سوريا وإسرائيل .. ما وراء النص خليل العناني لم تكن الغارة الجوية التي قامت بها طائرات إسرائيلية على مواقع سورية مجرد رسالة تحذيرية أرادت تل أبيب أن ترسل بها إلى دمشق، بقدر ما كانت إعلاناً مبطناً على إمكانية تحول الحرب الباردة بين الطرفين إلى صراع ساخن قد يتفلت من بين أصابعهما. مبررات كثيرة سيقت في إطار تفسير الغارة الإسرائيلية، وذلك في ظل التكتم الشديد من الطرفين، فالبعض يقول بأن الغارة الجوية الإسرائيلية استهدفت مستودعاً للذخيرة يتم من خلاله تزويد حزب الله بما يحتاجه من السلاح، والبعض الآخر يرى بأنها استهدفت قاعدة عسكرية سورية - إيرانية، والبعض الثالث يذهب أبعد من ذلك حين يقرر أن الغارة كانت لطائرات أميركية انطلقت من أراض تركية على قاعدة عسكرية مشتركة بين سوريا وإيران وذلك بهدف توجيه رسالة إلى دمشق لأجل سلخ التحالف الاستراتيجي بين دمشقوطهران. وبغض النظر عن هذه التفسيرات وغيرها مما قد يطرح في سياق تسخين الجبهة السورية - الإسرائيلية فإن ما حدث يشي بأن الأوضاع على الجبهة السورية تنضج بشكل متواتر وذلك استعداداً لشيء ما يجري تحضيره، أو على الأقل التمهيد له. فعلى سبيل المثال لا يمكن فك الارتباط بين هذه الغارة وبين المناورات التي قامت بها القوات السورية قبل شهر على حدودها مع إسرائيل، كما أنها لا تبتعد كثيراً عن حالة الاستنفار التي جرت بين القوات الإسرائيلية في هضبة الجولان. إسرائيل، وبالأحرى حكومة إيهود أولمرت الضعيفة تشعر بأنها في حالة وهن غير مسبوق، وهي في حاجة إلى القيام بأي عمل عسكري قد يعد بمثابة تعويض واسترجاع للهيبة المفقودة منذ حرب يوليو الماضي، وهي في ذلك تستشعر رغبة عدوانية تحركها تعقيدات الساحة الإسرائيلية الداخلية وتزايد قوة اليمين المتطرف بزعامة بنيامين نتانياهو واستعداده للوثوب محل أولمرت. وتحاول تل أبيب الاستفادة أيضا من حال الفوضى وخلط الأوراق التي تعصف بالشرق الأوسط، بدءاً من تفسخ اللحمة الفلسطينية بين فتح وحماس، وانهيار الأوضاع في العراق وانغماس الولاياتالمتحدة في العراق بشكل غير مسبوق، ناهيك عن المخاوف التي تثيرها إيران لدى الجميع في المنطقة. في هذا السياق يبدو الحديث عن مؤتمر للسلام يعقد في الخريف المقبل، مجرد محاولة لتبريد الأوضاع في المنطقة، فالأجواء الراهنة تجعل من الصعب نعت أي مؤتمر إقليمي أو دولي بوصف السلام، ذلك أنها أجواء حرب. تلك هي الحقيقة التي يهرب منها الجميع سواء في واشنطن أو تل أبيب أو طهران. فأحد المزايا التي قد يمنحها مثل هذا المؤتمر لإسرائيل هو إحكام القبضة الإقليمية على سوريا، التي لن تشارك في مؤتمر كهذا لا يضع حلولاً للقضايا المصيرية وفي مقدمتها قضية الجولان. كما أن مثل هذا المؤتمر قد يعد بداية تدشين لمحور عربي - أميركي - إسرائيلي لمواجهة طهران، التي تصر على خلط الأوراق الإقليمية والدولية بسبب ملفها النووي ونفوذها المتعاظم في العراق. في حين تسعى واشنطن لتحقيق أي مكاسب، ولو وهمية من خلال "إعادة اختراع عجلة السلام" في المنطقة، والقفز على مقررات أوسلو التي كانت تشكل حتى وقت قريب قاعدة أساسية لأي اتفاقات سلام قد تعقد في المنطقة. ولا يضير هنا أن يصبح فشل المؤتمر الدولي للسلام، وهو احتمال مرجح في ظل غياب جدول أعمال منطقي ومعقول لبنود المؤتمر، مقدمة لأي تصعيد عسكري جديد بين أطراف النزاع التقليدية في المنطقة. وحينئذ سيسعى كل طرف لشحن بطارياته وإعادة ترتيب أوراقه من أجل الاستفادة من أجواء هذا التوتر ودفعها باتجاه تعظيم مكاسبه. وسوءة الأمر أن ثمة افتراضاً لدى جميع الأطراف بامتلاك الحقيقة المطلقة، والاقتناع بقدرته على جر الخصوم إليه، فإيران تستقوي بالعديد من الأوراق الإقليمية، وإذا انفض تحالفها الاستراتيجي مع سوريا فإنها لن تعدم علاقاتها الاستراتيجية مع حلفاء آخرين، ومستعدين للخوض معها إلى نهاية الطريق في سبيل مواجهة المشروع الصهيو - أميركي في المنطقة. وإسرائيل تستقوي بوضعها الاستراتيجي وبحال الاسترخاء العسكري، الذي قد يمنحها ميزة التحرك بأريحية ضد أي طرف إقليمي. خلاصة القول إذاً أن المنطقة تسير باتجاه مصير معروف، ليس أقله أن يصبح السلام ، لغة ومنهجاً، مجرد أضغاث أحلام طالما أصرت جميع الأطراف المنخرطة في الصراع على لغتها الخشنة ولم تسع لتليين مواقفها. عن صحيفة الوطن العمانية 15/9/2007