الديمقراطية التوافقية = المحاصصة الطائفية والعرقية
*الدكتور نوري غافل الدليمي
إن مصطلحات مثل (طائفية ومذهبية وعرقية وأكثرية وأقلية وتوافقية)- على حد علمي وخبرتي المتواضعة- لم تكن موجودة في العراق أو على الأقل لم تكن مستعملة أو متداولة بشكل رسمي، بدليل أن كل الحكومات العراقية السابقة ومنذ تأسيس الدولة العراقية في أوائل العشرينات سواء أكانت حكومات مدنية أو ديمقراطية أو عسكرية لم تتبن ذلك مطلقا وبدليل أن مؤسسي المؤسسة العسكرية العراقية هم من الأكراد ومؤسسي الحركات والأحزاب السياسية جُلهم من الشيعة.
إلا أن أول تداول واستخدام رسمي لهذه المصطلحات المقيتة جاءت مع الاحتلال الأمريكي الغاشم للعراق وطبقها الحاكم المدني بول بريمر عند تشكيله لمجلس الحكم وأصبحت بدعة تحولت إلى ضلالة توارثها الذين استلموا مقاليد الأمور بعد بول بريمر.
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو هل إدخال هذه المصطلحات كان بمجرد الصدفة والظروف أم أنها عملية مقصودة؟.. الجواب لأي عاقل لا يمكن إلا أن يكون (إنها مقصودة ومدروسة ومخطط لها جيدا) بقصد تمزيق العراق والدول العربية والأمة الإسلامية كلها.
ما يهمنا الآن ما يتردد من مصطلحات (ديمقراطية الأكثرية أم الديمقراطية التوافقية؟)..ببساطة نقول نعم للديمقراطية... ونعم لديمقراطية الأكثرية البرلمانية... ولا وألف لا للديمقراطية التوافقية... ولا ومليون لا لديمقراطية الأكثرية العرقية والمذهبية والأثنية... أنا واثق إن جواب كل العراقيين هو نعم للديمقراطية ونعم لديمقراطية الأكثرية البرلمانية...ونعم لتشكيل الحكومة من قبل الأكثرية البرلمانية ولينصرف باقي أعضاء البرلمان من الكتل الأخرى إلى واجباتهم التشريعية والتقويمية والتصحيحية والمعارضة البناءة وليس الهدامة، المعارضة التي يجب أن يكون هدفها الأسمى (مصلحة العراق العليا)... أي أن ما يسمى الموالاة والمعارضة لديهم هدف مشترك اسمه (العراق).
في ديمقراطية الأكثرية (البرلمانية وليس الأثنية والمذهبية) تتحمل الحكومة كامل المسؤولية أمام الشعب الذي هو مصدر الدستور ومصدر السلطات.
أما الديمقراطية التوافقية فهي تُنتج لنا حكومات ضعيفة وفاشلة وغير متجانسة لا يكون ولاء الوزراء فيها للحكومة والدستور وإنما الولاء إلى الكتل والطوائف والمذاهب والأعراق أي أنها طائفية ومذهبية وعرقية... ولقد أثبتت الوقائع فشل ما اريد لها ان تكون حكومة وحدة وطنية لأنها لم تطبق هذا المفهوم في الواقع الفعلي والعملي لان الكتل والطوائف والمذاهب والأعراق جاءت بوزراء بل وفرضت وزراء بعضهم ومع الأسف لا يعرف معنى الكفاءة أو النزاهة أو الوطنية الحقة..
.نعم لقد فرضت الديمقراطية التوافقية على رئيس الوزراء نوري المالكي وزراء بعضهم من فئة (النطيحة والمتردية)...ولقد عانى منهم رئيس الوزراء من السنة الأولى وحاول تبديل بعضهم إلا أن الديمقراطية التوافقية حالت دون ذلك باستخدامها مبدأ النقض (الفيتو) في كل مرة.
ما العيبُ إذا تشكلت حكومة كفوءة كلها من الشيعة؟ وما العيب إذا تشكلت حكومة كلها من السُنة أو الأكراد؟ والله لا عيب، ولكن المصيبة أن تفرض على رئيس الحكومة وزراء لا يستحقون اعتمادا على التوافق.
إن بعض السياسيين وبعض الكتل لا تروق لهم (ديمقراطية الأكثرية النيابية) لأنهم مقتنعيين بأنه لن يكون لهم مكانا في الانتخابات المقبلة وسيفقدون امتيازاتهم لذلك فهم يتشبثون بمبدأ الديمقراطية التوافقية.
لنكن جريئين وشجعان ونقول نعم لديمقراطية الأكثرية البرلمانية التي تتكون من مختلف الكتل والأحزاب والتي تنتج عن انتخابات شفافة ونزيهة يشترك فيها الجميع دون تهميش أو استثناءات أو خطوط حمراء لأنها السبيل الوحيد الذي نستطيع من خلاله التخلص من المحاصصة الطائفية والمذهبية والعرقية المقيتة ونخلق حكومة مركزية قوية وسلطة تشريعية أقوى.