القيادة الربّانية كيف؟ ولماذا ؟ وهل يجوز؟ سلطان الحطّاب لم يبق الاّ نرى الدكتور محمود الزهار في القمر بعد ان قيل لنا ان نرى صدام قبل رحيله ..فما زال هناك من يأكل برأس الناس حلاوة ويحيلهم الى المجهول او الغيب او الفتاوى .. ولعل في قصة معاوية بن ابي سفيان حين اسمى بيت مال المسلمين بيت مال الله ما يفضح طابق ربط الاشياء الدنيوية السياسية وانظمة الحكم بالالوهية .. يومها جاءه الصحابي ابو ذر الغفاري وقال له: معاوية يا ابن ابي سفيان ثكلت امك لم يكن ابوك في الاسلام الاّ امس لا تفعل لا تفعل لا تفعل .. اسميته بيت مال الله لتأكله .. انه بيت مال المسلمين وهو لهم .. هذه الحادثة تعيدنا الى محاولة الزهار باسباغ الالوهية عن سلطة حماس !!! فأي تعبير هذا الذي أطلقه الزهار احد قيادات حماس في غزة والذي شغل منصب وزير الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية التي انحلت اثر انقلاب حماس على السلطة الفلسطينية في حزيران الماضي واستيلائها على غزة بل خطفها للقطاع الذي صلبته اسرائيل وبدأت تمثل بجثة بقطع اسباب الحياة عنه بالتدريج واستعداء العالم عليه من خلال تصريحات القيادات المسيطرة عليه .. ففي مقابل كل صاروخ يطلق ولا يصيب اهدافاً تقوم اسرائيل بالقصف والتدمير واستعمال كل الذرائع لشل وتعطيل الحياة العامة في غزة .. فهل جرى احتساب كلفة ذلك ومعرفة الفوائد او العوائد التي يمكن ان تحصل وما اذا كانت هذه الطريقة وبهذه الكيفية تقرّب يوم خلاص الفلسطينيين او تبعد يوم الخلاص وتؤيد الحصار والمعاناة.. بتصريح الزهار بأن قيادة حماس في غزة هي قيادة ربّانية يفتح باب السلطة المطلقة والاحتكام بالسلطة للغيب والبحث عن مرجعيات غير مقبوضة ولا يسهل العودة اليها او الاحتكام وبالتالي احتكار السلطة عند الفئة صاحبة الشعار .. هذا التعبير يسيس الدين ويدّين السياسة ويصل الى خلط عجيب فكيف تكون قيادة حماس في غزة ربّانية وهي عاجزة عن صنع اي شيء لمليون ونصف اسير تحت الاحتلال وفي الحصار .. واذا كان الهوس باطلاق الربّانية على قيادة الزهار فان في المقابل هوسا اشد لدى المتطرفين اليمينيين اليهود من الذين يعتقدون ان الرب لهم وانه نصرهم في حزيران وها هو ينصرهم اليوم على الجويم اي البهائم وهو اسم يطلق على غير اليهود في العالم العربي والاسلامي حيث تبلغ النظم والمنظمات والاحزاب السياسية حالة من الضعف فان اسباغ الربانية والالوهية عليها يصل بالشعوب المغلوب عليها قمة الاحباط .. حتى ان عصر الخلافة الاول بعد وفاة الرسول لم يطلق على انظمة الحكم اي شكل من اشكال الالوهية او التقديس وكان الخليفة يسمى امير المؤمنين وتجري محاسبته وتخطئته فكيف يفعلها الزهار؟ وهل يسكت على ذلك المسلم وغير المسلم حين يرى ان هذه الحالة تتطابق مع ماكان الحاكم بأمر الله الفاطمي قد اطلق على نفسه من مطلق السلطان وجعل الشاعر ابن هاني الاندلسي ( متنبي المغرب ) يمدحه بقوله : ماشئت لا ما شاءت الاقدار .. فاحكم فانت الواحد القهار هذه مهزلة وقد وصلنا عمق المأساة والاستخفاف . فقد جعلو من الدين مطّية وركبوه لاغراضهم وحولوه الى طفل رضيع كما يقول ابن رشيد واما الدين فهو ابن رضيع للسياسة !! في حواره مع القوى الفلسطينية نقلت وسجلت فقرات منه قال الزهار ان غزة لا تهمه وما يهمه هو انتصار الاسلام ودولة الاسلام وشعار الاسلام وهذا يقود الى وجع آخر .فالذي لا تهمه غزة لا تهمه فلسطين وقد تهمه افغانستان اكثر .. وهو حسب قوله تهمه الصحوة الاسلامية وعنده ان ترتيب بنجلادش قد يسبق اولويات فلسطين حتى يقول بعظمة لسانه ان مشروعة اممي ينخرط فيه (2) مليار مسلم .. والسؤال ماذا يفيدك يازهار ان كسبت المليارين بشراً وخسرت شعبك وقضيتك ووطنك .. وعلى حد قول محمود درويش ماذا استفيد اذا كسبت العالم وخسرت نفسي .. هذا يقودني الى شعار قرأته في عمان لاحد المرشحين من الاممية الاخوانية الاسلامية يقول : فلسطين وقف اسلامي الى يوم الدين .. وانا اسال هل سيظل هناك وقف اسلامي في فلسطين وهل ستظل هناك قضية فلسطينية ان ظلت الحال على ماهي عليه ليس الى يوم القيامة وانما لعقد واحد قادم؟ ..فاي تخدير هذا المزروع في الشعارات واي هروب هذا الذي تحمله الشعارات ومواقف حماس والاسلاميين من الصراع ان كانو يميلون لتاجيله واعطاء الاسرائيليين المزيد من الوقت لانجاز كامل مشروعهم الصهيوني بحجة انهم لا يريدون التعاطي مع المفاوضات او السياسة القذرة التي تحمل لهم التطبيع!!! الشعارات الديمانموجية والمضللة لاتقطع مسافة ولاتحمي ظهرا ولاتوصل وما يلزم هو الاشتباك السياسي والعلمي والثقافي وكل انواع الاشتباك من اجل ان يظل شي من فلسطين عربيا والاّ وفرت سياسات حماس ووعودها ودعوتها للدولة المؤقتة او اداراتها للظهر او انتظارها انتصار المسلمين في العالم وقيام الدولة الاسلامية .. المناخ المناسب لاسرائيل في شراء الوقت وبالمقابل في احباط اي جهد سياسي يحرج اسرائيل او يدفع الخلاص.. حان الوقت من كل القوى الوطنية اللبرالية والتقدمية والقومية فضخ الشعارات المضللة غير الواقعية التي تجمد الصراع اوتلغيه او ترحله.فلا يوجد قيادات ربانية ورفع المصاحف على اسنة الرماح لايعطي الشرعية ونحن نرى ما يحدث لشعبنا في فلسطين من مآس على يد مدعي تحريره من الذين يريدون ان يأخذوه الى الجنة في الآخرة قبل ان يفكوا الحصار عنه وهم لم يأخذوا بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي كان يخرج للصراع بكل اشكاله وبالتفاوض والغزو والذي شهد بدر وأحد ولم يكتف بالدعاء ..هولاء يتجاوزون كثيرا مفهوم الاستطاعة ويلقون بشعبهم الى التهلكة وهم أشبه بمن احدقهم علي بن ابي طالب رضي الله عنه عنه حين ألهوه وادعو عبادة النصوص التي اختبأوا خلفها!!! عن صحيفة الرأي الاردنية 28/10/2007