مسعود بارزاني... (خاطف) الأضواء التي قد تحرقه!! محمد خرّوب يتصدر رئيس اقليم كردستان العراق مسعود بارزاني، المشهد العراقي الان على نحو يبدو الرجل، أو هو يرغب في ان يكون اللاعب الاول في الاشهر القليلة المقبلة، والتي يمكن وصفها - دون الذهاب الى مربع المغامرة او المبالغة - بأنها ستكون حرجة وبالغة الدقة، على نحو غير مسبوق، وبخاصة انها ستحسم ملفات مهمة عديدة ستقرر مستقبل العراق، والمعادلات الاقليمية القائمة الان - لسنوات عديدة.. مسعود بارزاني الذي انهى للتو زيارة رسمية لواشنطن، والذي التقى الرئيس بوش في البيت الابيض، اطلق تصريحات لافتة خلال هذه الزيارة لاحظ مراقبون انه تم الاحتفاء به في شكل استثنائي، ارادت ادارة بوش من خلاله ارسال رسالة الى كل من يهمه الامر في ''بغداد''، بأن ثمة بدائل أمام بوش وأركانه وأن هوامشه واسعة وخياراته عديدة.. لهذا، فإن هذا السياسي الكردي العنيد وربما يصح وصفه بالمغامر، التقط رسالة الادارة الاميركية، وبخاصة في ظل الجدل والسجالات المحتدمة (ظاهرياً على الاقل)، حول بنود الاتفاقية الامنية المنوي توقيعها بين حكومة بوش وحكومة المالكي (مباشرة بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الاميركية على ما قال موفق الربيعي امس)، وقال في صراحة اقرب الى التحدي (ومن خلال ندوة عقدها مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن يوم الجمعة الماضي)، بأن برلمان وحكومة وشعب ''اقليم كردستان العراق'' يرحبون باقامة قواعد اميركية في الاقليم، اذا لم يتم توقيع الاتفاقية الامنية بين واشنطن وبغداد''.. فهل ثمة جديد في تصريحات بارزاني؟. المتابع لمجريات الاحداث وطبيعة العلاقات القائمة بين اربيل (عاصمة اقليم كردستان) والحكومة المركزية في بغداد، يلحظ أن التجاذبات والسجالات بينهما لم تتوقف منذ اقرار الدستور وقيام الحكومة الدائمة (التي خلفت الحكومات التي حملت صفة المؤقتة حتى حزيران عام 2006 عندما تم اختيار نوري المالكي خلفاً لابراهيم الجعفري اثر الانتخابات التي جرت في ذلك الشهر). ليس المادة ''140'' الخاصة بتطبيع الأوضاع في مدينة كركوك والتي حددت نهاية العام 2007 موعداً لاجراء استفتاء يتم فيه تقرير مستقبل المدينة إن كانت ستبقى على حالها أم يتم الحاقها باقليم كردستان، هي نقطة الخلاف الرئيسية بين اربيل وبغداد (دع عنك قانون مجالس المحافظات الذي تم التوافق عليه مؤخرا)، بل هناك قضايا وملفات عديدة ليس اقلها النسبة التي يحصل عليها الاقليم من الموازنة العامة للدولة والتي تصل الى 17% وتعارضها معظم الكتل البرلمانية وترى انها أعلى بكثير مما يستحقه الاقليم اضافة الى الانتشار العسكري للبيشمركة حول كركوك والمحافظات المحيطة بها وايضا الحظر الذي تفرضه ادارة الاقليم على دخول الجيش العراقي ''الرسمي'' الى مناطق الاقليم، والملابسات التي حدثت مؤخراً في شأن انسحاب البيشمركة من تلك المناطق وخصوصاً الاتفاق المثير للجدل الذي وقّّعه اوائل العام الجاري نوري المالكي مع رجب طيب اردوغان، والذي يسمح للجيش التركي بالدخول الى الاراضي العراقية (اقليم كردستان) لملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي (PKK) وهو ما أثار ردود فعل كردية غاضبة كان اعنفها ما صدر عن مسعود بارزاني الذي هدد بالتصدي للقوات التركية إذا ما حاولت اجتياز الحدود وانتهاك سيادة الاقليم، ثم ما لبث (بارزاني) أن تراجع عن تهديداته نافياً الاتهامات التي صدرت عن اوساط سياسية وعسكرية تركية، بأن حكومة الاقليم توفر ملاذات آمنة ل(PKK) كما تقدم له مساعدات وخدمات لوجستية ما كان بمقدوره الاستمرار في مقاومته (بعد كل الضربات التركية التي تلقاها) لولا هذه المساعدات. هل قلنا تركيا؟. نعم، فالسياسي الكردي ورجل الجبال المتمرد على نظام صدام والوارث ل ''تاريخ'' والده (الملا مصطفى بارزاني)، يدرك فيما يبدو حدود (لعبة الامم) الدائرة الان في المنطقة (حول العراق وعلى تخومه ايضاً)، وهو يعرف ايضاً من خبرته المتراكمة ومن التجارب المريرة التي مر بها الاكراد طوال العقود الاربعة الاخيرة، وبخاصة بعد اتفاق الجزائر الشهير بين نائب الرئيس العراقي صدام حسين (حينذاك) وشاه ايران، ان للعبة هذه أكلافا واستحقاقات، وأن عليه ان يلعب بحذر شديد اذا ما اراد المحافظة على مستقبله السياسي، وخصوصاً انه في صراع مفتوح ووجودي (إن صح الوصف)، مع الحزب المنافس وهو الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني، الذي خاض معه معارك طاحنة قبل ان يستقر الطرفان على صيغة توافقية ما تزال قائمة (وان بهشاشة) حتى الان، رغم ان بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني يراقب (بفرح ربما) التصدعات والانشقاقات التي بدأت تظهر الى العلن داخل حزب طالباني، حيث لم يتردد الاخير في طرد (عصابة الاربعة) التي قادت تمرداً على القيادة.. لماذا تركيا؟. لأن بارزاني يوشك على تحقيق انتصار سياسي باهر سيسجل لصالحه (وحزبه)، اذا ما تمت الزيارة التي قيل ان رجب طيب اردوغان دعاه للقيام بها (قريباً)، لاجراء حوار حول معالجة قضية حزب العمال الذي يقوم بعمليات مسلحة ضد تركيا، انطلاقاً من اراضي الاقليم (على ما ذكر موقع ايلاف الالكتروني).. الزيارة - ان تمت - اختراق سياسي بامتياز، وهي اعتراف تركي بالاقليم الذي طالما رفضت انقرة - بحكوماتها المتعاقبة منذ العام 1991 مباشرة بعد حرب الخليج الاولى - الاعتراف به، ناهيك عن مسألة كركوك والحديث التركي - الدائم - عن اقامة منطقة امنية عازلة داخل العراق بعمق 30 كيلومتراً، ما يعني شطب ''فكرة'' الحكم الذاتي الذي تتخوف انقرة من امكانية تحوله الى مطلب ل ''أكرادها''، وهو الامر الذي لا تتسامح فيه اطلاقاً المؤسسة السياسية وخصوصاً العسكرية.. مسعود بارزاني يخطف الاضواء الساطعة الان.. التي قد تجعل منه شخصية محورية في عراق ما بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية (ينتهي ماراثونها اليوم).. وربما تحرقه ايضاً وهو احتمال قائم بالتأكيد.. فلننتظر.. عن صحيفة الرأي الاردنية 4/11/2008