أميركيون جدد وأميركا جديدة جهاد المومني لم تحدث مفاجأة صناديق الاقتراع كما توقعها كل من عرف التركيبة الحقيقية للشعب الاميركي ومشاعره المتضادة ، بل افاق العالم على مفاجأة أخرى هي فوز الملون باراك اوباما بارفع المناصب الاميركية بأصوات السود والبيض على السواء ،وقد يقتضي الحال الجديد بما حمله من متغيرات مدهشة التحليل العميق للأسباب التي دفعت بالاميركيين للانقلاب على ثوابتهم التاريخية التي ترافق قيام الدولة العظمى منذ نشوئها قبل حوالي مائتين وخمسين سنة ،فالابيض انتخب الابيض ولم تسمح تقاليد الافضلية للعرق بوصول السود الى المناصب الرفيعة . وفي اجتهادات أولية لتفسير ما حدث لا يختلف اثنان على نسب سبب هذا التغيير الهائل الى سياسات المحافظين الجدد وعملهم في ادارة شؤون الولاياتالمتحدة وعلاقاتها داخليا وخارجيا طوال الفترة الماضية من حكمهم ،ويعتبر ملايين الأميركيين ان وصول المحافظين الجدد الى البيت الابيض كان اسوأ حدث في تاريخ بلدهم ،وقد استمرت العبودية الجديدة للطيش والتهور لثماني سنوات عانت فيها الولاياتالمتحدة من كل ما هو سيئ ومسيئ ، ففي عهد المحافظين الجدد فقط تعرضت الولاياتالمتحدة لاول مرة في تاريخها لضربة في عقر الدار نفذتها القاعدة ،ولاول مرة في العصر الحديث تسير الولاياتالمتحدة جيشا يستنفد مقدراتها المالية والبشرية لاحتلال دولة اخرى بدعوى نشر الديمقراطية فيها لتنتهي الحملة باحتلال حقيقي لدولة مستقلة لا يختلف الا قليلا عن الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية. ولان ربع الاميركيين على الأقل ما زالوا يعيشون اثار حرب فيتنام ومصائبها وجميع هؤلاء من الناخبين لم تجد حرب ادارة بوش ضد العراق ترحيب الناس وهتافهم خاصة وانه ما من بوادر لربح هذه الحرب والعودة بالجنود الاميركيين الى وطنهم منتصرين ، لقد كمن الاميركيون للحزب الذي ادار هذه الحرب ليسقطه ولو لمصلحة اميركي ملون ،فالحقيقة التي اظهرتها الحملة الانتخابية ان المنافسة لم تكن بين شخصين وإنما بين حزبين احدهما ارتكب الفظائع بادارته المهووسة ويجب ان يخسر الانتخابات،فالذي انتصر لم يكن باراك اوباما وإنما الحزب الديمقراطي الذي سبق ان سيطر على الكونغرس في اول انتخابات بعد الحرب على العراق ولنفس الاسباب مجتمعة . لقد شهدت السنوات الماضية حالة وعي أميركي بدأ عندما شاهد كبارهم وصغارهم الكبرياء الاميركي ينهار امام عيونهم في الحادي عشر من سبتمبر 2001 ،ووفرت وسائل الاعلام وخاصة الانترنت المعلومات للأميركيين الشباب لمعرفة الكثير عن بقية العالم ومعاناته جراء سياسات بلدهم ،وقد قدمت مجريات وتكاليف الحرب على الارهاب درسا بليغا للاميركيين خاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع بقية العالم ،فالكثيرون منهم باتوا على قناعة ان الارهاب احيانا له اسبابه التي لا يمكن تجاهلها ووضعها جانبا عند خوض حرب مكلفة على امة بكاملها بدعوى انها ترعى التطرف والارهاب ،فلم يكن صراع الحضارات الذي اشعله المحافظون الجدد بين الغرب والشرق لمصلحة الغرب دائما ،فهذا الصدام ايقظ الاميركيين على حقيقة انهم دائما من يتحمل وزر الكوارث التي تصيب العالم بينما شركاؤهم في الشر يخرجون ابرياء رغم دورهم الفاعل في كل حرب وقعت او في طريقها للوقوع ، اما الاقتصاد الاميركي فكان دائما الضحية في اطار الحملات العالمية ضد هذه الدولة او تلك بهذا العذر او ذاك ،فالولاياتالمتحدة تتحمل المسؤولية عن جميع حملات الحصار والمقاطعة التي اضرت كثيرا باقتصادها ،وفي عهد المحافظين الجدد شهدت الولاياتالمتحدة اوسع حملات العقوبات الاقتصادية والحروب الباردة والساخنة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي ، والمحافظون الجدد هم من يتحمل المسؤولية عن الكراهية التي تفشت ضد الاميركيين حول العالم فباتوا هدفا للارهابين والمتطرفين في كل مكان حتى داخل بلدهم ، وعاملا آخر اسهم في انهيار شعبية الجمهوريين ومن يمثلهم الآن في البيت الابيض ،هذا العمل على علاقة بنتائج حملات المحافظين الجدد وحروبهم وخاصة الحرب على الارهاب ،فما الذي وصلت اليه هذه الحرب ،هل حققت شيئا يعتز به الاميركيون . هل ثمة نصر يعلن وينسب فيه الفضل للقوة العظمى التي تعرف بكونها تدمر بدلا من ان تبني وتشجع الناس على الارهاب ولا تقدم مساهمات حقيقية في صناعة السلام حول العالم وخاصة في منطقتنا ، هل من مدى واضح بعده تتوقف الحرب على الارهاب بنصر على القوى الظلامية المتطرفة ،ثم سؤال آخر لا يقل اهمية ،لماذا اسقطت الولاياتالمتحدة نظام صدام حسين واين هو الشر الذي تخلص العراق منه بفضل الآلة العسكرية الاميركية والاحتلال الذي لا يعلن عن نهاية له ،هل كان العراق ارهابيا متطرفا تحكمه التنظيمات والطوائف المتطرفة قبل الاحتلال ،ما هي عائدات موت اربعة آلاف أميركي في العراق اذا كانت الحرية لا تزال بعيدة المنال ..!؟ كل هذه الاسئلة وغيرها العشرات باتت محط اهتمام الاميركيين العاديين ،ولاول مرة في التاريخ يجد الاميركي العادي نفسه وجها لوجه في حديث عبر شاشة الكمبيوتر مع المسلم العصري المعتدل يتخاطب معه ويتبادل معه الاراء فيعرفه اكثر وخارج سياق الثقافة التي وفرتها له وسائل الاعلام الاميركية التي ارتبطت دائما بمصالح سياسية وخاصة مصالح الصهيونية العالمية ..وللحديث بقية. عن صحيفة الرأي الاردنية 6/11/2008