اجتياح شمال العراق.. حرب اعصاب أم مسألة وقت؟ محمد خرّوب لأن تركيا تريد من حكومة بغداد (وليس من اقليم كردستان الذي لا تعترف به)، اجراءات عاجلة وحاسمة ضد حزب العمال الكردستاني التركي .. PKK فقد انهارت المباحثات العراقية التركية، التي ذهبت اليها حكومة المالكي مضطرة ومذعورة تحت طائلة تفككها، اذا لم تستجب لتحذيرات قادة التحالف الكردستاني، وهو التحالف الوحيد الذي يحول دون ذهاب المالكي الى بيته، وفقدان مستقبله السياسي، الذي ما يزال في مهب الريح، على رغم كل ما يحاول بثه من تفاؤل وثقة في صفوف داعميه، الذين يتناقصون تباعاً.. المراقبون الذين ابدوا دهشتهم من الطريقة التي عومل بها وزير الدفاع في حكومة المالكي والوفد المرافق له، والفتور الذي استقبلوا به، لم يصابوا بدهشة مماثلة بعد انتهاء ست ساعات من مباحثات كانت اشبه بحوار الطرشان، حيث كان الطرف التركي يرفض باستمرار وعناد كل المقترحات التي قدمها الوفد العراقي، الذي رفض الاتراك ان يكون فيه أي ممثل كردي، سواء لحزب الاتحاد الوطني بزعامة جلال طالباني، وهو الشخصية المعتدلة في هذا الملف المعقد، ام الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود برزاني الذي تنظر انقرة بغضب ازاء دور التحدي الذي يلعبه.. أطرف ما في الورقة التي قدمها الوفد العراقي هو الاقتراح بايجاد مواقع للقوات الاميركية على الحدود في جبال قنديل حيث ينتشر المقاتلون الاكراد (الاتراك بالطبع). القراءة غير العميقة بل السريعة للمقترح العراقي، تكشف عن مدى قصور الفهم السياسي والاستراتيجي لاصحاب الاقتراح، وخصوصاً في ظل الفرصة التاريخية التي باتت متاحة امام انقرة، والتي منحها لها حزب العمال، لاحداث تغيير نوعي في المعادلة القائمة منذ العام 1991، بعد حرب الخليج الثانية، والتي شهدت بروز ما يمكن وصفه باقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي الواسع، في ظل نظام صدام حسين بعد فرض الحظر الجوي على المنطقة الواقعة فوق خط العرض 38، ثم ما تبع الحرب الاميركية البريطانية على العراق وسقوط بغداد في التاسع من نيسان 2003، من ظهور حقائق سياسية وجغرافية ميدانية كان الاكراد العراقيون اكثر المستفيدين منها، وهو الذي تجد انقرة نفسها الان جاهزة لتحجيمها أو التقليل من اثارها واكلافها (تركياً كردياً).. حكومة المالكي تجد نفسها الان عارية سياسياً وتحالفياً، بعد ان صدقت الاوهام التي نسجتها حول قدرتها على القيام بدور في هذه المسألة المعقدة، التي تتجاوز امكاناتها والمهمة التي جيء بها اصلاً لتنفيذها.. فيدها مغلولة اصلاً في الملف الكردي ولا حق لها واقعياً (دع عنك الوثائق والدساتير والاتفاقات وقوانين مجلس النواب، وكل افرازات ما بعد سقوط بغداد من مؤسسات وهيئات ومسميات)، في ابداء أي رأي أو اتخاذ أي قرار في الشأن الكردي.. بدءاً من اتفاقات النفط الاخيرة، مروراً بارسال قوات مركزية الى اقليم كردستان، وليس انتهاء، بالطبع، بتداعيات وملابسات وتعقيدات وجود حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.. ولهذا.. ارتكبت حكومة المالكي جملة من الاخطاء، ها هي تدفع ثمنها الان، من خلال الاهانات والتجاهل الذي تتلقاه من قبل اكثر من جهة.. نوري المالكي في زيارته الاخيرة لتركيا، وقع اتفاقاً او ورقة تفاهم مع رجب طيب اردوغان، منح بموجبه لأنقرة حق التوغل في شمال العراق لملاحقة متمردي الحزب، وإذ ثارت ثائرة قيادة اقليم كردستان وخصوصاً رئيسه مسعود برزاني الذي أنكر على المالكي مثل هذا الحق تراجع الاخير وتلعثم في القول انه تم إساءة الاتفاق وان التوغل إن حدث فسيكون مشتركاً وبمعرفة مسبقة من بغداد ويعلم الجميع أنه غير قادر على تنفيذ مثل هذا التفسير غير المنطقي. ثم اخيراً وقع في خطأ آخر (نتيجة الاوهام المتراكمة) عندما ابلغ أنقرة أنه أصدر أوامره باغلاق مكاتب (...) حزب العمال الكردستاني وكانت السخرية عالية من عمق المأزق الذي وصل اليه المالكي، وكان رد حزب العمال كذلك بعض قيادات اقليم كردستان العراق اكثرها وضوحاً: اين هي مكاتب حزب العمال وإذا كان لديك مكاتب للحزب يا سيد مالكي فلتغلقها.. خرجت إذاً حكومة المالكي من اللعبة (التي لم تنته بعد) مبكراً، ولكن ضعيفة ومنهكة وخاسرة، ببساطة لأنها لا تملك من امرها شيئاً ولأن لا دور لها اطلاقاً في الملف الكردي، وعليها أن تتخلى عن مكابرتها وأن تعترف بالحقائق السياسية والجغرافية التي نشأت والذي ساهم الفريق الذي ينتمي اليه المالكي بعقليته الثأرية والطائفية والمذهبية والاقصائية التأثير في تجسيدها عملياً. الاجتياح التركي لشمال العراق ليس مجرد حرب اعصاب وإن كان جزءاً منها يمارس الآن أقله حتى لقاء اردوغان ببوش في البيت الابيض خلال الايام القليلة المقبلة وحكومة اردوغان - كما الجيش - باتت مستعدة لدفع الثمن السياسي وغير السياسي الذي سيترتب على اجتياحها، والكلام موجه هنا وفي الدرجة الأولى الى واشنطن حيث لا تخفي الاخيرة رفضها لمثل هذا التدخل ورغبتها الشديدة في استمرار توظيف الورقة الكردية بتنويعاتها الجغرافية المعروفة (الايرانية والسورية والتركية بالطبع) في لعبة الامم الدائرة الان في المنطقة. اردوغان لن يهتم بأخذ رأي أحد كما قال قبل يومين إذا ما فكر في اجتياح شمال العراق وهو يدرك أنه غير قادر على اجتثاث حزب العمال الكردستاني لكنه سيجهض محاولات برزاني وطالباني في تكريس اسس الدولة الكردية المقبلة وهذا هو الهدف الذي يلتقي فيه اردوغان مع المؤسسة العسكرية فيما نحسب، لكنه في وضع ثقة مرتفعة بالنفس، وبالدور الداخلي والاقليمي ما دفعه الى القول اكثر من مرة ان تركيا مستعدة لدفع ثمن قراراتها مهما كانت. عن صحيفة الرأي الاردنية 29/10/2007