية المنطلقة من المرجعية الدينية في أبعادها التاريخية والتراثية والثقافية والإبستولوجية مع نوع من الاجتهاد, إن جاز التعبير، وإنما للمنهج المتبع ولعمق الأفكار, لدرجة أن آراءه بالنسبة لي على الأقل الخاصة بتحليل قضايانا المستجدة في العام الإسلامي, بما في ذلك السياسية تمثل مرجعية بعيدة عن الرّيب والتضليل, لهذا فترجمته لكتاب "بردة النبي" يعد عملا جليلا لأن الكتاب يصحح ويعّدل ويضيف كثيرا من القضايا التي أصبحت من المسلّمات في قراءاتنا أو تدافعنا أو في حتى رفضنا لنمطية العلاقة مع إخواننا في جمهورية إيران الإسلاميّة. لست هنا بصدد عرض أو اختصار ما جاء في كتاب بردة النبي, لهذا أنهي كلامي بالقول: إذا أردنا فهم المتفق عليه والمختلف بيننا وبين الإيرانيين التاريخي منه والمذهبي, وحلول العرب هناك جنسا وحلول الإيرانيين بيننا علما وإبداعا, والصراع القديم ببن بغداد ودمشق, وخلفية نشوء"الحوزة العلميّة في قُم", والحياة الدستورية ودور الملالي وتأثير الثورات العربية ودور" مصدق" الوطني وحزمة من القضايا الأخرى الحاضرة والمستقبليّة لابد من قراءة الكتاب كاملا, خصوصا وأن بصمات الدكتور رضوان السيد عليه واضحة, حيث الولوج إلى عالم الأفكار برق وبحنان جعلت من كتاب طبع بالإنجليزية منذ 1986 مثار نقاش في اليوم لجهة التوظيف الواعي للمعرفة حتى تأخذ عمرها الطويل في الزّمن, وتلك هي الروح التي ينفخها العلماء في الأمة حين تكون في حالة" الأمة الجاهلة" كما ذكر الزعيم الوطني الإيراني "محمد مصدّق" وكما جاء في كتاب بردة النبي. عن صحيفة الوطن العمانية 6/3/2008