علي حافة الحرب د. حسن أبوطالب في الأدبيات التقليدية للعلاقات الدولية يشير تعبير الأزمة الي مجموعة متلاحقة من الأحداث في فترة زمنية قصيرة تنذر بتدهور شديد في الموقف العام, بحيث يقترب من حافة الحرب. وهنا لا يكون أمام العقلاء إن وجدوا إلا التحرك لوقف التدهور أولا, ثم منع فتيل الحرب ثانيا, واحتواء أسباب الأزمة ثالثا وبما يسمح بتسوية القضية بصورة تمنع خيار الحرب مستقبلا. وحين يتطلع المرء الي مايجري في المنطقة العربية وجوارها القريب يتأكد له أن هناك حالة أزمة تقترب كثيرا من حافة حرب, هذه المرة ستكون إقليمية بكل ما تعنيه من أهوال إنسانية وكوارث اقتصادية وأمنية, ويكفي هنا أن نشير الي عدة تطورات تزامنت معا في أقل من أسبوع واحد, تكشف جميعها مدي الانكشاف الأمني في الإقليم ككل. أبرز تلك التطورات العملية العسكرية البرية والجوية التي قام بها الجيش التركي ضد معاقل حزب العمال الكردستاني التركي في شمال العراق, وما أظهرته من هشاشة مفاهيم السيادة العراقية في ظل احتلال أمريكي, وإرسال الولاياتالمتحدة المدمرة الشهيرة يو اس اس كول ومعها عدد من السفن المعاونة الي المياه الدولية القريبة من الساحل اللبناني. تحت دعوي القلق من تطور الأوضاع في لبنان, وفشل زيارات عمرو موسي الي كل من بيروتودمشق في حلحلة أزمة انتخاب الرئيس اللبناني وتشكيل الحكومة اللبنانية, وقيام بلدان عربية أبرزها السعودية والكويت بتحذير رعاياها من السفر الي لبنان ودعوة من هم في لبنان الي مغادرته فورا, وأخيرا قيام إسرائيل بعملية برية وجوية وحشية ضد غزة, أوقعت في ساعاتها الأولي يوم السبت الماضي أكثر من66 شهيدا و200 جريح, بعضهم معرض للموت لشدة الاصابة وضعف الامكانات الطبية, وإلغاء زيارة مسئول مصري بارز الي إسرائيل كانت تهدف الي احتواء أزمة القطاع وفتح معبر رفح بطريقة قانونية وتثبيت هدنة بين القطاع وإسرائيل. هذه التطورات المتلاحقة في أقل من أربعة أيام تعني بوضوح شديد أن المنطقة تعيش لحظة غليان حادة تسبق الانفجار الكبير, وهو ما يتضح من جملة التطورات التي جرت وقائعها في أسبوعين سابقين, ويمكن اعتبارها المقدمات لحالة الأزمة التي تتدحرج أمام عيوننا ناحية حرب إقليمية ضروس. أبرز تلك المقدمات اغتيال عماد مغنية القيادي العسكري البارز في حزب الله في دمشق, ورغم نفي إسرائيل فإن معظم الدلائل تشير الي أن الاغتيال هو صناعة إسرائيلية بدعم أمريكي بامتياز, وما تبع ذلك من تصريحات قوية للسيد حسن نصر الله توعد فيها بألا يضيع دم القائد مغنية هدرا, وإن أرادت إسرائيل حربا مفتوحة فلتكن كذلك, مما أثار بدوره تكهنات عدة حول طبيعة تلك الحرب المفتوحة, فضلا عن حملات اعلامية شديدة اللهجة بين الأكثرية اللبنانية وقوي المعارضة, شكلت بدورها عقبات اضافية علي طريق المبادرة العربية الخاصة بالرئاسة اللبنانية. رافق ذلك علي جبهة فلسطين استمرار الفصائل الفلسطينية المسلحة بإطلاق الصواريخ المحلية علي مستوطنة سديروت الإسرائيلية ووصول التهديد الي مدن أخري علي بعد أكثر من20 كم من شمال القطاع, واستمرار الجمود في المباحثات الفلسطينية الإسرائيلية, في الوقت الذي تستمر فيه إسرائيل بتوسيع المستوطنات الكبري وإضفاء الشرعية القانونية علي تلك التي لم تحصل من قبل علي تصاريح رسمية, وفي السياق ذاته استمرار الانقسام الفلسطيني بين فتح وحماس. بل وقيام مسئولين كبار في السلطة باتهام حماس بانها زرعت بذور القاعدة في القطاع, وهي التصريحات التي وإن كانت حملت كثيرا من المبالغة, فإنها قدمت غطاء ولو غير مباشر لبعض التهديدات الإسرائيلية التي وصلت الي حد الوعيد للفلسطينيين في غزة علي لسان نائب وزير الدفاع الإسرائيلي بمحرقة أو شواه بالعبرية كالتي عرفها اليهود في زمن النازية وتعرف بالهولوكوست, وهو ماحدث بالفعل, حيث استخدمت إسرائيل أنواعا جديدة من القنابل الحارقة التي تؤذي البشرة وتشوه الوجه وتلزم بتر الأطراف لمن يصاب بها. ورغم اختلاف مسرح العمليات لكل تدهور علي حدة, وتنوع مفرداته, إلا أن تداخل الأطراف وتشابك المصالح وتنافر الاستراتيجيات الإقليمية والدولية يؤكد أن ما يجري هنا وهناك هو جزء من عملية كبري تخص مستقبل المنطقة ككل, وليس كل طرف علي حدة, وأن القادم القريب يحمل معه المزيد من الدم والنار والضحايا والصراخ والعويل. والأسوأ من كل هذا أن الضحايا الأبرياء الذين صمدوا في وجه الجوع والحصار لا يجدون من يدافع عنهم أو يمكنه أن يدرأ عنهم ولو قيراطا من العذاب الذي يسومونه بآلة الحرب الإسرائيلية الوحشية, وحتي مجلس الأمن الدولي المعني بحالات السلم والأمن في العالم ككل, أكتفي ببيان هزيل وصف الأمر وكأنه مجرد تصعيد للعنف من الجاني والضحية معا, وبما يكشف القدر الهائل من التواطؤ العالمي لما يجري في الإقليم ككل. هذا التشابك بين مصائر الأطراف الواقعة تحت الضغط تكشفه حالة إرسال الولاياتالمتحدة للمدمرة يو اس اس كول الي شواطئ لبنان, والتي تمثل مؤشرا ودليلا في الآن نفسه علي مدي ترابط السياستين الأمريكية والإسرائيلية واتفاقهما علي تفجير المنطقة عبر حرب ضروس تعيد ترتيب الأوراق والتوازنات فيها علي النحو الذي لم يحققه العدوان الإسرائيلي الهمجي علي لبنان صيف عام2006, فمن ناحية يعد ارسال المدمرة بالقرب من الاسطول الأممي التابع لقوات اليونفيل العاملة علي شواطئ لبنان نوعا من تهديد المهمة الدولية ذاتها, بنفس القدر الذي يمثله من تهديد بالنسبة للبنان ككل وليس لطرف معين فيه أو لحساب طرف أخر. وكأن الرسالة الأمريكية تعني أن مهمة اليونفيل لابد أن تنتهي لأن المطلوب هو عدم وجود ما يحول دون توغل إسرائيلي جديد في العمق اللبناني إن لزم الأمر, ومن ناحية أخري ربما تعني ان الولاياتالمتحدة بالاتفاق مع إسرائيل تسعي الي ردع أية قوة قد تقدم علي عملية عسكرية ضد شمال اسرائيل, في الوقت الذي يقوم فيه الجيش الإسرائيلي بعملياته الوحشية الكبري في قطاع غزة تمهيدا لاحتلال أجزاء منه وإعادة الحكم العسكري لهذه المناطق تحت زعم منع الصواريخ الفلسطينية المحلية, وقصم ظهر حركة حماس عبر اغتيال قياداتها وناشطيها, وفي كلا الأمرين تبدو رائحة الحرب الإقليمية التي هي أكبر من مجرد عمليات عسكرية قد تمتد لأسبوع أو أكثر وتستهدف أهدافا محدودة, حرب تشارك فيها صراحة القوة العظمي جنبا الي حليفتها الاقليمية ضد أعدائهما المشتركين, وليذهب أمن المنطقة ككل الي الجحيم. يلفت النظر هنا أمران, أن التطورات المشار اليها تعكس حالة الخلل الصارخ في توازن القوة بين الأطراف الساعية للهيمنة والتسلط علي مصير المنطقة, وبين الأطراف الاصيلة في الإقليم, ومع ذلك فإن الأطراف الأقل قوة ماديا وليس معنويا ولأسباب كثيرة لا تستطيع أن تستسلم أو تعتبر نفسها مهزومة رغم الكم الهائل من الخسائر الذي تتعرض له, بل تعتبر نفسها حلقة في عملية انتصار تاريخي مقرر إلهيا سيحدث حتما ولو بعد حين. الأمر الثاني أن القوي المتسلطة تعمل بكل جد علي إعادة بناء الإقليم بما يؤكد سطوتها وهيمنتها, وهي في ذلك لا يقف أمامها أي رادع قانوني أو انساني, من أبرز موجهاتها نزعة الانتقام والثأر وتوحش الآلة العسكرية التي تمتلكها, والأهم من كل ذلك غياب الوازع الانساني وفقدان الضمير لدي ما يعرف بالمجتمع الدولي, والذي يبدو كسراب ووهم أكثر منه حقيقة, هذا الوهم ليس جديدا في الحالة الفلسطينية, ولكنه في هذه المرة سيؤكد أصالة مبدأ أن الرد الوحيد لابد أن يكون من جنس العمل. عن صحيفة الاهرام المصرية 5/3/2008