مخيمات بيروت: التفجير على الأبواب سعد محيو لماذا اختار أحمد جبريل، الأمين العام للجبهة الشعبية- القيادة العامة، هذا الوقت بالذات ليفجّر قنبلته الصوتية التي حذّر فيها من فتنة كبرى جديدة زاحفة على المخيمات الفلسطينية في لبنان؟ في الغالب، الأمر لا يتعلق بالوضع الداخلي اللبناني الذي يكاد يخرج الآن من نفق انتخابات الرئاسة، بعد أن بدا أن الناخبين الكبار( أمريكا- السعودية، سوريا- إيران) اتفقوا على صيغة حل وسط ما. وحين لا يكون الوضع الداخلي اللبناني مطروحاً، يجب البحث في تضاعيف الوضع الداخلي الفلسطيني. صحيح أن جبريل حاول، في مقابلته التلفزيونية اللبنانية المفاجئة، والتي تخبطت فيها مواقفه و"معلوماته" بشكل مدهش، ربط ما قد يجري في المخيمات الفلسطينية المحيطة ببيروت (برج البراجنة، شاتيلا، ومار إلياس) بالصراع العام في المنطقة بين أمريكا وإيران؛ وصحيح أيضاً أنه لم يتردد في لعب ورقة الصراع الشيعي- السني اللبناني عبر تحريض “حزب الله" على “حزب الحريري"، إلا أن قلقه كان مصوّباً بوضوح نحو “فتح" أبو مازن. فهو قال إن الرئيس الفلسطيني أرسل مؤخراً 500 مقاتل إلى المخيمات الثلاثة. وهو ألمح إلى أن ثمة “تواطؤاً" ما في هذا الأمر بين رام الله أبومازن وبيروت السنيورة. لا بل بدا جبريل وكأنه يقرأ بصوت مرتفع من صفحة في كتاب الحروب الأهلية حين تحدث عن السيناريو الذي سيحدث: تقوم فئات مندسة على المخيمات باستفزاز حزب الله لجره إلى المعركة، خاصة في محيط مخيم برج البراجنة المتصل بالضاحية الجنوبية.. يضطر هذا الأخير لحماية مدنييه ومواقعه في معقله الرئيسي هناك. ويلي ذلك أو يسبقه نشوب اقتتال داخلي بين فتح وأنصارها وبين الفصائل المعارضة الفلسطينية، يمهّد لدخول الجيش اللبناني إلى المخيمات. والهدف؟ ليس، برأي جبريل، إنهاء استقلالية المخيمات الفلسطينية في لبنان فحسب، بل أولاً وأساساً التمهيد لتهجير فلسطينيي لبنان الذين يناهز عددهم نصف المليون إلى المنافي الكندية والأسترالية والعربية. هنا، عند هذه النقطة الأخيرة، تتضح معالم الأبعاد الداخلية الفلسطينية في قنبلة جبريل. إذ هو يعتقد أن ثمة مخططاً كبيراً لإعادة رسم الخريطة الفلسطينية في لبنان، كمدخل أو كجزء لا يتجزأ من التسوية النهائية التي تعد حالياً في أنابولس. وبما أن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين هي المسألة الأعقد (حتى من قضية القدس) التي يجب حلّها، وأيضاً بما أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هم الفئة الأسهل على التهجير بسبب تعقيدات البنية الطائفية اللبنانية، فإن تفجير الوضع في مخيمات بيروت، كما جرى في مخيم نهر البارد في الشمال، يصبح ضرورة قصوى وملحّة. هل تحذيرات أبو جهاد (الاسم الحركي لجبريل) في محلها؟ الجواب ليس سهلاً، خاصة حين نضع في الاعتبار الاتهامات المعاكسة. فتيار الحريري وأنصاره يتهمون جبريل بأنه يسعى إلى تنفيذ أجندة المخابرات السورية (التي يقيم معها علاقات وثيقة، على حد ادعائهم) في لبنان. وهذا يتضمن، من ضمن ما يتضمن، تفجير الوضع الداخلي اللبناني عبر بوابة المخيمات الفلسطينية. هذا في حين تقول “فتح أبو مازن" إن حركة جبريل في لبنان لها علاقة، كل العلاقة، بالتحرك الانقلابي السوري- الإيراني الممتد من غزة إلى مخيمات بيروت مروراً بدمشق. مَنْ على حق؟ هذا لم يعد مهماً كثيراً الآن. الأهم أن كلا الطرفين يؤكد، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، أن ورقة مخيمات بيروت مطروحة بالفعل للتداول في سوق الصراع الشرق أوسطي، والذي سيتمحور من الآن فصاعداً حول مؤتمر أنابولس الدولي. وإذا ما كان هذا التقدير صحيحاً، والأرجح أنه كذلك، فهو سيعني أمراً واحداً: الفلسطينيون بكل أطيافهم يستعدون لدفع أثمان أنابولس سلفاً. وبما أن هذا المؤتمر مجرد وهم داخل وهم، فستكون هذه الأثمان الباهظة واحدة من أسخف وأغبى أنواع التجارة في التاريخ! عن صحيفة الخليج الاماراتية 13/11/2007