تركيا والوضع في القوقاز علي باباجان أظهر الصراع بين روسيا وجورجيا مرة أخرى طبيعة الوضع المضطرب المتقلب في القوقاز ولماذا أنه من المهم والحاسم جدا بالنسبة للعالم نزع فتيل التوترات هناك. وهذا الصراع أثر في كل دول المنطقة. فقد تم حرمان أذربيجان وأرمينيا - على سبيل المثال - من طرقهما للنقل. وأثار ذلك المخاوف بشأن مشاريع البنية الأساسية البارزة مثل وصلة السكة الحديدية بين باكو وتبليسي وكارز، وخط أنابيب النفط باكو-تبليسي-شيهان، وخط أنابيب الغاز باكو-تبليسي-إيرزوروم، والتي تعد وتبشر بضمان وتأمين الطاقة طويلة الأمد وأمن النقل في المنطقة وأوروبا. وكجارةٍ في منطقة الصراع، لدى تركيا رهان كبير في التغلب على التوتر بين روسيا وجورجيا. وبالإنابة عن الاتحاد الأوروبي، قامت فرنسا بدور فعال جدا في ترتيب وقفٍ لإطلاق النار، بدعم تركي كامل لجهود الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الجديرة بالثناء. ولإعادة إرساء السلام والاستقرار في القوقاز في المدى الأطول، تسعى تركيا أيضا نحو سلسلة من المبادرات الدبلوماسية القائمة أساسا على ثلاثة أعمدة: أولا، علينا أن نعترف وندرك ونواجه النقص العميق في الثقة بين دول المنطقة. فروسيا وجورجيا في حالة حرب مع بعضهما البعض. والوضع بين أرمينيا وأذربيجان حول الصراع في وعلى إقليم ناجورنو-كاراباخ ليس مختلفا كثيرا. وهناك مشاكل أيضا بين تركيا وأرمينيا. إن نقص الثقة في المنطقة ينشئ بيئةً خصبةً لتغذية عدم الاستقرار وانعدام الأمن، والحرب، كما رأينا في جورجيا. كما يقوض أيضا الحوار السياسي والتعاون الاقتصادي وعلاقات حسن الجوار التي تحتاج إليها دول القوقاز من أجل الرخاء والازدهار. وعلاوة على ذلك، فإن هذا الوضع المتوتر أصبح بدرجة أو بأخرى ملمحا متأصلا في القوقاز في السبعة عشر عاما الأخيرة، طالما أن أيا من المحاولات السابقة لحل الصراعات المطولة هناك لم يسفر عن أي نتائج بناءة. وهذا الوضع يتعين أن يتم تصحيحه بسرعة. تحتاج دول القوقاز إلى تطوير نهج فعال لإيجاد حلول لمشاكلها من الداخل. واقتراح تركيا هو جلب دول المنطقة معا في مظلة "برنامج التعاون والاستقرار في القوقاز". وهذا البرنامج، في ذلك السياق يوفر فرصةً. ولا يُقصد منه أن يصبح بديلا لأية مؤسسة أو آلية أو أية منظمة دولية تتعامل مع مشاكل القوقاز. وعلى العكس، فإنه برنامج وخطة إضافية لتسهيل التواصل بين دول المنطقة، وإطار لتنمية الاستقرار والثقة والتعاون، ومنتدى للحوار. وفي هذا السياق، فإنه ليس فقط متوافقا مع سياسات الاتحاد الأوروبي من تركيا ولكنه أيضا يكمل سياسات الاتحاد الأوروبي ورؤيته تجاه منطقة القوقاز، أي ما يُسمى "سياسة الجوار في الاتحاد الأوروبي". وهذا الملمح التكميلي قد يجلب قوة دفع جديدة وزخما جديدا فاعلا في المنطقة. ثانيا، لكي تصبح وسيطا نزيها وأمينا حقيقيا في المنطقة، اتخذت تركيا مبادرة لإيجاد بيئة مُحبذة صالحة لتطبيع علاقاتها الثنائية مع أرمينيا. فقد زار الرئيس التركي عبدالله جول يريفان في السادس من سبتمبر الجاري لمشاهدة المباراة المؤهلة لكأس العالم بين تركيا وأرمينيا. وهذه كانت خطوة أولى تاريخية لكسر الحواجز التي منعت بلدينا من الاقتراب من بعضهما بعضا أكثر. وخلال الزيارة إلى يريفان، ناقش الرئيسان الأرميني والتركي بكثافة الوضع الأمني في القوقاز، واحتمالات تطبيع العلاقات التركية الأرمينية وسبل ووسائل تحقيق مثل ذلك التطبيع في المستقبل القريب. لقد صاحبتُ (أنا كاتب هذا المقال) جول وكان لدي فرصة لمراجعة نفس الموضوعات بطريقة أكثر توسعا مع وزير الخارجية الأرميني إدوارد نابانديان. ولا شك، طالما أننا نمضي قدما، فإن أيا من المشاكل في المنطقة يمكن أن تفرض نفسها علينا على أساس أنها بلا حل. ثالثا، وحيث إن عملية تطبيع العلاقات التركية-الأرمينية تمضي قدما، فإننا يجب ألا نألو جهدا لإيجاد حل لمشكلة إقليم ناجورنو-كاراباخ. وهاتان العمليتان لهما طبيعة مُعززة بشكل متبادل - فأي تطور إيجابي على احداهما سيكون له تأثير مُحفز بدرجة كبيرة على الأخرى. وسافر جول، بعد زيارته إلى يريفان، إلى باكو في العاشر من شهر سبتمبر الجاري للاستفسار عما إذا كانت تركيا ستسهل حل مشكلة إقليم ناجورنو-كاراباخ. ونحن نلاحظ الالتزام في باكو، كما في يريفان، لجلب حل دائم للصراع بين أذربيجان وأرمينيا. وفي هذا السياق، من الضروري مرة أخرى إبراز أهمية الاتجاه البناء والشامل لحل المشاكل في منطقة القوقاز. إن تركيا مدافع قوي عن المبادئ الأساسية للقانون الدولي مثل استقلال وسيادة ووحدة وسلامة أراضي الدول وكذلك الحل السلمي للصراعات من خلال الحوار. وبالمبادرات التي اتخذت مؤخرا، تسعى تركيا لجلب الاستقرار والرخاء إلى منطقة القوقاز. ويمكن ل" برنامج الاستقرار والتعاون في القوقاز" أن يلعب دورا بارزا في تسهيل حدوث هذه المحصلة. إن بيئةً صالحةً للتعاون والتوافق والانسجام والثقة والتفاهم المشترك ستكون قابلة للتحقق في المنطقة فقط بعد حل النزاعات والصراعات في القوقاز سلميا وبلا رجعة. نشر في صحيفة " إنترناشيونال هيرالد تريبيون " ونقلته صحيفة " الوطن " العمانية 27/9/2008