لماذا اكترثت واشنطن باغتيال الحريري وتجاهلت مصرع بوتو؟ أسد ماجد تريثت قليلا قبل كتابة هذا المقال لانتظر هل ستجد دعوة زوج الراحلة بي نظير بوتو آصف رزداري وولدها بيلاول آذانا صاغية في أروقة واشنطن وأوروبا للبدء بتحقيق دولي بشأن مقتل الزوجة والام على غرار المحكمة الدولية التي انشئت للتحقيق بمقتل رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري تماما كما جاء على لسان زوج بوتو ومن ثم العديد من افراد «حزب الشعب الباكستاني» الذي كانت تترأسه الراحلة.. وهل وصلت بهم السذاجة السياسية الى هذا الحد ام ان الفاجعة كانت اكبر من ان تجعلهم يحللون ما يدور حولهم لذلك نعذرهم فالمصيبة كبيرة لكن ان تستجيب واشنطن وبوش بالذات الى فتح تحقيق دولي بشأن مقتل بوتو فهذا بمثابة نكتة لان بوش وحسب مصالحه السياسية والاقتصادية يعتبر مقتل بوتو بالنسبة اليه ولادارته كانها رقم من الارقام التي قضت في طورا بورا او كابول او موسى قلعة وهذا ما سيعرفه ابن بوتو بيلاول عندما ينضج سياسيا ويصبح في عمر يسمح له بتحليل ما جرى. وليس لبوش وادارته مصلحة ولو واحد بالمائة لاحالة قضية مقتل بوتو الى التحقيق الدولي اما اهتمامه بمقتل الحريري فلذلك شأن آخر فبوش في لبنان يلعب لعبة البليارد الشهيرة حيث عليك ان تضرب عدة كرات بعضها ببعض لتسقط كرة واحدة وهكذا يلعب بوش يلف ويدور ويذرف الدموع على الحريري ويضرب الكرات كي يسقط كرة المقاومة اي «حزب الله» وكرة سوريا هذا ان استطاع. وربما يقول احد مؤيدي بوتو انه لا فرق بين الحريري وبي نظير هو كان رئيسا للوزراء لعدة مرات في لبنان وبوتو ترأست الوزارة في باكستان مرتين وهي ثرية جدا ولديها استثمارات خارج اسلام اباد تتعدى الخمسة مليارات دولار وكذلك الحريري من اكبر اثرياء بني جلدته ولديه استثمارات مهمة خارج بلده والاخير مسلم سني وكذلك بوتو مسلمة سنية وكم كانت حليفة لاميركا والغرب تماما كالحريري والاثنان كانا خارج رئاسة الوزراء ويعملان بكل قوة ليعودا على رأس الحكومة في بلديهما حتى ان بوتو قتلت في نفس اللحظة السياسية المشابهة للحظة مقتل الحريري حيث اغتيلت المسكينة بعد التجديد لولاية الرئيس برويز مشرف خلف ديمقراطية مشكوك بأمرها وسط توتر سياسي لدرجة الغليان وكذلك حال المسكين الآخر رفيق الحريري قتل عشية التجديد للرئيس لحود وسط اختلافات سياسية لبنانية بينة براسها مطرقة القرار 1559 على رأس لبنان وسوريا فأوجه الشبه بين الضحيتين كبيرة جدا من وجهة النظر الأميركية فلماذا قامت الدنيا ولم تقعد لمقتل الحريري بينما مر مقتل بوتو مرور الكرام يرافقه كلمات اسى عادية جدا للناطق باسم البيت الابيض كالاسف على ما جرى في روالبندي ولم تكلف واشنطن نفسها ارسال وفد رفيع للمشاركة بتشييع بوتو او حتى مسؤول ذي اهمية حط فجأة مسؤول في كاراتشي للبحث في امكانية مساعدة الحكومة الباكستانية بشأن التحقيق او لملمة جراح الشارع المنكوب بمقتل زعيمته حليفة اميركا. أما في لبنان اثر مقتل الحريري فكان كل شيء مرتبا ومنسقا وجاهزا وينتظر كبسة الزر فبعد ساعتين من الاغتيال امتلأت شوارع بيروت بمناصري «حزب التقدمي الاشتراكي» الموالي لوليد جنبلاط وبحزب «القوات اللبنانية» الموالي لسمير جعجع وفلول «الكتائب» و«الاحرار» وبعض شباب بيروت الذين يستفيدون ماليا من الحريري يطالبون جميعا برحيل القوات السورية من لبنان وبأقل من ساعتين تمت تصفية العشرات من العمال السوريين الابرياء وترحيل عدد كبير من العائلات السورية القاطنة في مناطق نفوذ جنبلاط والحريري والقوات اللبنانية والكتائب. رافق ذلك كله تحرك اميركي سياسي كبير اهمه قرار اغلاق السفارة الاميركية في دمشق وسحب السفيرة الاميركية ومغادرتها العاصمة السورية وفي اليوم التالي للجريمة وصل الى لبنان مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط ديفيد ساتيرفيلد (كان سفيرا لبلاده في لبنان قبل منصبه المذكور)اجتمع بقوى «14 آذار» وصرح من على مركز بكركي انه يرفض تدخل قوى خارجية بشؤون لبنان مهما كانت قوتها لكنه يسمح لنفسه وادارته بالتدخل كما يشاء فتوجهت اصابع الاتهام كلها داخليا وخارجيا بتوجيه اميركي الى سوريا وكانت الاصوات ترتفع بمعاقبة القاتل واعدامه في نفس المكان الذي قتل فيه رفيق الحريري. هذا كله تم في ساعات قليلة وكأن السيناريو جاهز للفيلم كله واللافت للنظر ان كميات الدموع التي ذرفها وليد جنبلاط وامين الجميل وساتيرفيلد ورايس وبوش كانت اغزر بكثير من دموع اقرب المقربين للراحل الحريري مثل زوجته نازك واخته بهية ونجله بهاء بالاضافة الى مساعديه المقربين المخلصين له كالنائب والوزير بهيج طبارة ومهيب عيتاني كانوا جميعهم متماسكين صابرين وراضين بما قسمه ربهم اما امين الجميل وفارس السعيد وجبران تويني وسمير فرنجية الذين كان محرما عليهم دخول قصر قريطم ابان حياة رفيق الحريري فقد اخذوا يصولون ويجولون في اروقته لدرجة ان بعض الصحف اللبنانية دعت امين الجميل ان يخفف حركته في قريطم وان لا ينادي بكشف الحقيقة. وتساءلت الصحيفة يومها ان امين الجميل عندما تسلم رئاسة الجمهورية عام 1982 على متن الدبابة الاسرائيلية كان قاتل اخيه بشير الذي قتل وهو رئيس جمهورية قد اعتقل وهو من آل الشرتوني في عهد امين الجميل وبقي القاتل بين يدي امين دون ان يحرك ساكنا او يدفع ملف اخيه الى النهاية مع انه اعدم اثنين من المحكومين قضائيا بحوادث قتل وكذلك تعامل مع مقتل نجله النائب والوزير بيار الجميل الذي اغتيل في 21 نوفمبر 2006 مما حدا برئيس «تيار المرده» الرئيس سليمان فرنجية اعلان اسماء قتلة بيار الجميل من على شاشة التليفزيون واشار الى اماكن تواجدهم ودعا الدولة لالقاء القبض عليهم فورا. لكن الجميل الاب رفض التعامل مع تلك المعلومات التي توصل الى اعتقال قاتلي ابنه بل لبس ثوب «الوطنية» وقال ان المسألة بيد القضاء دون التعليق على المعلومات التي اشار اليها سليمان فرنجية ونراه اليوم اكثر من ذرف الدموع على رفيق الحريري واكثر المنادين بكشف الحقيقة وكذلك فعل جنبلاط وجعجع كم ذرفا الدموع على الحريري وكم طالبا بكشف الحقيقة وتساءل لبنانيون كثيرون من يكشف حقيقة الالاف من ضحايا جعجع وجنبلاط وبشأن الدموع نتذكر قول الرسول محمد (ص) عندما سأله احدهم من اشد الناس نفاقا يا رسول الله فقال (ص): من ملك دموع عينيه. ويبدو من متابعة الاحداث وتباين الصورة بين مقتل بوتو والحريري ان الزعماء اللبنانيين وخاصة الشياطين التقطوا الاشارة الاميركية بمهارة وبرمجوا تحركهم على ايقاع عزف موسيقى بوش بشأن القاتل والقتيل حيث رددوا كلهم كلمات واحدة باتجاه سوريا والمطالبة بتحقيق دولي وخروج السوريين وسحب سلاح المقاومة واستحضار قوات دولية لحماية لبنان لكن الحقيقة لحمايتهم وحماية مصالحهم. والهدف الوحيد من كل هذه المطالب التي تولى تسويقها جنبلاط وجعجع والجميل وسعد الحريري هو المقاومة وسلاح حزب الله ورأس حسن نصرالله تحت حجة المطالبة بدماء رفيق الحريري ظنا منهم ان انشاء محكمة دولية برعاية اميركية ستجر رؤوسا كبيرة للمحاكمة مثل الرئيس بشار الاسد وحسن نصرالله وميشال عون وطلال ارسلان وسليمان فرنجية واميل لحود. وكان بوش يطلع علينا بشكل يومي يردد بتحقيق هذه المطالب لدرجة انه اعتبر ان حكومة السنيورة مرتبطة بالامن القومي الاميركي. في نفس الوقت الذي لم نلحظ شيئا من هذا القبيل اثر مقتل حليفة اميركا في باكستان بي نظير بوتو وها قد مضت الى حيث هي الآن دون اكتراث او دعوات اميركية او افراز شخصيات باكستانية تحرك الشارع على غرار قوى «14 اذار» في لبنان فلماذا ياترى؟ والجواب بسيط ففي باكستان وحولها وعلى حدودها كافة لا وجود لسوريا ولا لحزب الله ولا من يهدد مصالح اسرائيل رغم القوة الهائلة لتنظيم «القاعدة» في باكستان وعند حدودها مع افغانستان ولا ضير ان رحل الرئيس مشرف او بقي لكن السنيورة وحكومته البتراء التي اصبحت وجها لوجه مع سوريا وحزب الله واللبنانيين الشرفاء تمثل الديمقراطية الحقيقية عند بوش وادارته. ولاهتمام اميركا الزائد بشأن مقتل الحريري تخطت الدستور اللبناني وخرقته مع حلفائها في لبنان وتبنت المحكمة الدولية في مجلس الامن من خلال رسالة عادية من نواب 14 اذار مخالفين بذلك الدستور اللبناني الذي حصر توقيع رئيس الجمهورية وحده دون سواه بشأن الاتفاقات الدولية التي يبرمها لبنان..انه حرص اميركا والمجتمع الدولي للتوصل الى قاتل رفيق الحريري. ونلفت انتباه اسرة بوتو وحتى اسرة الحريري ان الساحات العالمية شهدت في العصر الحديث اغتيالات سياسية مؤلمة اشد تأثيرا في عالم السياسة من الف بوتو والف الحريري مثل الامين العام للأمم المتحدة برنادوت الذي قتلته عصابات الهاغانا الصهيونية برئاسة ديفد بن غوريون في القدس عام 1949 والامين العام للامم المتحدة الاخر همر شولد الذي قتل في ظروف غامضة عام 1961 في الكونغو ومن ينسى السادات الذي قدم لاميركا واسرائيل خدمات جليلة وكذلك شاه ايران وصدام حسين الذي وضع الجيش العراقي طيلة ثلاثين عاما في خدمة السياسة الاميركية فتارة يدفع بجيشه لقتال ايران مدة ثماني سنوات بحرب اميركية بامتياز وطورا يدفعه لاحتلال الكويت ومرات عديدة يحشده على حدود سوريا لتمرير قرار اميركي ما ومع ذلك اعتقلته اميركا نفسها واعدمته واعدمت كل من ساعده وساهم ببناء نظامه ومع ذلك لم يرف جفن واحد لاميركا لمقتل هؤلاء جميعا والسبب ان بين هؤلاء وحولهم لا وجود لمن يزعج اسرائيل ويشكل خطرا عليها. اننا نحزن لحال اسرة بوتو وحزبها الذين طالبوا بتحقيق دولي دون ان ينتبهوا لما حولهم فلا سوريا ولا حزب الله فلماذا ستسرع اميركا لاقامة محكمة دولية للمطالبة بدماء بوتو. ولم تكتف اميركا بما ذهبت اليه في لبنان بشأن مقتل الحريري بل وضعت البلد كله بين يديها رهينة لا لسبب الا لوجود المقاومة وقادتها على ساحته حتى وصل بها الامر الى شن اشرس حرب اسرائيلية على ذلك البلد العربي الصغير في صيف 2006 للقضاء على حزب الله واعتقال قادته ووضعهم في سجن على غرار معتقل غوانتانامو. لكن ولله الحمد فشلت اميركا واسرائيل وحلفاؤها في لبنان بتحقيق هذه الامنية وليهنأوا بمحكمتهم الدولية التي جعلوها منصة للانقضاض على من يشاؤون من شرفاء لبنان وسوريا. وليكف حزب بوتو واسرتها عن المطالبة بتحقيق دولي فانهم لن ينالوا ما نالته قضية الحريري فحيث هناك سوريا وحزب الله وقوى تزعج اسرائيل هناك طبول حرب اميركية وتهديد مستمر بحروب اهلية كي تنام اسرائيل دائما قريرة العين. عن صحيفة الوطن القطرية 12/1/2008