رئيس أميركي جديد: هو.. ونحن!! هاني حبيب نكتب قبل ساعات من اعلان النتائج النهائية الرسمية لانتخابات الرئاسة الاميركية، وأياً كانت النتيجة، فلا شك انها ستشكل معياراً تاريخياً لرئاسة البيت الابيض. ففي حال فوز الجمهوري ماكين، فإنه سيكون الأكبر سناً من بين كل الرؤساء الاميركيين، وحيث لأول مرة في التاريخ الاميركي ستكون نائبة الرئيس امرأة، لكنها ستكون الحالة الثانية التي تخفق فيها استطلاعات الرأي الاميركية، بعد حادثة برادلي، حيث كان المرشح الديمقراطي الاسود توم برادلي ينافس جمهورياً ابيض على رئاسة بلدية لوس انجلوس العام 1982 متقدماً بسبع نقاط في استطلاعات الرأي عن منافسه الجمهوري الابيض، غير ان الثاني هو الذي فاز، بعدما تبين ان الناخبين صوتوا لبرادلي في استطلاعات الرأي حتى لا يقال انهم عنصريون، بينما صوتوا لمنافسه في صناديق الاقتراع. أما في حال فوز الديمقراطي أوباما، كما تشير كافة استطلاعات الرأي، فإنه الرئيس الاسود الاول في تاريخ الولاياتالمتحدة، علماً ان الجمهوريين كانوا من اوائل ما اشتملت عليه إدارتهم قيادات سوداء، نذكر في هذا المجال، وزير الخارجية كولن باول ووزيرة الخارجية الحالية كوندوليزا رايس، لكن كان هناك مرشحون سود من الحزب الديمقراطي في الماضي، غير انهم استسلموا في بداية الحملة الانتخابية ولم ينالوا ثقة الحزب الديمقراطي، على العكس من أوباما، الذي تجاوز ذلك، وكان قوياً من البداية، وأوباما في حال فوزه ينضم الى قافلة الرؤساء صغار السن الذين قدموا من الحزب الديمقراطي مثل كينيدي وكارتر. ولعل ما يهمنا نحن الفلسطينيين، كيف سيتعاطى الرئيس الاميركي الجديد مع الملف الفلسطيني - الاسرائيلي حيث لا يوجد هناك فرق واضح بين أي منهم، والرئيس الجديد، سيجد هذا الملف من الملفات الاكثر صعوبة وتعقيداً، فبعد عام من أنابوليس، حيث جدد الرئيس بوش تعهده بقيام دولة فلسطينية ونهاية سعيدة للمفاوضات الاسرائيلية - الفلسطينية، فها هي كل الاطراف تعلن نعيها لمسيرة أنابوليس ومعها خارطة طريق بوش، التي صدت وأغلقت نهاية العام الجاري بالاعلان عن فشل هذه المفاوضات. الرئيس الاميركي الجديد وهو يطالع صفحات هذا الملف، سيجد ان التوسع الاستيطاني، شكل حاجزاً مانعاً أمام احتمال قيام دولة فلسطينية، بينما الوضع الفلسطيني الداخلي لا يساعد على تأمين توافق فلسطيني على اي اتفاق محتمل، في حين ان اسرائيل، لم تعد قادرة على ان تكون شريكاً حقيقياً للسلام، ليس فقط لانعدام الإرادة السياسية، ولكن لأنها مقبلة على انتخابات اوائل العام المقبل، من العسير قراءة نتائجها، لكن كلا الرئيسين المرشحين، ماكين وأوباما، يقولان انهما سينخرطان بقوة في الملف الفلسطيني - الاسرائيلي، وعموم ملفات الشرق الاوسط المعقدة، وسيسعيان الى التدخل الفعلي، عكس نظرية عدم التدخل التي اعتمدتها رئاسة بوش. رئىس الحكومة في اسرائيل، ايهود اولمرت، سيساعد الرئيس الاميركي المنتخب، وذلك من خلال اشاراته الاخيرة حول ضرورة انسحاب اسرائيل من اغلب المناطق التي احتلتها لصالح سلام مع سورية والفلسطينيين، وعلى الاغلب فإن الرئيس الاميركي الجديد، سيرسم سياسة حول هذا الملف من دون النظر الى الخلف. وبعد تجربة إدارتين متتاليتين للجمهوري بوش، بات الاسرائيليون اكثر اطمئناناً مع رئىس اميركي جمهوري، من هنا إبداء قلقهم من فوز أوباما، غير ان اثنين من كبار القادة السياسيين الاميركيين، فاجأوا الاسرائيليين، امس الثلاثاء، وبينما كانت صفوف الناخبين تزدحم حول صناديق الاقتراع في الولايات الاميركية، وأمعنوا في تطمين الاسرائىليين في حال فوز أوباما، الاول هو مارتن إنديك السفير الاميركي السابق في تل ابيب، احد كبار نجوم اللوبي اليهودي في الولاياتالمتحدة، من خلال مقالة عنونها "لا تقلقوا" في صحيفة "يديعوت" الصادرة امس الثلاثاء، يقول إنديك انه لا مبرر لأية مخاوف في حال فاز أوباما، الذي اعتبر في خطابه أمام اللوبي اليهودي ان البرنامج النووي الإيراني يشكل خطراً على اميركا واسرائيل، وان الخيارات الاخرى مطروحة ضد ايران في حال فشل خيارات الدبلوماسية والمقاطعة، كما ان أوباما - يقول إنديك - صرح بأنه لن يكون للفلسطينيين حق للعودة الى اسرائيل، وانه سيعالج الملف الفلسطيني - الاسرائيلي ليس للضغط على اسرائيل ولكن لتشجيع الطرفين للتوصل الى تسوية. إنديك، اعتبر ان الشعبية التي حاز عليها أوباما في المنطقة العربية، عامل ايجابي - عكس التقييم المتسرع - إذ ان هذه الشعبية التي انتقدها بوش والولاياتالمتحدة، كانت احد العناصر التي منعت اي دور اميركي حقيقي للتوصل الى نهاية سعيدة للعملية التفاوضية، بينما أوباما سيستثمر هذه الشعبية لصالح الضغط على الجانب العربي، دون ان تكال له الاتهامات. أما المساهمة الثانية، وفي نفس التوقيت، فقد جاءت من دينيس روس، منسق عملية السلام في ادارة كلينتون والمسؤول عن التخطيط السياسي في ادارة بوش، ورئىس مجلس أمناء مجلس تخطيط سياسة الشعب اليهودي، ومستشار أوباما. دينيس روس كتب مقالة نشرتها له أمس، الثلاثاء صحيفة "يسرائىل هيوم" أشار فيها الى ان السياسة التي قيل انها متشددة في ادارة بوش، عجزت عن التعاطي مع الملف الايراني فيما يتعلق بالبرنامج النووي. أوباما سيكون الأقدر على معالجة هذا الملف بما يلبي حاجة الأمن الاسرائيلي. أوباما بالنسبة لروس هو القائد القادر على قيادة الدفة الاميركية باتجاه ضمان وحماية اميركا من خلال ضمان أمن اسرائيل. وفي كل الاحوال، فإنه من الخطأ أن نقرأ الرؤية الاميركية للرئيس الجديد، حسب نوايا وأقوال وحتى تصرفات هذا الرئيس، باعتبار الامر قدراً لا مفر منه، ونعتقد بل نجزم، ان الامر يتعلق بنا، كعرب وفلسطينيين، في التأثير على الموقف الاميركي، اذا ما أحسنا استثمار الأوراق العديدة التي نمتلكها، والأهم من ذلك، رؤية فلسطينية سلمية فاعلة، لكنها واضحة ومحددة، وبلا تنازلات وبلا انقسامات، يقف الفلسطينيون ومن خلفهم كل العرب في خندق مواجهة التكتيكات الاسرائيلية، عندها فقط يمكن لنا، أن نجبر الرئيس الاميركي على اتخاذ الموقف الاقل عدوانية باتجاه الضغط على اسرائيل للتوصل الى تسوية عادلة، ودون ذلك، فإن الرئىس الاميركي، أياً كان اسمه، لن يحسب حساباً للموقف العربي، وستظل اسرائيل هي المنارة والهادية لسياساته!!. عن صحيفة الايام الفلسطينية 5/11/2008