السياسة الإقليمية للصين في حقبة العولمة د.خالد عبدالعظيم والعالم يحيا أجواء الحدث الأوليمبي الدولي المفعم بالانجازات تتبدي جدوي الاستمرار في استلهام تجربة الصين وهي الدولة والحضارة التي اشتهرت عبر تاريخها ببناء السور العظيم لحماية الإقليم السياسي. اليوم القادة الجدد للصين قد طوروا تطويرا كبيرا من مفاهيم احتواء المخاطر الاستراتيجية التي قد تواجه الصبن من خارج حدودها في عصر جديد. أدت ظاهرة العولمة وتلقائيا إلي إعطاء( الأولوية الأولي للبحر) حيث إن90% من حركة التجارة العالمية تتم بحرا وبذلك أصبح نمو الدولة الصينية واستمرار حيويتها الاقتصادية متوقفا إلي حد كبير علي تأمين الامدادات الواردة بحرا إلي سواحل الصين. إذ في عام2010 سوف تشكل الواردات البترولية للصين61% من حجم الاستهلاك البترولي للصين, وفي عام2020 سوف ترتفع نسبة الواردات البترولية إلي77% من استهلاك الصين للنفط. والجانب الأكبر من هذه الواردات البترولية يتم نقله بحرا. ومؤدي المشهد الراهن أن الصين لا يمكن أن تواصل نهضتها الامبراطورية إلا إذا اعتمدت علي البحر اعتمادا جذريا, وتحاول الصين احتواء الخطوة الكائنة بتلك الاعتمادية البحرية وذلك بتحديث الفكر الاقليمي للدولة. تفاصيل المشهد:80% من البترول الوارد للصين بحرا يمر عبر( مضيق ملقا) وهو أقصر طريق بحري بين المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي الكائن بالمحيط الهادئ, وتسلك هذا المضيق السفن وناقلات البترول القادمة من الخليج باتجاه الصين. ولأنه أقصر طريق بحري بين محيطين, تجتازه قرابة25 ناقلة بترول يوميا. ويصل الصين وحدها12 مليون برميل بترول/ يوميا. وبذلك فمضيق ملقا يمر به يوميا ثلاثة أمثال البترول الذي يمر في قناة السويس وخمس عشرة مرة حجم البترول الذي يمر في قناة بنما الأمريكية. وهو ما يدعو إلي الاعتقاد بأن النقطة الحرجة في الأمن القومي للصين ليست تايوان, وإنما إمكانية اعتراض خطوط الامداد البحري بالبترول في النطاق القائم بين مضيق هرمز ومضيق ملقا..؟ الهند موجودة في( موقع جغرافي متقدم مكانيا) علي طريق هرمز ملقا, وبذلك فالهند هي( رمانة الميزان) في المحيط الهندي. ليس هذا فقط بل إن( سواحل الهند طليقة) فهي تفتح علي مسطحات هائلة من مياه المحيط الهندي مما يعطي الهند القدرة علي الدخول في مناورات بحرية مع الأمريكيين وهم متمركزون في( قاعدة دييجو جارسيا) بالمحيط الهندي علي مسافة تقل عن2000 كم من ضفاف الهند, وقد وصلت جرأة المناورات الأمريكية الهندية إلي الاقتراب المباشر من مضيق ملقا. علي الجانب الآخر من المشهد الاقليمي تبدو الصين في( موقع جغرافي متراجع مكانيا) بالنسبة للهند, مما يعني أن الهند جغرافيا هي الطرف الأقرب للسيطرة علي هرمز ملقا, لأنها مكانيا تبدو في( موقع متقدم في مياه المحيط) مقارنة بموقع الصين الذي يبدو علي الخريطة متراجعا بل وخلفيا. يزيد كذلك من القيود الموضوعة علي حرية حركة الصين ذلك أن سواحل الصين ليست طليقة كما في حالة الهند, وذلك لأنها تفتح علي بحار شبه مغلقة نتيجة وجود عدد كبير من الجزر ومن ثم فالخروج والدخول إلي سواحل الصين يتم عبر مضائق حرجة! وبالتالي فإن الجغرافيا الطبيعية لكل من الهند والصين أنشأت وضعا سياسيا للهند يمنحها التميز والأفضلية في مواجهة الصين. فعملت بكين علي احتواء التحدي بتوظيف المعطي الجغرافي القائم حول سواحل الهند بهدف تأمين المصالح البترولية العليا للصين.. كيف؟ بإنشاء حزام متكامل من تمركزات للبحرية الصينية( حول ضفاف الهند) وذلك تحديدا في الدول التالية: ميانمار بنجلاديش سريلانكا باكستان وربما إحدي الجزر الايرانية مستقبليا جزر المالديف جزر سيشل. وهو ما يعني النجاح فعليا في تحرير دفاعات الصين من سواحلها المقيدة وغير الطليقة. لذلك أقامت الصين علاقات سياسية واقتصادية متميزة للغاية مع بعض الدول المجاورة, تكاثفت بشكل كبير في الآونة الأخيرة بهدف تأمين طريق هرمز ملقا. وهذه العلاقات المتميزة لا شك أنها حولت هذه المجموعة من الدول في المحيط الهندي إلي( حدود جيوبوليتيكية) للصين, أي نقاط علي الخريطة أنشأت بها الصين مصالح متبادلة وعلاقات طيبة لدعم أمنها الخارجي الذي هو بالمفهوم المتطور للسياسة الإقليمية هو نتاج( الحدود الجغرافية والحدود الجيوبوليتيكية للدولة). هذا الخط الفكري بشأن السياسة الاقليمية للدولة في عصر تجاري بالأساس يلائم الظروف الحضارية لمنطقة البحر المتوسط, اذ من المصلحة العليا للمنطقة العربية إنشاء حدود جيوبوليتكية لها في شمال البحر المتوسط, حدود قوامها المصالح الانمائية المتبادلة والعلاقات البناءة مع زعماء أوروبا الجديدة الموحدة الناهضة. في هذه الحدود الجيوبوليتيكية في شمال البحر المتوسط ضرورة أمن وسلام حيوي للغاية لمستقبل إنمائي أفضل وأكثر استقرارا للمنطقة العربية دونما تفريط في ثوابت الحق العربي. ان العقل الجمعي العربي مدعو الي التفاعل بايجابية مع منطق العصر: التجمعات الاقليمية. فزمن الدول فرادي قد ولي لأن التحديات أصبحت في معظمها اقليمية وأحيانا عالمية. عن صحيفة الاهرام المصرية 20/8/2008