الصادق المهدي فخامة الرئيس..نرحب بكم بمناسبة زيارتكم لمصر لمخاطبة العالم الاسلامي ويسرنا الاستماع اليكم من منطلق الحوار مبينين أن السياسات الأمريكية السابقة باعدت بين أمتنا وبلادكم نحو عداء مستحكم بين طرفين مهمين من أهل الأرض يقود العداء بينهما لتدمير كوكبنا مثلما تقود المودة بينهما لتعميره.
في مراحل تاريخية مفصلية لعبت الولاياتالمتحدة دورا بناء في تطور الانسانية: مباديء ولسون الهادية بعد الحرب الأطلسية الأولي وبعد الثانية مبادرات روزفلت والحلفاء المؤسسة للنظام الدولي الحالي والذي تعثر بسبب الحرب الباردة وكان ينبغي بعدها مراجعته وقد تكون في غيبة دول المحور والدول الاسلامية والعربية والأفريقية واللاتينية.
ولكن الدور الأمريكي تطلع للهيمنة والاملاء بطموحات قرن أمريكي جديد تبناها المحافظون الجدد أو اليمينيون الراديكاليون معتبرين الانتصار بالحرب الباردة نصرا أمريكيا يبيح للمنتصر فرض شروط السلام واتخذوا حوادث2001/9/11 م المؤسفة مبررا لفرض إرادة أحادية استباقية علي العالم فمضوا دون التفات لتكاليف الهيمنة مما أدي ضمن عوامل عديدة لحالة الكساد المالي ثم الاقتصادي في سبتمبر2008 م أي أنه لدي نهاية عهد الرئيس بوش انهار النظامان الدولي والاقتصادي بشكل يوجب المراجعة وتواقت انتخابكم مع الحاجة للاصلاح مجسدا لتطلع الشعب الأمريكي وشعوب العالم لآفاق جديدة لذلك أقدمنا لبسط رؤانا للتجديد المطلوب.
المطلوب مراجعة نظام الأممالمتحدة الحالي ونظمه المتخصصة لجعله أكثر إحاطة ومشاركة ومساءلة وشفافية وعدالة إنسانية. ومراجعة مؤسسات الادارة الاقتصادية العالمية لجعلها أكثر تجاوبا مع مطالب التنمية والعدالة الاجتماعية. وأن تضع لجنة فنية مشروعا شاملا بالاصلاح وتجري حوله مشاورات واسعة للاتفاق علي نسخة جديدة للاتفاقيات تخاطب المستجدات. نحن نرتب لحلقات دراسية تحدد تفاصيل الاصلاح للمشاركة بالمشاورات المرجوة.
هنالك أزمات عالمية تغذي الاضطرابات الدولية ينبغي التحرك السريع لاحتوائها نذكر بعضها في العوالم الإسلامية والعربية والإفريقية.
العالم الإسلامي : في2001/9/11 م, نعم أقدم مسلمون علي هذه الأنشطة ولكن بارتباطات دولية: فالجهاد في أفغانستان وحركة طالبان بعد جلاء السوفييت وتنظيم القاعدة كانوا بتشجيع من الغرب وحزب الله وحماس تكونا لمقاومة العدوان والاحتلال الاسرائيليين. صحيح دولة طالبان جلبت لنفسها الحرب لاستضافتها القاعدة ولكن بناء الدولة بعدها اعتمد علي القوات الأجنبية التي قصفت أهدافا مدنية فألبت قواعد شعبية وقبلية وتحولت حركة طالبان لحركة تحرير وطني. ولا جدوي لمحاولة هزيمتها عسكريا بل جلاء القوات الأجنبية وترك شعب أفغانستان ليقرر مصيره دون وصاية.
إن الموقف الباكستاني يتجه لاستنساخ الأفغاني إن تحالف حكومة مشرف مع القوات الأجنبية أفقدها شرعيتها وحكومة زرداري المنتخبة أضعفت شرعيتها باستئناف دور مشرف والمطلوب أن تعمل القوي الوطنية علي وفاق شامل يحقق التراضي بين الكافة بعد حسم مسألة كشمير وفق قرار الشرعية الدولية.
العداء لأمريكا بإيران يعود لتوظيف نظام الشاه شرطيا لمصالح غربية في الخليج ثم تراكمت أسباب العداء بعد الثورة سياسات أمريكا بالمنطقة لا سيما غزو العراق عززت موقف ايران وسيتمدد نفوذها ما تمدد دور إسرائيل, إيران موقعة علي اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية ومستعدة للالتزام بالاستخدام المدني للتكنولوجيا النووية وتخشي قيام أمن منطقة الخليج علي عزلها. إن دخولها منظومة بالاستخدام المدني للتكنولوجيا مطالب مشروعة. والمدهش هو السماح لاسرائيل بالانفراد بالتسلح النووي وتوقع استكانة الآخرين. لا يمكن منع سباق التسلح النووي بالمنطقة إلا بجعلها خالية من السلاح النووي.
سياسات الادارة الأمريكية السابقة خلقت انطباعات سلبية في الجانب الحربي فانطلقت عبارات الإسلاموفوبيا والفاشية الاسلامية وفي الجانب الإسلامي بشيطنة أمريكا وقام جدار نفسي وثقافي أعطي مراكز الهيمنة الغربية ذخيرة سياساتهم القمعية وأعطي تيارات الغلو مادة سخية لتجنيد الراغبين, إن نبرة أحاديثكم لا سيما بتركيا إيجابية بعد أحاديث سلفكم المتغطرسة ولكن المطلوب تحرك سريع يقوم علي رؤية تفتح صفحة جديدة تعترف باستقلال الدول الإسلامية وتتخذها طرفا بعلاقات سلام وتعاون وعدالة.
العالم العربي : العلاقة المتوترة بين الولاياتالمتحدة والعالم العربي هي ثمن غرس شعب وافد بأرض شعب مقيم دون رضاه ورغم أنف شعوب مجاورة يشاركونه الهوية القومية والدينية مما يمثل خطأ قانونيا وخطيئة أخلاقية.
الأطروحة الصهيونية تقوم علي أن اليهود مضطهدون عالميا ويحصنون بجمعهم بدولة واحدة وأن أرض فلسطين خالية وهبها لهم الرب وأن ميزان القوي الدولية داعم لذلك وأن الدول العربية المحيطة تحت وصاية وبلا ارادة مستقلة تحققت هذه الرؤية أثناء الستين سنة الماضية ولكن اليهود تحولوا الآن لطفل مدلل لا سيما بأمريكا ولن يعود أغلبيتهم لاسرائيل ومهما أمكن إلزام الدول العربية.
فإن صحوة شعبية واسعة أدت لحركات مقاومة لم تستطع إسرائيل إخمادها كذلك تأكد بالعراق وأفغانستان أن الترسانة الأمريكية فاعلة للمواجهة المتكافئة وفاشلة في احتواء مقاومة غير نظامية وأن الارادة الأجنبية فاشلة تماما في بناء الدولة. فتدهور موقف أمريكا الاستراتيجي كما موقفها الاقتصادي ولم يعد أمامها غير السياسة والدبلوماسية وسائر وسائل القوة الناعمة.
ولابد أن تدرك أن الانحياز المطلق لاسرائيل كلفها ودمر نفوذها فلا يمكن أن تكون مصالحها أكثرها مع العرب ومواقفها أغلبها مع أطماع إسرائيل.
كل مشروعات عملية السلام عقيمة ولا أحد يتوقع من أمريكا التخلي عن اسرائيل وبقائها وأمنها. ولكن المهم أن تؤكد أمريكا تطبيق كل القرارات الدولية بشأن فلسطين دون قيد أو شرط وتدين سياسات إسرائيل العدوانية التوسعية وتطالبها بتصفية المستوطنات وبإزالة الجدار العازل وألا تسمح بصرف دعمها لإسرائيل في وجوه غير قانونية.
لقد استمرت إسرائيل في فرض وجودها لا كدولة مدنية خاضعة للقانون الدولي بل كتجسيد للأيديولوجية الصهيونية التوسعية مواصلة إملاءها بالاستناد للتفوق العسكري والابتزاز النووي والدعم الأمريكي الذي تؤمن استمراره مجموعة أمريكية تفرض سياسات إسرائيل علي سياسة أمريكا دون اعتبار لمصالح أمريكا القومية. هذا الموقف الغريب لا يمكن استمراره وسيثير ردة فعل مضادة بأمريكا وبالمنطقة بحجمه وعمقه وفي الاتجاه المضاد مما يرشحها لحروب مستمرة تشعل حربا عالمية.
العراق: لا مجادلة في فساد وطغيان النظام الذي كان يحكم العراق ولكن إطاحته بغزو أجنبي جلبت مساويء أخري. بالعراق الآن آليات ديمقراطية ولكن كذلك انقسامات طائفية وإثنية تؤدي لتمزيقه وتشد نفوذا أجنبيا لتصفية حساباته والحل هو إقامة منبر جامع يضم القوي داخل العملية السياسية وخارجها للاتفاق علي الابقاء علي إيجابيات ما تحقق وعلي مصير حكم البلاد وعلي صيغة للمساءلة عن تجاوزات الماضي بمباركة جيران العراق فيلتزم الجميع باتفاقية أمن إقليمي وباعتراف دولي. ويصحبه جلاء القوات الأجنبية واعتذار أمريكي عما لحق بالبلاد نتيجة حملة عسكرية معتمدة علي مبررات زائفة.
هذا الدور الأمريكي مهم لمساعدة العراقيين للخروج من المستنقع الذي تردوا فيه.
النفط: النفط والغاز يمثلان عنصرا مهما أسهم ببناء علاقة خاصة بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل وبينها وبين بعض النظم العربية ووضعها هدفا لحركات التحرير, النفط مصلحة مشتركة للمنتجين والمستهلكين وتنظيم شئونه كسلعة مهمة ممكن علي ألا يكون جزءا من معادلة هيمنة نظم الحكم ينبغي أن تكون شأنا داخليا لسكان المنطقة.
الديمقراطية: العالم كله يتجه للالتزام بنظام عالمي يكفل حقوق الانسان والحكم الراشد ولكن الطريقة التي اتبعتها ادارة بوش أضرت بقضية الديمقراطية: أظهرتها كخيار منافس في الأولوية لحل أزمات المنطقة القومية وبدا نفاقها برفض قبول نتائجها حينما جاءت بقوي ترفضها وتعدت علي حقوق الانسان فأطاحت بمصداقيتها وظهر عدم جديتها ببحث التحول الديمقراطي مع جهات ليست حريصة عليه.
إنها مطالب وطنية داخلية ينبغي أن تتحرك فيها قوي سياسية ومدنية ذاتية وينبغي حصر الموقف الأمريكي بإعلان القيم والمباديء وتأكيد اقتران دعمها للدول بسجل الحقوق والحريات وترك الخيار للبلدان أن تقرر ما تفعل.
المشهد العربي اليوم منقسم بين حكومات ومطالب شعبية وسنة وشيعة وموالاة وممانعة وينبغي البحث عن محاولات وفاقية في هذه الملفات ولكن إدارة بوش استغلت التناقضات وهو نهج خاطيء وسيزيد من عدم الاستقرار ويضر الجهة التي تقف الهيمنة الدولية إلي جانبها.
الانحياز المطلق لاسرائيل واستخدام النفط كسلعة استراتيجية للهيمنة والربط بينها في السياسة الأمريكية نحو الشرق الأوسط مما جعل هذه السياسة الأبعد عن الموضوعية والأكثر حاجة للاصلاح. وستكون المقياس لصدقية وجدية شعار التغيير الأمريكي.
إفريقيا : مشاكل أفريقيا الأساسية داخلية تواجه قواها السياسية بالتصدي لتحديات بناء الدولة الوطنية وإنهاء الحروب الأهلية والبينية وإقامة الحكم الراشد وتحقيق التنمية وكفالة الأمن القومي والتعاون الاقليمي عبر الحدود القطرية ومواجهة الأوبئة الفتاكة. مجرد انتخابكم رئيسا للولايات المتحدة كان له فعل السحر في إحساس الانسان الأفريقي بالفخر وايجاد مناخ أكثر إيجابية نحو أمريكا. وانطلقت تطلعات كبيرة نحو مايمكن لأمريكا أن تحققه لصالح إفريقيا في مجالات:
التنمية: ومعدلاتها متدنية وستصير سالبة نتيجة للكساد الاقتصادي العالمي الذي صنعه الأغنياء ويدفع الفقراء بعض تكاليفه والمطلوب توفر الارادة السياسية لانحياز دولي بشراكة استراتيجية تضخ أموالا ضخمة للبناء التحتي وللاستثمار ومراجعة مؤسسات الادارة الاقتصادية العالمية لدعم التحولات التنموية بأفريقيا.
الأخ الرئيس باراك أوباما. لقد أطلقت شعارا ملهما يتطلع للتغيير في الولاياتالمتحدة نحو حياة أفضل وأعدل والعالم كله يتطلع للخروج من واقع مأزوم لحياة أعدل وأفضل. نعم تعاني شعوبنا من أخطاء ومظالم داخلية تواجه قواها السياسية بتحديات كبيرة ولكن الولاياتالمتحدة شاركت بكثير من السلبيات التي نعاني ويعاني منها العالم. لذلك نراهن علي شعار التغيير ونأمل أن تتحقق برامجه. وأول خطوة نحو التغيير المطلوب تبدأ بالاستماع لأصحاب المصلحة الحقيقية فيه فالقيادة نهج رشيد والإملاء نهج بغيض.
*رئيس وزراء السودان الاسبق - رئيس المنتدى العالمي للوسطية