إذا كان سلام فياض رئيس وزراء السلطة الفلسطينية (وهو من هو في صف الاعتدال) يعلن مقدماً أن الفشل هو المصير المرجح للمفاوضات مع حكومة نتنياهو..
فمن الذي يستطيع الرهان علي نجاح هذه المفاوضات؟!
وإذا كان محمد دحلان (بكل مواقفه السابقة) لا يرى في نتنياهو إلا «النصاب الذي لا يريد السلام والذي دمر العملية السلمية في السابق وسيدمر ما تبقى منها وسيجلب الخراب على كل المنطقة»..
فمن الذي يملك أن يتوقع أي نتائج ايجابية من التفاوض مع هذا النصاب؟!
لقد ذهب أبو مازن للمفاوضات المباشرة؟ كما قال؟ لأن الضغوط الأميركية عليه كانت لا تحتمل، وكان المبرر الذي ذهب به لهذه الاحتفالية ولبدء التفاوض المباشر، إنه «ليس لديه ما يخسره» بذهابه، سواء فشل التفاوض (وهذا هو المرجح) أو نجح..
وهو منطق يعرف أبو مازن نفسه أنه غير صحيح، وإلا ما كان قد حاول مقاومة الانجرار إلى هذا التفاوض حتى اللحظة الأخيرة.
الخسارة وقعت بالفعل بفتح الباب لاستئناف الاستيطان ولو بحلول وسط تسعى إليها الإدارة الأميركية التي ورطت نفسها فيما لا تقدر عليه، حين طلبت بحسم الإيقاف الكامل والفوري للاستيطان، فكانت النتيجة أن تراجعت وقبلت - لحفظ ماء الوجه بالتجميد المؤقت لعشرة شهور.
وهي تريد الآن أن تخرج من ورطتها بحل يرضي نتنياهو ويحافظ على حكومته، وبموافقة فلسطينية تفقد رئيس السلطة الفلسطينية هذه الورقة التي كانت ستصلح خطأ عمره من عمر اتفاق أوسلو الذي سمح بالتفاوض في ظل الاستيطان.
والخسارة وقعت بالفعل بإهداء فرصة لنتنياهو وحكومته للخروج من حصار عالمي يندد بجرائم "إسرائيل" ويشدد من مقاطعتها على كل الأصعدة.
فإذا بالقيادة الفلسطينية؟ تحت الضغط الأميركي؟ تعطي الفرصة لنتنياهو ليظهر كطرف باحث عن السلام مستعد لتقديم «التنازلات المؤلمة !!» وليس كممثل لأبشع احتلال عنصري على العالم كله أن يتصدى لاجتثاثه!!
والخسارة وقعت بالفعل، فقد كان موقف الرئيس الفلسطيني برفض التفاوض المباشر في ظل الاستيطان وبدون التزام واضح بإنهاء الاحتلال واستعادة حقوق اللاجئين، موقفاً يمكن أن يمثل أساساً لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية ويدفع بجهود المصالحة إلى الإمام.
فإذا بالصف الفلسطيني يمضي إلى المزيد من الانقسام والشرذمة مع استئناف التفاوض المباشر الذي عارضته كل الفصائل الفلسطينية داخل وخارج المنظمة، والذي يهدد بانقسام «فتح» نفسها التي تعارض غالبيتها ما حدث، وتذهب الأقلية مع أبو مازن للتفاوض وهي تقول «اطمئنوا.. المفاوضات ستفشل والحمد الله»!!
والخسارة وقعت بالفعل، حين يتحول الحديث من اتفاق علي «حل نهائي» يقيم الدولة الفلسطينية وينهي الصراع ويحقق السلام الذي هو «مصلحة أميركية» بقدر ما هو مصلحة لشعوب المنطقة..
إلى حديث عن «اتفاق مرحلي» أو «إعلان مبادئ» يجري التفاوض علي بنوده وتفاصيله في سنوات، لينتهي إلى ما أعلنه وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان بأن الحل هو «تسوية مؤقتة طويلة الأمد لأن التوقيع على اتفاقية سلام شاملة هو هدف غير متاح لا في السنة القادمة ولا حتى في الجيل المقبل»!!
والخسارة وقعت بالفعل حين لم يكتف الرئيس الأميركي بكل تراجعاته عن وعوده السابقة بموقف عادل من القضية، ولا باستسلامه أمام نتنياهو واللوبي اليهودي، ولا بمكافأة "إسرائيل" بصفقة سلاح تزيد قيمتها على ثلاثين مليار دولار في السنوات العشر القادمة.
وإنما يقف في «الاحتفال» ببدء التفاوض ليكرر للمرة الثانية خلال أسابيع حديثه المؤيد ل«يهودية» الدولة الإسرائيلية، وهو المطلب الذي جعله نتنياهو شرطاً لأي تسوية للصراع مع الفلسطينيين.
صحيح أن أبو مازن أشار في خطابه في نفس «الاحتفال» إلى أن الاعتراف المتبادل تم بين عرفات ورابين في بداية مسيرة أوسلو الفاشلة ولم يكن بالطبع يتضمن شيئاً عن «يهودية» الدولة الإسرائيلية التي يعرف أبو مازن كما يعرف نتنياهو وأوباما أنها تعني إسقاط حق العودة وتهدد وجود عرب 48 على أرضهم وفي وطنهم..
ولكن هذا لم يمنع نتنياهو أن يمضي في الشوط لآخره فيعلن فور عودته أن «فلسطينيي الداخل لابد أن يكونوا جزءاً من التسوية النهائية»..
ولا يعني ذلك فقط أن يتخلوا عن هويتهم القومية أو أي احتمال للانضمام إلى الدولة الفلسطينية (إذا قامت !!).. ولكنه يعني في الأساس بدء حرب الترانسفير لترحيلهم.
ورغم أن نتنياهو يعرف أن أبو مازن أو غيره في السلطة الفلسطينية ليسوا المؤهلين للحديث بالنيابة عن عرب 48، فإن ما يريده هو تحويل الاعتراف الأميركي ب «يهودية الدولة الإسرائيلية» إلى غطاء لتمرير مخطط الترحيل الجماعي لفلسطينيي الداخل والخلاص من الكابوس الديموغرافي الذي يمثلونه.
وهكذا يقحم فلسطينيي الداخل على مائدة التفاوض، ليس فقط لنسف المفاوضات أو وضع العراقيل أمام الحل، وإنما ليفتح الباب أمام الجريمة الأخطر حين يخرج القانون الجاهز والمؤجل الذي يفرض على عرب الداخل يمين الولاء للدولة «اليهودية» والخدمة في جيشها والتخلي عن أي رابط لهم بفلسطين أو العرب.. أو الطرد من وطنهم.
نتنياهو هنا لا ينسف المفاوضات، فقد نسفها قبل أن تبدأ، وكل الأطراف تعرف ذلك!! إنه هنا يفتح أبواب جهنم، ويبدأ الفصل الأخطر في تصفية القضية الفلسطينية.
والكارثة الحقيقية أن يتمكن من السير في تنفيذ مخططاته وهو جالس على مقعد المفاوضات ينشر الأوهام الكاذبة حول التسوية السياسية، ويجد من يعطيه التغطية اللازمة ليخدع العالم بصورة الباحث عن السلام، المستعد ل «التنازلات المؤلمة» !!