الانتحارية امرأة معاقة (منغولية) فمن المجرم إذاً؟! نورة الخاطر التفجيرات اسلوب وحشي عقيم لاينتج سوي الخراب والموت ولاشك بأن هذه النتيجة غير مرغوبة لبني البشر عامة لأن بهما تعم الفوضي وتتهاوي القيم ويغيب العقل لتعود البهيمية هي الحكم والميزان الذي تسير به الحياة الإنسانية إلي فنائها المحتوم، والنموذج الأمثل لهذه الوحشية يتمثل بعدة صور تتضح في مواقع متفرقة من هذا العالم متباعدة كانت أو متقاربة.. ولكن لو أخذنا الصورة من جانب العراق المحتل فقط لتمثل لنا هذا التجني الصارخ علي الإنسانية بكل ما تحتويه هذه الكلمة من معان وما تتأمله مكوناتها من احتياجات، فالتفجيرات العبثية وسط جموع البسطاء من البشر والساعين علي رزقهم بما قدر لهم من موارد بسيطة لايمكن وصفه بالإرهاب مجردا من توابعه، فنحن أمام جرائم وحشية بكل جوانبها الحاضرة بمن يطلق عليهم الانتحاريين والمفتقدة بمن يُسير هذه الدمي البشرية لمصيرها الأسود ... ففي يوم الجمعة الماضي تجددت حرب النجاسة بتفجيرين أحدهما نشر الموت والرعب في سوق الغزل لبيع الطيور والحيوانات في وسط بغداد فاختلطت أشلاء الطيور بأشلاء البشر في مشهد مأساوي صارخ.. والثاني عم بخرابه سوقا شعبية في منطقة بغداد الجديدةجنوب شرق العاصمة وكان عدد القتلي الأضخم منذ ستة أشهر وكما ورد في الأخبار فإن من تكفلتا بإنجاز تلك المهمة النجسة في كل من الموقعين امراتين (انتحاريتين) كما هو الوصف شائع، وتناقلت الأخبار حقيقة مرة شاهدة علي عصر الإجرام البوشي حيث لامفر من الحقيقة بعد تناقل الصور الفاضحة لهذا الإحتلال الوحشي وما نتج عنه ومنه من جرائم حرب لابد لها من محاسبة وإلاّ وقعت الواقعة التي لن تبقي ولن تذر، والحقيقة وإن كانت مرة ففيها تجل ووضوح لحقائق لطالما قال بها ذوو الضمائر الحية ولكن إعلام العدو الضارب بأكنافه عتّم عليها وضلّل ملامحها إلاّ أن الله العليم الحكيم الممهل للظالم ليأخذه أخذ عزيز مقتدر قدّر فظهرت الحقيقة برأس الضحية التي لابد من الدفاع عنها والسعي لأخذ حقها ممن ظلموها أسوة بغيرها ممن تدعي لجان حقوق الإنسان الدفاع عنهم باللسان فقط أمام قوي الفجور والطغيان فلم يعد للضعيف من حق سوي الصراخ في نفق مسدود بلا هواء.. والحقيقة الشاهدة كما هو جسد فرعون شاهد علي فنائه كانت رأس (الانتحارية) بملامحه شاهدا وعبرة لمن يعتبر خاصة لهؤلاء المتأمركين من كُتاب الأمة والذين لاهم لهم سوي إلصاق تهمة الكراهية والإرهاب بأمتهم دون فاصل مابين حق وباطل، ولو عاد كل متأمل للصور التي نشرت في الجرائد لتبين له بأن رأس الانتحارية يحمل ملامح محددة وخاصة بفئة معينة.. ومن لم يعلم فليتلقي المفاجأة فإحدي هاتين المرأتين كانت معاقة بمتلازمة داون (المنغولية) كما اتضح من معالم الرأس والوجه الذي لم يتشوه بفعل الانفجار وربما لاحظ المتابع متعجبا مستنكرا تجمع البعض لتصوير الرأس رغم بشاعة المشهد إلا أن مافطن له الجمع حري بالتوثيق بالشهادة الحية والصورة الناطقة فحقيقة (الانتحارية) المظلومة كانت أكبر بشاعة من المشهد ذاته، ولنتصورمريضة بقدرات عقلية محدودة وهي تخطط للانتحار الجماعي عجبي، وسبحان من يقدر الأقدار فلربما لم يدر بخلد المجرمين الحقيقيين بقاء رأس الضحية سليما ودليلا علي حقيقة قال بها كل متتبع بضمير حي لمعاناة شعب العراق، فالجريمة المنظمة التي تُنسب للقاعدة في كل الأحوال كشماعة للمحتل للتهرب من تبعات جريمة الاحتلال وتعميم الفوضي الهدّامة تؤكد بأن هؤلاء الموصوفين بالانتحاريين ونخص منهم المعنيين بالتفجيرات وسط الأحياء والأسواق الشعبية مسيرون دون إرادة أو علم والتفجيرات إنما تحدث بمتابعتهم عن بعد حتي إذا ماوصل الهدف للموقع المحدد ضُغط علي الصاعق ليموت الأبرياء بمن فيهم المدعو - انتحاري - وسواء تم التفجير بحزام ناسف كما هو الحال مع هذه المرأة المعاقة، أو بواسطة متفجرات تزرع في سيارة أو عربة أو ما شاء لعقول الشر ابتكاره وتسخيره لأداء تلك المهمة القذرة بواسطة هذا الإنسان البرئ السائر لحتفه المرير بتخطيط خبيث فالنتيجة واحدة الموت وتعميم الفوضي... والأرجح أن هذا المتهم المجني عليه ممن تحل عليه الرحمة نظرا لواقع الحال المعاش والحاجة التي دفعته للتكسب من وراء هذه الجهات المشبوهة ليموت بغفلة من أمره ويأخذ في موتته الكثير من بني البشر وغيرهم من كائنات حية وأرواح رطبة فيها الأجر.. والعامل الآخر والمؤكد علي يد الخبث وعملاء الإحتلال يكمن في تزامن تلك التفجيرات الإجرامية مع تصاعد هجمات المقاومة ضد الإحتلال وجنوده فكلما زادت عمليات المقاومة وتتالت النعوش في الجانب الإحتلالي حلت لعنته علي البسطاء في علاقة طردية مابين تزايد وتيرة المقاومة ووحشية الجريمة.. وهكذا هم يمارسون الجريمة والإبادة والتي تأخذ مسميات رسمية تتخذ طابع القضاء علي الإرهاب من جانب وعلي الجانب الآخر ترويع البسطاء وقتلهم لكسب التأييد الشعبي لحرب الإرهاب الصهيوأمريكية بالمنطق المعكوس ذاته، وفي الحالتين الفاعل واحد هو الإحتلال بجنوده وشركاته الدموية وعملاء الصهيونية المتمددين بأطرافهم وعقولهم علي أرض العراق وما تلك الدوامة التي وظفت العملاء وضعاف النفوس والعقيدة إلاّ جزء من مخطط يهدف لبروز عالم جديد ليس به غير فئة تحكم وتتحكم ورعاة مستضعفين يعملون لخدمة تلك الفئة العنصرية النازية التي تؤمن بأن البشر لم يخلقوا علي هيئة البشر إلاّ لخدمتهم فقط، وتتعالي نار الحقد في حالة من التشفي والتلذذ بمشاهد الدماء والأشلاء لذاك المواطن العراقي الذي لا يحتل أرضا ولم يقتل صهيونيا دون وجه حق، ومما لاشك فيه أن مثل هذه الجرائم تؤدي إلي التشويش علي تلك المقاومة النزيهة بل هي تلويث لها في أذهان العامة والذين يفتقدون النظرة التحليلية والربط مابين الوقائع واستقراء النتائج ومن هو المستفيد من هذا الدمار الذي يطال كل بيت في العراق هل هي المقاومة أم الاحتلال فالمواطن العادي البسيط المنشغل بما حلّ عليه من موت ودمار وجوع وتضييق منافذ الرزق تكتنفه الحيرة بينما هو يتساءل كيف يكون المجاهد مجاهدا وهومن يفجر نفسه في الأبرياء البسطاء ممن لاحول لهم ولاقوة فتضعف همته ويشكك في مقاومته بل وفي لحمته ووطنيته ويجد في الاحتلال ملاذا متوهما إنه الحامي والمنقذ.. وهكذا تختلط الأوراق وتتلاعب الآلة الإعلامية بحربها ضد الشعوب لتصوير المجرم بأدواته أيا كانت عربا أو عجما بالفاتح العظيم بينما البرئ إرهابي، مجرم، انتحاري، متطرف، متشدد وداع للكراهية والبغضاء وخذ من هذه الأوصاف ماتشاء لتعمر بها كتابات الانهزاميين العرب في وصفهم لرجال الأمة وأبطالها وضحاياها وحسبنا الله ونعم الوكيل. عن صحيفة الراية القطرية 3/2/2008