الرد علي المشككين في صحيح البخاري وسُنة خاتم المرسلين
* د.أحمد عمر هاشم
الدكتور احمد عمر هاشم رئيس جامعة الازهر تتعرض السُنة النبوية المشرفة، خاصة صحيح البخاري في هذه الآونة إلي هجمات شرسة وعدوان صريح.
ولما كان صحيح البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله كان العدوان عليه والتشكيك فيه، عدوانا علي السنة كلها وتشكيكا في جميع أحاديثها وهي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، وبها يفهم القرآن وتعرف تفصيلات أحكامه.
أي انه عدوان علي الإسلام كله لقد زعم بعض الآثمين ان في أحاديث صحيح البخاري عددا كبيرا من الأحاديث التي لا يستسيغها فكرهم، وعقولهم ولم يفهموا معناها، لأنهم لم يقرأوا شرحها في كتب الشروح، ولم يسألوا عنها أهل الذكر.
وقبل ان أتناول الرد أحيل القاريء العزيز علي ما نشر في جريدتي الأخبار والأهرام يوم الجمعة 30 يوليو سنة 2010 مما كتبناه في الرد علي جميع المشككين الآثمين.
ثانيا: كان حكمهم علي الأحاديث نابعا من أهوائهم وليس عن منهج علمي.
- وللرد علي هذين السببين اللذين دفعا المعتدين علي السُنة، أقول وبالله تعالي التوفيق.
إن زعمكم بأن الأحاديث لا تتمشي مع عقولكم ولم تستسيغوا معناها زعم باطل نشأ بسبب أنكم لا علم لكم بالأحاديث ولا بمعناها، فلستم من أهل العلم ولا من المتخصصين في علم الحديث النبوي الشريف.
فلو أنكم أهل العلم أو حتي لو كلفتم أنفسكم النظر في كتب شروح الحديث أو سألتم بعض أهل العلم لعرفتم بيقين، ولعلمتم علم اليقين ان كل ما في صحيح البخاري صحيح وليس فيه حديث ضعيف.
والذنب في هذا ليس ذنبكم وحدكم ولكن يشارككم في هذه الجريمة النكراء أولئك الذين طبعوا كلامكم ونشروه، والذين أتاحوا لكم مساحة ليست قليلة في القنوات الفضائية لتفتروا بها علي دين الله وعلي سُنة رسول الله "صلي الله عليه وسلم" وعلي أصح كتاب بعد كتاب الله تعالي.
ان الحكم علي صحة الأحاديث ليس بالأحكام المشبوهة الصادرة عن عقول لا تستسيغ معناها لانها تجهلها ولا علم لها بها وإنما الحكم علي صحة الأحاديث يكون بمقاييس علمية ومناهج دقيقة وقواعد عميقة.
أما زعمهم الآخر الذي صدر عن أهوائهم وليس عن منهج علمي، فذلك لأنهم ليسوا من أهل العلم ولا التخصص في علوم الحديث فلعبت برءوسهم الأهواء المشبوهة فزعموا بدافع الهوي والتعنت ان في صحيح البخاري أحاديث ليست صحيحة .
ولو أنهم حكموا ضميرا حيا وعقلا سليما، وسألوا أهل الذكر ورجعوا للحق ما كانوا ليدعوا هذا الادعاء الباطل والظالم، لان صحيح البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله بحق، وما كان لجمهور علماء الحديث يتفقون علي هذا إلا لأنهم رأوا ان مقاييس الصحة في هذا الكتاب لا تعادلها مقاييس في أي ثقافة في الوجود.
وقد اتفق العلماء علي ان أصح الكتب بعد كتاب الله تعالي الصحيحان صحيح البخاري وصحيح مسلم - للإمامين الجليلين: البخاري ومسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول، وازدهرت بهما رياض السُنة النبوية في سائر القرون.
وقد التزم كل واحد من هذين الإمامين بأن يخرج في كتابه الأحاديث الصحيحة فهما إذا مشتركان في الصحة وفي أعلي درجات الصحة. ولدقة الإمام البخاري في رواية الصحيح كان يشترط اتصال السند واتفاق الرواة، وان يكون كل راو من الرواة قد ثبت لقاؤه بمن روي عنه وثبت سماعه منه.
وواقع الأمر بالنسبة للذين يحاولون الزعم بأن في صحيح البخاري أحاديث ضعيفة انهم احد رجلين:
أحدهما: عامد متعمد للقدح في أصح كتب السُنة النبوية فإنه إذا استطاع تجريح أصح كتاب فقد طال تجريحه السنة كلها وبالتالي يكون قد هدم المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم.
ولما كان القرآن الكريم لا يفهم إلا بالسنة الشريفة ولا يستطيع احد الوقوف علي تفصيل مجمله وتوضيح مبهمه وتخصيص عامه وشرح احكامه إلا بالسنة يكون المعتدون قد استطاعوا بالتالي ان ينالوا من الاسلام كله.
وأما الآخر من أصحاب الزعم الباطل فهو جاهل بحقائق علم الحديث، ويتبع أصحاب الهوي والزيغ، فلا علم له ولا دراية عنده وما هو إلا تابع لأهل الزيغ والضلال.
ومما زاد الأمر سوءا ان بعض هؤلاء رأي ان الحكم بالصحة أو عدمها يرجع الي ما يمكن ان يقبله العقل أولا يقبله. مع العلم بأن العقول تختلف في حكمها وفي معرفتها وكثير من العقول لا يمكن ان تستوعب بعض الأحاديث ولا يرقي فهمهم ليها فيحكمون عليها بالضعف مع انها في أعلي درجات الصحة.
هذا وقد أمرنا الله سبحانه وتعالي ان نطيع رسول الله "صلي الله عليه وسلم" فيما جاء عنه، ما دام قد ثبتت صحته واسناده إلي الرسول "صلي الله عليه وسلم" لان رب العزة سبحانه وتعالي قال:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَي اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ« سورة النساء "95".
وأوجب الله تعالي علينا ان نأخذ ما جاءنا به الرسول »صلي الله عليه وسلم« وان ننتهي عما نهانا عنه، سواء أدرك العقل هذا المعني أم لا وعليه ان يلتمس المعني عند أهل الذكر، وألا يحكم علي الحديث بعدم الصحة، حيث قال الله تعالي: "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا" سورة الحشر "7".
وقد امتن الله علي رسوله "صلي الله عليه وسلم" بأن أنزل عليه القرآن ليشرح ما جاء فيه للناس ويظهر المراد منه فقال الله تعالي: "وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم".
وروي المقدام بن معد يكرب قال: "حرم النبي "صلي الله عليه وسلم« أشياء يوم خيبر منها المعمار الأهلي وغيره فقال رسول الله "صلي الله عليه وسلم": "يوشك ان يقعد الرجل منكم علي أريكته يحدث بحديثي فيقول: بيني وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالا استحللنا وما وجدنا فيه حراما حرمناه وان ما حرم رسول الله كما حرم الله".
ولابد ان يكون الأمر معلوما للمتطاولين علي سنة الرسول "صلي الله عليه وسلم" والذين حاولوا عبر بعض مقالاتهم وبعض الفضائيات ان يردوا الأحاديث النبوية الصحيحة، بادعاء عدم فهمهم واستساغهم لها ليكن معلوما لهم بان رد الأحاديث الصحيحة وادعاء أنها ضعيفة، من اخطر ما يكون.
لأنه كذب علي رسول الله "صلي الله عليه وسلم"، لان الكذب كما يكون بإدخال ما ليس من الحديث في الحديث يكون أيضا برد ما هو صحيح وادعاء انه غير صحيح فكلاهما كاذب علي رسول الله "صلي الله عليه وسلم"، وله الوعيد الشديد حيث قال رسول الله "صلي الله عليه وسلم":" من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار".
وقال عليه الصلاة والسلام: "من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار" واني أوجه نداء من القلب إلي الذين جهلوا أو تجاهلوا، فدفعهم جهلهم أو تجاهلهم إلي موقفهم الآثم من حديث خاتم الأنبياء والمرسلين أقول لهم:
"يا أيها الناس توبوا إلي الله وارجعوا إلي الحق، واعلموا ان تكذيبكم للحديث الصحيح يوقعكم تحت طائلة الوعيد الذي يصيب كل من كذب علي رسول الله "صل يالله عليه وسلم.
وتعالوا إلي كلمة سواء ونحن علي اتم الاستعداد لبيان معاني الأحاديث التي لم تفهموها.
* أستاذ الحديث بجامعة الأزهر رئيس جامعة الازهر السابق جريدة " الأخبار" المصرية