*الامانة العامة لهيئة علماء المسلمين بالعراق بسم الله الرحمن الرحيم (( والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر))سورة العصر أبناء شعبنا العراقي الأبي السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته تمر علينا الذكرى التاسعة والثمانون لثورة العشرين: ثورة الشعب العراقي على الاحتلال الانكليزي عام 1920م، تلك الثورة التي نحن أحوج ما نكون إلى استذكار أحداثها العظيمة، وفهم معانيها المباركة، إذ عبرت بصدق عن إباء شعبنا العراقي ورفضه للظلم، وعدم رضاه بالذل والمهانة، وان يده قوية وضاربة لمن يعاديه ويسيء إليه، سواء كان محتلا غازيا، أو معتديا ظالما وطامعا، وهو ابن تاريخه المجيد الذي أعطى دروسا بليغة في تاريخ البطولة والإباء، وما فعله آباؤكم وأجدادكم في هذه الثورة المجيدة خير شاهد على ذلك، ومنهم على سبيل المثال: المرحوم الشيخ شعلان أبو الجون في الرميثة في محافظة السماوة، والمرحوم الشيخ محمود الحفيد في السليمانية، والمرحوم جميل بيك في تلعفر والموصل، وغيرهم من الثوار الآخرين في مناطق العراق الأخرى من شمال العراق إلى جنوبه. وها انتم والحمد لله تسيرون اليوم على خطى الآباء والأجداد في معارضتكم للاحتلال الأمريكي ومشاريعه المشبوهة، ومقاومتكم البطولية له من الأيام الأولى التي وطئت قدماه ارض العراق الطاهرة والى اليوم، مقاومة شرسة أوقعت فيه ما لم يكن يتوقعه، وأجبرته على تغيير خططه وإستراتيجيته التي دخل بها العراق أكثر من مرة، وهي التي ستنهي وجوده في العراق بعون الله تعالى عاجلا أم آجلا، وليس سواها من الاتفاقيات والوعود الزائفة. أيها الأخوة الأعزاء لا يخفى عليكم ما حل ويحل في بلدنا العزيز العراق، على يد الاحتلال الأمريكي وحلفائه من الداخل والخارج على مدى السنين الست الماضية من عمر الاحتلال البغيض، من خراب ودمار، وسفك مستمر للدماء البريئة، وفساد سياسي واجتماعي، وكساد اقتصادي، ونهب للأموال، وتبديد للثروات، واعتقال لمئات الآلاف من الرجال وآلاف النساء الأبرياء والبريئات، الذين يتعرضون لأقسى أنواع التعذيب وحتى الموت أحيانا، كما يتعرض الكثير منهم للابتزاز والاغتصاب رجالا ونساء على حد سواء، في سجون الاحتلال والحكومة، ويضاف إليهم يوميا العشرات إن لم نقل المئات وبشتى التهم الزائفة، وذلك أرضاءً لشهوة الانتقام اللامبرر شرعا ولا قانونا ولا عرفا، وتخفيفا لمشاعر الخوف من المجهول القادم. إضافة إلى فقد الأمن، وفقد الخدمات الضرورية للناس وتفشي البطالة والفقر والجهل والمرض، وتهجير الملايين من أبناء الشعب العراقي داخل العراق وخارجه دون حل لمشاكلهم، وغير ذلك من الأوضاع الشاذة والمأساوية التي لا حصر لها والتي لم يعهدها العراقيون في كل تأريخهم الماضي. وللخروج أيها الأخوة الكرام من هذا الكابوس الأسود والنفق المظلم الذي وضعنا فيه الاحتلال، وعمليته السياسية الخائبة، ورموزها الفاشلون أو الفاسدون كما وصفهم أسيادهم بذلك، يجب علينا شرعا وعرفا ووطنيا أن نقوم بالأمور الآتية: أولا: التمسك بالوحدة الوطنية التي تتكسر على صخرتها القوية كل مؤامرات الأعداء علينا وعلى بلدنا، وهي التي كسّر على صخرتها الآباء والأجداد مؤامرات الأعداء السابقين من الانكليز وغيرهم، ولتحقيق هذه الوحدة، ينبغي علينا الابتعاد عن كل ما يسيء إليها من عوامل الفرقة والخلاف، كالدعوة إلى الطائفية والعنصرية والإقليمية والفئوية وغيرها من عوامل الضعف والاختلاف، وعدم تكفير بعضنا لبعض، إذ لا يجوز شرعا أن يكفر مسلم أخاه المسلم، أيا كان مذهبه، فلا يجوز أن يكفر السني الشيعي ولا الشيعي السني، وفي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيما رجل قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها احدهما، إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه))، وعدم الإساءة إلى معتقدات العراقيين ومقدساتهم ودور عبادتهم، من المساجد والحسينيات والكنائس وغير ذلك مما قد يؤدي التعرض له والإساءة إليه إلى الفرقة والاختلاف، الذي قد يستغله الاحتلال وعملاؤه، لإشعال نيران الفتن وتأجيج العداوات المفتعلة واللامبررة، التي اكتوى بنارها الكثير من أبنائنا للأسف الشديد، وأملنا أن لا تنطلي عليكم بعد اليوم مثل هذه الفتن والألاعيب بعد أن وعيتم مكر أعدائكم وأهدافهم المشبوهة فيكم وفي بلدكم، وعلمتم علم اليقين أنهم ما جاؤا لخيركم وخير بلدكم. ثانيا: العلم بحرمة دم بعضكم على بعض، فلا يجوز لعراقي شرعا أن يقتل عراقيا ظلما، مسلما أو غير مسلم، شيعيا كان أم سنيا، وهذا الأمر مما علم من الدين بالضرورة، وهو ما نص على حرمته القران الكريم والسنة النبوية الصحيحة في كثير من النصوص، منها قول الله تعالى: (( من قتل نفسا بغير نفسا أو فسادا في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا)) الآية 32المائدة. وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه)). وقد نبهنا إلى حرمة دم المسلم كثيرا وكررنا ذلك وأكدناه مئات المرات من بداية مسلسل الشر الذي جاء به الاحتلال وعملاؤه والى اليوم، في فتاوانا ومواقفنا وبياناتنا ومؤتمراتنا الصحفية وغيرها، وخاصة في الأحداث البارزة، كأحداث النجف والفلوجة عام 2004م، وهدم المرقدين في سامراء، ومؤتمر مكة، وفي التفجيرات الإجرامية الآثمة والمدانة، التي تودي بحياة الكثيرين من أبنائنا في كثير من المدن العراقية وبشكل يكاد يكون يوميا، والتي لا تخفى عليكم مصادرها والجهات التي تقف وراءها. ثالثا: رفض الإرهاب والظلم، اللذين يمارسان ضد أبناء شعبنا العراقي بكل أشكالهما ومصادرهما: من السجن والاعتقال، والتعذيب والاغتيال، والقتل الجماعي بالمتفجرات وغيرها، واعتبارها من الأمور المحرمة شرعا والمرفوضة عرفا وإنسانيا، التي يجب فضح الجهات الحقيقية التي تقف وراءها ومعاقبتها على سوء أفعالها الإجرامية. رابعا: استمرار المعارضة للاحتلال، وتأييد المقاومة له التي تسعى إلى تحرير العراق واستعادة حرية أبنائه وكرامتهم المسلوبة، لأنها مقاومة كل العراقيين بكل أطيافهم ومكوناتهم من شمال العراق إلى جنوبه، وهي ترى في ثورة العشرين صورة مشرقة، إذ جمعت العراقيين على صعيد واحد ضد الاحتلال الإنكليزي، وسمت بهم على الهواجس والحساسيات الفئوية والطائفية والعرقية، وقد ذكر لنا تأريخ ثورة العشرين: أن احد قادة الاحتلال الانكليزي قد اجتمع بعدد من شيوخ القبائل غرب العراق، وقال لهم: إذا أعطيناكم حكومة، فممن يكون رئيسها؟ من السنة من الشيعة؟ من العرب من الأكراد؟ فقال له احد الشيوخ الحاضرين في هذا الاجتماع: أتركونا وأمرنا، ونحن نختار الرئيس المناسب لنا، سنيا أو شيعيا عربيا أو كرديا، وترك هذا القائد الانكليزي الاجتماع غاضبا، وهذا الموقف يدلل على أن الآباء والأجداد في ثورة العشرين كانوا على مستوى عال من الوعي السياسي والديني والوطني يفوق وعي أكثر السياسيين والمثقفين اليوم، من المعممين وغيرهم، من الذين غرقوا في بحر السياسة المصلحية المجردة، من اجل جمع المال الحرام والمناصب الهزيلة في ظل الاحتلال فأسهموا في تدمير بلدهم وشقاء أبناء جلدتهم. وحري بكم أيها العراقيون النجباء أن تقتدوا بهؤلاء الآباء والأجداد الاماجد، فتتساموا على كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الفرقة والخلاف، وتقفوا وراء مقاومتكم الباسلة، ولا تلتفتوا إلى الحاسدين لها والمشككين بأهدافها والمفترين عليها، فهي لكم جميعا، وهي منكم وتسعى لخيركم واستعادة كرامتكم، وهي المشروع الوحيد والطريق الصحيح لتحرير بلدكم من الاحتلال الأمريكي وتخليصكم من آثاره المدمرة لبلدكم وسعادتكم... وما ذلك على الله بعزيز. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.