اليوم التالي ل "هولوكوست" غزة!! هاني حبيب إذاً، هي عملية واسعة وليست عملية اجتياح شامل، كما أعلن نائب وزير الحرب الاسرائيلي متان فيلنائي، شارحاً ما يجري في قطاع غزة، عملية واسعة حقيقية اذ إنها لم توفر مسلحاً أو مدنياً، طفلاً أو عجوزاً، معظم الضحايا حتى الآن كانوا من المدنيين والاطفال، هي معركة واسعة بهذا المعنى وليس كما قصد فيلنائي الذي حاول ان يصوغ تسميته للحرب الشاملة المعنلة من قبل اسرائيل. تحسباً لنتائج هذه العملية المتدحرجة باتجاهات تتحكم بها نتائج كل مرحلة من مراحلها، اسرائيل لا تستطيع ان تعلن عن عملية اجتياح واسعة تعيد من خلالها احتلال قطاع غزة بشكل مباشر، لأسباب عديدة، اهمها عجز القيادات الامنية والسياسية في اسرائيل عن التأكد مما ستحقق اهداف هذه العملية، فلو اعلنت اسرائيل انها بصدد عملية اجتياح شاملة وواسعة دون ان تنجح في تحقيق ما اعلنت عنه من اهداف، كوقف اطلاق الصواريخ محلية الصنع، فإن ذلك سيشكل هزيمة محققة، حتى لو احتلت قطاع غزة بالكامل، فالافضل في هذه الحال، عدم الاعلان عن العملية باعتبارها اجتياحاً واحتلالاً، خشية النتائج التي هي موضع شك. إعادة احتلال قطاع غزة، فيما لو فكرت اسرائيل بذلك، لن يكون فقط باهظ التكاليف، ولكن قيادتها باتت متأكدة ان دخول غزة ليس كالخروج منها، فبعد نجاحها في احتلال غزة، ستبدأ المتاعب الحقيقية، فالسيطرة على مليون ونصف مليون مواطن امر جربته اسرائيل، ولم يعد قيد التكهنات، فقد اضطرت اسرائيل للانسحاب من قطاع غزة العام 2005 من جانب واحد، فاحتلال قطاع غزة، كما الانسحاب منه مشكلة صعبة بالنسبة لاسرائيل، وهي اذ تخوض حرباً مفتوحة اطلقت عليها عملية واسعة، انما تعبر عن مشكلة حقيقية صنعتها اسرائيل - من خلال احتلالها- ولم تتمكن من التخلص من نتائجها. وتدعي اسرائيل انها مجبرة على القيام بهذه العملية لوقف اطلاق الصواريخ الفلسطينية محلية الصنع، لكنها في الوقت ذاته، تقوم بعملية واسعة، ولكن تتسم "بالهدوء" في الضفة الغربية، في نابلس كما في الخليل وجنين وقلقيلية، حيث لا تطلق عليها الصواريخ وحيث لا تسيطر حركة حماس، ما يعني ان هذه الحرب، في جوهرها، هي ضد المشروع الوطني الفلسطيني، وليس لاسقاط حماس او وقف اطلاق الصواريخ. فمن خلال نتائج هذه العملية، مهما كانت، تستطيع اسرائيل التهرب من استحقاقات العملية التفاوضية وتبرر فشلها - اي فشل العملية التفاوضية- بالجانب الفلسطيني، مع ان كافة الاطراف المتابعة لمجريات هذه العملية باتت على اطلاع مباشر وإدراك بأن ليس هناك من فرصة لنجاحها، بسبب التعنت الاسرائيلي والاجراءات على الارض، خاصة فيما يتعلق بالاستيلاء على المزيد من الاراضي في القدس وتوسيع المستوطنات، لكن العملية العسكرية الجارية الآن، ستجعل من استمرار العملية التفاوضية صعباً ان لم يكن مستحيلا، وهذا سبب اضافي لقيام اسرائيل بمثل هذه الحرب المفتوحة. وما زال درس لبنان ماثلاً، ففي اعقاب اسر جنديين اسرائيليين من قبل حزب الله، شنت اسرائيل حرباً شاملة لم تتمكن من الانتصار فيها، والآن اسرائيلي يسقط قتيلاً في سديروت بفعل صواريخ بدائية، هو الاول الذي يقتل منذ تسعة اشهر، فتفتح اسرائيل مخازن اسلحتها وذخائرها للبدء بحرب مفتوحة في الجنوب، في قطاع غزة، لا يمكن لاسرائيل ان تربح فيها حتى لو احتلت القطاع بالكامل، اذا ما اخذنا بالاعتبار تجربة الاحتلال السابقة، والتي اضطرت معها القوات الاسرائيلية الى اخلاء القطاع مع استمرار التحكم والسيطرة عليه "عن بعد"، دون ان يوفر ذلك الامن والاستقرار لغلاف قطاع غزة من قرى ومدن ومستوطنات. ولا شك ان القيادة الاسرائيلية استعدت جيداً لهذه الحرب، منذ اشهر عديدة، اذ كانت تعلن بين وقت وآخر ان مثل هذه الحرب لن تتأخر، وفي اطار هذه الاستعدادات حاولت وسائل الاعلام الاسرائيلية، المبالغة في حجم الخسائر لديها جراء اطلاق الصواريخ، ومن ناحية ثانية، تعلن بين وقت وآخر عن وصول مدربين ومتدربين واسلحة جديدة للمقاومة الفلسطينية من ايران وغيرها، وفي الوقت نفسه كانت بعض القيادات الفلسطينية تتحدث عن توازن الردع ما يعني ان ميزان القوى العسكري بين المقاومة والاحتلال بات متقارباً، وهو بالضبط ما ساعد اسرائيل لدى الرأي العام العالمي على تبرير هجماتها وحصارها واغتيالاتها وإحباطاتها المستمرة في اطار العملية المتدحرجة في قطاع غزة. وأسهمت هذه الاستعدادات، على الارجح، في تدني ردود الفعل العربية والدولية على المستويين الرسمي والشعبي، لما يجري في قطاع غزة من مجازر مستمرة ومتواصلة جراء الحرب الواسعة التي اعلنت عنها اسرائيل، اذ لم تلحظ اي تحرك جماهيري جدي، وهو اضعف الايمان، القيادة الرسمية الفلسطينية، ادانت دون ان يظهر هناك ما يفيد بدعوة مجلس الامن للانعقاد، واسرائيل تستمر في عدوانها دون حاجة لضوء اخضر اميركي، مع انه تحقق من خلال اعلان وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس عن "قلقها" حول ما يجري في قطاع غزة دون ان تطلب من اسرائيل وقف عدوانها، او على الاقل، استخدام قدر معقول من سلاح ردود الفعل، وحتى ان رايس لم تطلب من اسرائيل ضبط النفس، كما جرت العادة. هولوكست حقيقية هذه المرة، معلنة بوضوح، رغم التفسيرات اللغوية التي تجاوزتها الافعال على الارض، كارثة دموية محققة احاطت بقطاع غزة، جراء الاستخدام الاقصى لكل ما تمتلك من سلاح دمار هائل وشامل، في مواجهة مقاومة لا تمتلك الا الاصرار على المواجهة بكل ما تمتلك الايدي من اسلحة خفيفة وصواريخ بدائية، كل ذلك، دون ان تستطيع القيادة الاسرائيلية الرهان على انتصار مؤكد وهي بذلك، تزج نفسها والمنطقة في اتون ازمة حقيقية، وتعيد الصراع الى المربع الأول من جديد!! عن صحيفة الايام الفلسطينية 2/3/2008